نص تقرير الأمين العام للجامعة العربية حول لبنان

TT

تهدي الأمانة العامة لجامعة الدول العربية (مكتب الأمين العام) أطيب تحياتها إلى المندوبية الدائمة الموقرة (جميع المندوبيات).

وفي إطار التحضير للاجتماع المستأنف للدورة غير العادية لمجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري والمقرر عقده يوم الأحد 27/1/2008، تتشرف بأن ترفق مع هذه الرسالة الموجهة من الأمين العام إلى السيد وزير خارجية دولتكم الموقرة، ومرفق بها تقريران حول نتائج مهمة للأمين العام في لبنان.

برجاء التفضل باتخاذ ما ترونه مناسباً نحو تسليمها إلى معاليه.

وتنتهز الأمانة العامة لجامعة الدول العربية هذه المناسبة لتعرب للمندوبية الموقرة عن فائق تقديرها.

تتمثل الأكثرية بالشيخ سعد الحريري والرئيس أمين الجميل ويمثل المعارضة الجنرال ميشال عون.

يتضمن جدول أعمال الاجتماع بحث آلية تنفيذ المبادرة العربية ببنودها الثلاثة وهي:

* الآلية الدستورية التي يجب الاتفاق عليها لانتخاب الرئيس التوافقي العماد ميشال سليمان * الاتفاق على نسب تمثيل كل من الفريقين وكذلك حصة رئيس الجمهورية في حكومة الوحدة الوطنية وفقاً للصيغة المقررة في اجتماع وزراء الخارجية (ألا يتيح التشكيل في هذه الحكومة ترجيح قرار أو إسقاطه بواسطة أي طرف ويكون لرئيس الجمهورية كفة الترجيح) دون الدخول في الأسماء أو توزيع الحقائب الوزارية، وعلى أن يترك أمر تسمية رئيس الوزراء للمشاورات النيابية التي سوف يجريها الرئيس اللبناني بعد انتخابه وفقاً للأصول الدستورية المتبعة.

* بحث التوضيحات المطلوبة من قبل الطرفين والتي سيتم على أساسها صياغة قانون جديد للانتخابات البرلمانية، والمقرر بدء العمل على إنجازه بعد انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة.

2- وفي هذا الإطار، انعقد الاجتماع المذكور في مقر البرلمان اللبناني واستمر أكثر من ثلاث ساعات تحت رعاية الأمين العام، وبحضور الرئيس أمين الجميل والشيخ سعد الحريري والجنرال ميشال عون وعدد من مساعديهم، حيث جرى التداول بعمق وجدية في المسائل المشار إليها أعلاه، وجاءت حصيلة مداولات هذا الاجتماع كما يلي:

2-1 فيما يتعلق بالآلية الدستورية التي يجب اعتمادها لانتخاب الرئيس: أبدت الأكثرية استعدادها للتجاوب مع الاقتراح المطروح من جانب بعض أقطاب المعارضة بشأن إمكانية انعقاد مجلس النواب فوراً لانتخاب رئيس الجمهورية استناداً إلى المادة 74 من الدستور، بالرغم من التحفظات التي كانت قد عبرت عنها بشأن مدى دستورية هذا الاقتراح وذلك لتجاوز الخلاف القائم حول هذا الأمر، كما أشارت الأكثرية أيضاً إلى أن لديها اقتراحاً دستورياً يسمح بتمرير عملية الانتخاب وسيحظى بقبول المعارضة (لم تعرض قيادة الأكثرية تفاصيل هذا الاقتراح)، واتضح من المناقشات أنه في حالة إنجاز الاتفاق على البنود الأخرى فإنه يمكن تجاوز الخلاف القائم حول هذا البند، والتوصل إلى حل مرضي للطرفين.

2-2 فيما يتعلق بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية: عرض الأمين العام تفسير الجامعة العربية للبند الثاني من المبادرة العربية والمتعلق بتشكيل الحكومة على أساس أن القاعدة التي بني عليها هذا البند هي أن أي صيغة لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية يجب أن لا تمنح الثلث +1 للمعارضة (أي حق الإسقاط) ولا النصف + 1 للأكثرية (أي حق الترجيح) على أن يكون لرئيس الجمهورية كفة الترجيح.

