سياسيون ينتقدون دور الدولة في التقليل من شأن عمل الأحزاب بالمغرب

وزير الإعلام السابق يدعو لتعاقد جديد بين المؤسسات القائمة في البلاد

جانب من ندوة «الأحزاب السياسية، واستقلالية القرار وأساليب تدبير الخلاف» (تصوير: مصطفى حبيس)
TT

انتقد سياسيون مغاربة ينتمون للغالبية الحكومية والمعارضة على حد سواء، الدولة المغربية لدورها في تبخيس العمل الحزبي، وتشجيعها على بعض التيارات العدمية التي تطعن في الأحزاب.

وقال محند العنصر، الأمين العام لحزب الحركة الشعبية المعارض، إن استقلالية العمل الحزبي واضحة في الدستور، وفي القوانين المنظمة للمجال السياسي في البلاد، لكنها لا تطبق على أرض الواقع، حيث تسير الامور بصورة مختلفة، مشيرا الى أن عباس الفاسي، رئيس الوزراء، تعامل باسلوب مغاير مع حزبه اثناء مفاوضات تشكيل الحكومة. وأكد العنصر، الذي كان يتحدث الليلة قبل الماضية في ندوة نظمتها صحيفة «الاسبوعية» ومجلة «لم لا»، تحت عنوان «الاحزاب السياسية، واستقلالية القرار وأساليب تدبير الخلاف»، أن الفاسي لم يكن يقرر وفق الصلاحيات المخولة له دستورياً. وقال العنصر «إن هذا التدخل، الذي بخس عمل حزبه، وعمل كوادره، يظهر بما لا يدع مجالا للشك أن الديمقراطية المغربية غير كاملة». وأوضح، في سياق ذلك، ان لرئيس الوزراء صلاحيات واضحة، فهو يقترح اسماء أعضاء الحكومة على الملك محمد السادس، الذي يعين من يراه مؤهلا لتحمل المسؤولية، بمعنى أن الحزب الذي يقود الائتلاف الحكومي من حقه اقتراح اسماء، وليس فرض أسماء، يقول العنصر.

وأكد الامين العام للحركة الشعبية أن دخول المغرب مرحلة التوافق عام 1998 أثناء تنصيب حكومة التناوب، لم يغير من اسلوب الحكم، إذ ظلت نفس الممارسات قائمة في العمل السياسي، حيث يتجاوز مديرو مؤسسات عمومية، سياسية وزير ما في قطاع ما. ولاحظ العنصر أن بعض المؤسسات الاستشارية تحولت الى مؤسسات تنفيذية، وقدم مثالا على ذلك بالمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وهذا في نظره يبخس ايضا عمل الأحزاب السياسية، مؤكدا أن الفترة الانتقالية طال أمدها، ولم يعد مجديا تشكيل حكومة هشة تتكون من 5 او أحزاب، يوجد بينها ما يفرقها أكثر مما يجمعها.

من جهته، قال نبيل بن عبد الله، عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية (غالبية حكومية