2-3 إن الحد الأقصى المطروح لهذا التفسير يمكن أن يكون 15 للأكثرية + 10 للمعارضة +5 للرئيس (وجهة نظر الأكثرية) والحد الأدنى كما تطرحه المعارضة هو 10 + 10 + 10 وفي كل الأحوال، فإن المعارضة لن يكون باستطاعتها الحصول على الثلث + 1، والأكثرية لا يمكن أن تحصل على النصف + 1، كما إن هذا التفسير لا يمنع من مناقشة مطلب الأكثرية بمقاعد وزارية أكثر من المعارضة لكونها وبحكم العرف المعمول به في تشكيل الحكومات تمتلك أكثرية المقاعد في مجلس النواب، كما أنه لا يمنع مناقشة اقتراح المعارضة توزيع الحقائب الوزارية طبقاً لنسبة تمثيل الكتل النيابية في البرلمان.

2-4 تبين أثناء المناقشات في الاجتماع الرباعي أن الخلاف محتدم حول هذا البند حيث أصرت المعارضة على وجهة نظرها بأن تفسير هذا البند وطبقاً لصيغة المبادرة العربية يعني المثالثة أي صيغة 10 + 10 + 10، وإنه في حالة عدم الأخذ بهذا التفسير فإن المعارضة تصر على تشكيل يسمح لها بالحصول على نسبة 45 % من أعضاء الحكومة مقابل 55 % للأكثرية (13 وزيراً للمعارضة و17 وزيراً للأكثرية) وذلك وفقاً لحجم نسبة تمثيل كتلتي الأكثرية والمعارضة في البرلمان، وأبدت المعارضة استعدادها للتنازل عن جزء من حصتها على أن لا يحرمها ذلك من الحصول على الثلث + 1 وهو الحد الأدنى الذي يمكن أن تذهب إليه لضمان تحقيق مشاركتها في عملية اتخاذ القرار حسب وجهة نظرها.

2-5 أما هذا الخلاف المحتدم بين الفريقين، وبعد نقاش مطول، قدم السيد الأمين العام اقتراحاً للتفكير فيه والتداول حوله بأنه يكون التشكيل على النحو التالي: 13 (للأكثرية) + 10 (للمعارضة) + 7 (للرئيس) مع دراسة إمكانية التوصل إلى تفاهم سياسي بين الطرفين يمنح كلاً من المعارضة والأكثرية ضمانات وتطمينات متبادلة لإزالة ما لديهما من مخاوف وهواجس بشأن نوايا كل منهما تجاه الآخر، وبما يحقق مشاركة حقيقية في إدارة أعمال مجلس الوزراء، وفي هذا السياق، وكمثال لأي طرف من الأطراف، ويجب منحه الثقة والتأييد الكامل من قبل الجميع حتى يستطيع أن يقوم بدوره كرئيس توافقي.

- إن المطلوب من طرفي المعارضة والأكثرية تقديم تنازلات متبادلة، فلا يجوز للمعارضة أن تستمر في المطالبة بالحصول على الثلث المعطِل أي (الثلث + 1 من أعضاء الحكومة)، كما إن على الأكثرية أن تتخلى عن حقها في ترجيح القرارات، أي أن ينطلق النقاش من صيغة مبنية على 14 للأكثرية و6 لرئيس الجمهورية و10 للمعارضة في التشكيل الحكومة الجديد، ويمكن لهذا النقاش أن يدور في هذا الإطار ليشمل صيغ 13 أو 12 للأكثرية و10 للمعارضة وبقية الوزراء للرئيس بحسب النسبة التي سوف تحصل عليها الأكثرية، وفي كل الأحوال لا يصح أن يكون هناك مطالبة بمساواة في أعداد الوزراء بين المعارضة والأكثرية لأن من حق الأخيرة كغالبية نيابية الحصول على عدد أكبر من الوزراء ولا يمكن حرمانها من هذا الحق وفقاً لما هو متعارف عليه لبنانياً في تشكيل الحكومات.

- أن على القيادات السياسية اللبنانية أن تتحمل مسؤولياتها التاريخية وتتصرف كما يتصرف رجال الدولة الحقيقيون في اللحظات التاريخية الحاسمة، والكف عن ممارسة العمل السياسي بأفق ضيق لا يهتم بالمصالح العليا ومستقبل لبنان وأمنه، حتى يمكن كسر الحلقة المفرغة التي يدور النقاش فيها حالياً، فلا يجوز أن يظل مصير لبنان رهينة للخلاف القائم على الحصص وعدد الوزراء في الحكومة، وتعطيل الحلول بسبب خلاف حول وزير أو اثنين لصالح هذا أو ذاك من الطرفين.

- انه لا بد من استئناف الحوار وفتح قنوات الاتصال المباشر بين القيادات اللبنانية سواء على المستوى الثنائي أو الموسع لحل عقدة الآلية الدستورية وعقدة توزيع الحصص في الوزارة الجديدة باعتبار أن حل هاتين العقدتين يشكل الأساس للانطلاق نحو تنفيذ ما جاء في المبادرة العربية بشأن انتخاب الرئيس أولاً وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية ثانياً.

ثالثاً: مواقف الأطراف اللبنانية من المبادرة العربية:

أطلقت المبادرة العربية وزيارة الأمين العام إلى بيروت الأمل مجدداً بإمكانية تحقيق التوافق بين الأكثرية والمعارضة على صيغة حل مقبولة من الطرفين حول العقدتين الرئيسيتين اللتين اصطدمت بهما المبادرات والجهود العربية والدولية السابقة لحل الأزمة، وهما عقدة الآلية الدستورية التي يجب اعتمادها لانتخاب الرئيس، وعقدة نسب التمثيل في الحكومة، باعتبار أن التوافق حاصل حول انتخاب العماد ميشال سليمان ومبدأ صياغة قانون جديد للانتخابات النيابية، وهذا في حد ذاته معطى إيجابي إذا ما قورن بالأجواء السلبية التي كانت سائدة قبل هذه المبادرة والتي أدت إلى توقف الحوار والمفاوضات بين الأطراف اللبنانية.

إلا انه ورغم ترحيب كل من قيادات الأكثرية والمعارضة بالمبادرة العربية وإحساسهما المشترك بان هذه المبادرة قد جاءت في توقيت مناسب لمساعدتهما على حل الأزمة، إلا أن الخلاف المحتدم بينهما ما زال قائماً حول سبل حل هاتين العقدتين، ولقد فتحت اللقاءات الثنائية التي أجراها الأمين العام مع قيادات الأكثرية والمعارضة أبواب النقاش مجدداً حول البدائل والحلول التي يمكن اعتمادها لحل هاتين العقدتين، وفيما يلي عرض لخلاصة مواقف الطرفين:

فيما يتعلق بعقدة الآلية الدستورية لانتخاب الرئيس: ترى الأكثرية أن إمكانية التوصل إلى توافق حول حل لهذه العقدة ممكن وإنما بشكل لا يتجاهل حكومة الرئيس السنيورة وبما يتفق مع الدستور اللبناني، وترى أغلب القيادات المسيحية ضمن الأكثرية وكذلك بعض القيادات المسيحية في المعارضة انه وفقاً للدستور فإن هذه الآلية يجب أن تمر أولاً باتفاق على عقد اجتماع للمجلس النيابي لإقرار تعديل المادة (49) من الدستور حتى يتاح المجال لانتخاب العماد ميشال سليمان (المادة التي تنص على انه لا يجوز انتخاب موظفي الفئة الأولى خلال مدة قيامهم بوظيفتهم)، وفي هذه الحالة فإن التعديل لا بد وأن يمر عبر حكومة الرئيس السنيورة حتى يكون دستورياً.

وبالرغم من هذا الموقف من قبل تلك القيادات فإن بعضها أبدى استعداده للتعامل بمرونة مع طرح المعارضة بأنه يمكن ووفقاً للمادتين (74 و75) من الدستور أن يتم عقد البرلمان وانتخاب العماد سليمان دون حاجة إلى تعديل الدستور نظراً للظرف واستعدادات لنقل المواجهة إلى الشارع خلال الأسابيع القليلة المقبلة، وتجدر الإشارة إلى أن هذه المخاوف عبرت عنها أيضاً مختلف قيادات فريقي الأكثرية والمعارضة.

ثانياً: زيارة دمشق: كانت زيارة الأمين العام لدمشق مقررة سابقاً بناءً على دعوة رسمية تلقاها للمشاركة في الاحتفال الخاص بإعلان دمشق عاصمة للثقافة العربية لعام 2008، وانتهز الأمين العام فرصة مشاركته في هذا الاحتفال لعقد لقاء مع فخامة الرئيس بشار الأسد بحضور السيد وليد المعلم وزير الخارجية صباح يوم السبت 19/1/2008، كما عقد في اليوم ذاته لقاء آخر مع السيد فاروق الشرع نائب رئيس الجمهورية، وكذلك أجرى الأمين العام على هامش زيارته لدمشق مشاورات مع الشيخ حمد بن جبر آل ثاني رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية لدولة قطر انضم إليها الوزير وليد المعلم وذلك مساء يوم الجمعة 18/1/2008، وتناولت مباحثات الأمين العام في دمشق نتائج ما وصلت إليه الجهود التي يقوم بها في بيروت لمتابعة تنفيذ المبادرة العربية، إضافة إلى الموضوعات الأخرى المتصلة بترتيبات انعقاد القمة العربية المقبلة في دمشق وتطورات الأوضاع في المنطقة وبخاصة في فلسطين والعراق، وكانت حصيلة المشاورات التي أجراها الأمين العام مع الجانب السوري بشأن لبنان على النحو التالي:

تأكيد حرص سورية على توفير الدعم لمساعي الأمين العام لإنجاح تنفيذ المبادرة العربية بعناصرها المتكاملة والتي وافق عليها مجلس الجامعة الوزاري بالإجماع.

التأكيد أيضاً على الاتفاق مع الأمين العام على التفسير الذي قدمه للبند الثاني من المبادرة العربية والمتعلق بتشكيل الحكومة، مع الإشارة إلى أن سورية ترى أن صيغة المثالثة (10 + 10 + 10 ) هي الصيغة المنطقية لكونها تحقق التوازن المطلوب بين الفرقاء وتضمن تطبيق الصيغة اللبنانية "لا غالب ولا مغلوب" تأكيد دعم سورية لتحرك الأمين العام في بيروت والذي أفضى إلى الاتفاق على إقامة آلية للحوار بين فريقي الأكثرية والمعارضة لبحث سبل تنفيذ المبادرة العربية، وضرورة استمرار العمل بهذه الآلية رغم كل الصعوبات الراهنة، حتى يكون هناك إطار للحوار المباشر بين الفريقين وتحت رعاية الجامعة العربية.

أن المطلوب في هذه المرحلة مواصلة المساعي العربية لتذليل العقبات وحل الخلافات، ولهذا الغرض يجب أيضاً السعي لاحتواء التوتر والاحتقان السياسي حتى لا ينتقل إلى الشارع، ويكون هناك تهدئة لحدة الحملات الإعلامية المتبادلة لفتح المجال إما مواصلة الحوار بين الطرفين حول العناصر الرئيسية أو العناوين العريضة التي سوف يتضمنها البيان الوزاري لحكومة الوحدة الوطنية (دون الدخول في التفاصيل)، لكون ذلك سوف يسهم في خلق أجواء الثقة بين الفريقين ويتيح التوصل إلى اتفاق حول النقاط الخلافية.

التعبير عن دهشة سورية وانزعاجها مما يوجه إليها من رسائل لممارسة الضغوط على حلفائها من المعارضة في لبنان، في الوقت الذي لم تلمس فيه سورية أن هناك ضغوطاً مماثلة تمارس على الأكثرية من قبل الأطراف العربية أو الدولية المعنية والتي لديها نفوذ أو تأثير كبير عليها.

الإشارة إلى أهمية أن يكون هنا جهود عربية مشتركة (وخاصة بين السعودية وسورية) تواكب تحرك الأمين العام مع الأطراف اللبنانية حتى يمكن تذليل العقبات التي تعترض تنفيذ المبادرة العربية وتوفير الزخم المطلوب لإنجاحها تحت رعاية الجامعة باعتبارها الطرف الأقدر على إنجاز الحل المطلوب للأزمة الراهنة واستعادة الوفاق الوطني اللبناني.

التشديد على أن سورية حريصة على الوصول إلى حل في لبنان وعلى قاعدة "لا غالب ولا مغلوب"، نظراً لأن أي اضطراب أمني أو سياسي في لبنان يمس سورية بشكل مباشر، كما أنها حريصة على التوصل إلى حل سريع لهذه الأزمة وبما يوفر الأجواء الملائمة لتأمين انعقاد ناجح للقمة العربية المقبلة في دمشق، إلا أن سورية، وفي الوقت نفسه، لا تقبل بأن يتم ممارسة الضغوط عليها من باب الأزمة اللبنانية، التي لا تمتلك سورية وحدها مفاتيح التحكم في مجمل مجرياتها وتداعياتها.

ثالثا: استئناف مباحثات الأمين العام في بيروت:

أثناء تواجد الأمين العام في دمشق، تابع السيد هشام يوسف رئيس مكتب الأمين العام الاتصالات واللقاءات مع ممثلي قيادات الأكثرية والمعارضة في بيروت لتأمين استئناف ناجح للاجتماع الرباعي الذي يضم الشيخ سعد الحريري والرئيس أمين الجميل والجنرال ميشال عون والأمين العام والذي كان مقرراً عقده مساء يوم السبت 19/1/2008، حيث جرى التباحث في مختلف الخيارات والبدائل لحل عقدة تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، وأبلغ ممثلو الأكثرية والمعارضة السيد هشام يوسف عدم تفضيلهما الخوض في موضوع "الضمانات أو التطمينات المتبادلة" باعتبار أن البحث فيها لن يكون مجدياً في هذه المرحلة، كما نقل إليه ممثلو المعارضة أن تفسيرهم لما جاء في البند الثاني من المبادرة العربية هو اعتماد صيغة المثالثة بين الرئيس والأكثرية والمعارضة ( 10 + 10 + 10)، وإذا كان هذا الأمر متعذراً التوافق عليه فإن المعارضة تصر على المطالبة بأن تكون حصتها الثلث + 1 كحد أدنى في أي تشكيلة حكومة، كما أن ممثلي فريق الأكثرية عبروا للسيد هشام يوسف مجدداً عن استعدادهم السير في اقتراح الأمين العام وهو صيغة 13 للأكثرية +10 للمعارضة + 7 للرئيس، ولكن في إطار التوافق على حل متكامل حول جميع البنود المطروحة كما يبق الإشارة إليه.

فور وصول الأمين العام إلى بيروت قادماً من دمشق مساء يوم 19/1/2008 (الساعة الثامنة مساء) أبلغ عبر السيد جبران باسيل ممثل الجنرال عون، بأن الجنرال أصيب بوعكة صحية مفاجأة اقتضت دخوله المستشفى لإجراء بعض الفحوصات الطبية، وبالتالي سيكون من المتعذر عليه حضور الاجتماع المقرر عقده في التاسعة مساءً، وأبدى السيد باسيل استعداده لحضور "الاجتماع الرباعي" بحيث يضمه وممثلين عن الشيخ سعد الحريري والرئيس أمين الجميل وبحضور ممثلي الجامعة العربية، كما أشار إلى أنه يحمل إجابات الجنرال عون على ما جرى بحثه في الاجتماع الرباعي يوم 17/1/2008.

وبناءً عليه أجرى الأمين العام مشاورات مع الرئيس نبيه بري والشيخ سعد الحريري والرئيس أمين الجميل وجرى التفاهم على عقد هذا الاجتماع الرباعي على مستوى ممثلي قيادات الأكثرية والمعارضة في الموعد نفسه بمقر البرلمان، وحضر هذا الاجتماع كل من السيد : هاني حمود (ممثلاً عن الشيخ سعد الحريري) والسيد سليم صايغ (ممثلاً عن الرئيس أمين الجميل) والسيد جبران باسيل (ممثلاً عن الجنرال عون) والسيد هشام يوسف رئيس مكتب الأمين العام والمستشار طلال الأمين من مكتب الأمين العام، وخلاصة ما جرى بحثه في هذا الاجتماع جاءت على النحو التالي:

* ذكر السيد جبران باسيل أن المعارضة ترى بأن البحث في موضوع "الضمانات والتطمينات المتبادلة" يحول دونه صعوبات كثيرة خاصة وأن الاتفاق بشأنها يمكن أن يمس بالدستور، إلا أنه وبالرغم من ذلك أبدى استعداده للاستماع إلى مقترحات فريق الأكثرية حول هذا الموضوع.

ـ وفيما يتعلق بتشكيل الحكومة ذكر السيد باسيل أن تفسير المعارضة لما جاء في البند الثاني من المبادرة العربية هو أن يكون التوزيع مثالثة بين الأكثرية والمعارضة ورئيس الجمهورية باعتبار أن النص لا يعطي إمكانية الحصول على حق الإسقاط أو حق الترجيح لأي طرف ( المعارضة والأكثرية) وأن صيغة 13 +10 + 7 تعطي للأكثرية حق التعطيل أو الإسقاط كما أنها تعطيها الترجيح (أغلبية الثلثين) في حالة انضمام أصوات الوزراء الذين سيختارهم الرئيس إلى أصوات الأكثرية، وأكد السيد باسيل أنه إذا ما تعذر تبنى مثل هذا التفسير (صيغة المثالثة) فإن المعارضة لن تقبل بأي تشكيل لا يسمح لها بالاحتفاظ بالثلث + 1 الضامن من وجهة نظرها لمبدأ الشراكة في الحكومة.

ـ وفيما يتعلق بالبند الثالث والمتعلق بالقانون الانتخابي الجديد فلقد طلب أن يكون هناك نص واضح باعتماد القضاء كدائرة انتخابية على أساس التقسيمات الإدارية لقانون الانتخابات لعام 1960 .

ـ اخذ ممثلا الأكثرية علما بردود المعارضة دون التعليق عليها وذكرا بأنهما غير مفوضين بالتباحث في تفاصيل ردود المعارضة أو الحوار بشأنها.

4 ـ وفى ضوء ما تقدم تابع الأمين العام إجراء اتصالات ومشاورات مع الرئيس نبيه برى والرئيس فؤاد السنيورة والرئيس أمين الجميل والشيخ سعد الحريري، كما أجرى اتصالا هاتفيا مع الجنرال عون للاطمئنان على صحته وتناولت مباحثات السيد الأمين العام نتائج زيارته لدمشق وما توصل إليه من استنتاجات بشأن الجهود المبذولة لتنفيذ المبادرة العربية مؤكدا على النقاط التالية:

ـ أهمية المحافظة على ما تم تحقيقه والبناء عليه وخاصة آلية الحوار (صيغة الاجتماع الرباعي) وذلك لأنها الإطار الوحيد المتاح لإعادة بناء الثقة واستكمال الحوار المباشر بين الطرفين حول المسائل الخلافية المطروحة كما حذر من مخاطر تعطل قنوات الحوار المباشر بين الفريقين الأمر الذي سوف يكون له آثار سلبية كبيرة على المساعي المبذولة لإنتاج الحل التوافقي بين الطرفين على أساس بنود المبادرة العربية.

ـ إن المبادرة العربية وإن كانت لم تستطع في هذه المرحلة تحقيق نتائج ملموسة إلا أن تقدما قد تم إحرازه ولا يجوز التفريط به وهو: ـ أن الجميع متفقون على انتخاب العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية وان الآلية الدستورية لانتخابه لن تكون عقبة.

ـ هناك إمكانية للتوصل إلى صيغة وسط بين موقف المعارضة 10 + 10 + 10 وموقف الأكثرية 15 + 10 + 5 إذا ما استمر الحوار وتم استعادة الحد الأدنى من أجواء الثقة بين الطرفين.

ـ هناك إمكانية لمناقشة صيغة توافقية حول اعتماد القضاء كدائرة انتخابية في قانون الانتخابات الجديد المزمع صياغته بعد انتخاب الرئيس وتشكيل الحكومة.

ـ أن الحوار بين فريقي المعارضة والأكثرية يجب أن يتواصل تحت رعاية الجامعة العربية (صيغة الاجتماع الرباعي) حتى ولو على مستوى المفوضين أو الممثلين لقادة المعارضة والأكثرية في محاولة لخلق جو من الثقة والهدوء يتيح التداول في مختلف صيغ الحلول وتذليل العقبات.

ـ التأكيد على أهمية أن يمارس الطرفان أقصى درجات ضبط النفس وتهدئة حدة الحملات الإعلامية والامتناع عن تصعيد الموقف واللجوء إلى الشارع حتى يمكن مواصلة الحوار حول أفق حل سياسي يضمن حدا أدنى من الوفاق الوطني حول مختلف المسائل السياسية والدستورية المطروحة.

ـ أن مساعي الجامعة سوف تتواصل من اجل أن يواكب الحوار بين اللبنانيين انفراجات في المواقف والعلاقات العربية والدولية لتسهيل عملية إنتاج الحل اللبناني للأزمة الراهنة.

رابعا : الخلاصة :

1 ـ أعطت المبادرة العربية الأولوية لانتخاب رئيس الجمهورية التوافقي العماد ميشال سليمان وذلك في إطار خطة متكاملة تشمل إلى جانب التوافق على الآلية الدستورية لانتخاب الرئيس، تحقيق التوافق أيضا حول نسبة تمثيل فريقي الأكثرية والمعارضة وكذلك حصة الرئيس في الحكومة الجديدة، وكذلك التوافق على البدء بصياغة قانون جديد للانتخابات النيابية بعد انتخاب الرئيس وتشكيل الحكومة.

2 ـ حظيت المبادرة العربية ومهمة الأمين العام في بيروت بترحيب فريقي الأكثرية والمعارضة اللذين اجمعا على أن الإطار العربي هو الخيار الأمثل لإيجاد صيغة حل مقبولة للطرفين ولتجنب لبنان مخاطر الانزلاق نحو الفتنة وجعله ساحة للتجاذبات والصراعات الإقليمية والدولية الدائرة في المنطقة.

3– تركزت جهود الأمين العام على البحث في سبل تنفيذ هذه المبادرة وحث فريقي الأكثرية والمعارضة على الحوار فيما بينهما ونحن إشراف الجامعة العربية، وتوجت تلك الجهود بجمع قيادات الفريقين في إطار آلية عمل "الاجتماع الرباعي" والتي أتاحت الفرصة لاستئناف الحوار المباشر بينهما، والذي يعتبر الخطوة الأولى التي لا بد منها لكشر حالة الجمود في الموقف وانعدام الثقة السائدة حالياً بين الفريقين. ولقد ظهر من خلال هذا الحوار أنه يمكن التوصل إلى صيغة توافقية بشأن الآلية الدستورية لانتخاب الرئيس، وكذلك بالنسبة للقانون الجديد للانتخابات، إلا أن الخلاف ما زال محتدماً حول تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، حيث تصر المعارضة على المطالبة بصيغة المثالثة (10 للأكثرية + 10للمعارضة +10لرئيس الجمهورية)، وإذا تعذر ذلك فإنها تطالب بحصة الثلث +1، في الوقت الذي أبدت فيه الأكثرية مرونة وقبلت باقتراح الأمين العام بأن يكون تشكيل الحكومة 13 للأكثرية + 10 للمعارضة + 7 للرئيس.

4- توقفت جهود الأمين العام في بيروت عند هذه العقدة، إلا إنه تمنى على قيادات الفريقين مواصلة الحوار في إطار آلية الاجتماع الرباعي سواء على مستوى القيادات أو على مستوى ممثلين عنهم للتباحث في مختلف القضايا الخلافية المطروحة، كما طالب الفريقان بضرورة إشاعة أجواء الثقة والمحافظة على حد أدنى من أجواء التهدئة الإعلامية والابتعاد عن توتير الأجواء والتصعيد في الشارع محذراً من مخاطر تجميد الحوار وتداعياته السلبية كما تعهد الأمين العام بأنه سوف يواصل مساعيه على كافة الأصعدة من أجل مساعدة اللبنانيين على التوصل إلى الحل المنشود وتنفي المبادرة العربية.

5- لمس الأمين العام في حواراته مع قيادات الأكثرية تردداً كبيراً في قبول فكرة استئناف الحوار في إطار آلية الاجتماع الرباعي حيث اعتبرت الأكثرية أن هذا الحوار غير مجدٍ ولن يسفر عن تحقيق أي نتائج ملموسة.

6- كما عبرت بعض القيادات المعارضة عن عدم الاتفاق مع التفسير الذي قدمه الأمين العام للبند الثاني، حيث ذكر الرئيس نبيه بري أن التفسير الواقعي للمبادرة العربية هو توزيع مقاعد الحكومة المقبلة على أساس المثالثة بين الأكثرية والمعارضة ورئيس الجمهورية، وأنم المبادرة العربية نصت على ألا يحصل أي طرف من الأطراف على حق الترجيح أو حق الإسقاط، وذلك يعني أن أحداً لا يحق له أكثر من عشرة وزراء في الحكومة من ثلاثين وزيراً، ودعا الرئيس بري وزراء الخارجية العرب إلى الاجتماع مجدداً والإتيان بتفسير آخر.

7- إن الخلاف المحتدم حول حصة كل طرف في تشكيلة الحكومة يعكس مدى حالة عدم الثقة القائمة بين الطرفين، كما يحمل في طياته أبعاداً وتوجهات تتجاوز الأرقام (وزير أو وزيرين بالناقص أو بالزيادة لأي من الطرفين)، ولهذا فإن الجهود العربية المبذولة لحل الأزمة لا بد وأن تأخذ بعين الاعتبار المخاوف والهواجس السياسية والأمنية للطرفين وموقعها في اللعبة السياسية اللبنانية بأبعادها العربية والإقليمية والدولية.

8- ويناء عليه، وبالرغم من الصعوبات القائمة، فإن المطلوب عربياً وإقليمياً ودولياً لمواكبة جهود الجامعة ومساعيها مع الأطراف اللبنانية بصورة إيجابية تتيح إنتاج الحل اللبناني التوافقي المرتجى وفقاً للعناصر الواردة في المبادرة العربية.

9- أخيراً، لا بد من الإشارة إلى أن المخاوف كبيرة من أن تؤدي حالة الاحتقان والانقسام السياسي السائدة حالياً في لبنان إلى توترات وانفجارات أمنية سيكون من الصعب التعامل معها خاصة وأن المعلومات المتداولة بين اللبنانيين تشير إلى أن هناك عمليات تمويل وتسليح واستعدادات لتصعيد الموقف ونقل المواجهة إلى الشارع، الأمر الذي يقتضي التحذير من مخاطر جمود المساعي العربية في معالجة الأزمة اللبنانية والذي سيؤدي في ظل حالة الفراغ في سدة الرئاسة إلى الانزلاق نحو أتون الفتن والاضطرابات الأمنية بما تحمله من تداعيات خطيرة على مستقبل الأمن والاستقرار في لبنان وكذلك في المنطقة.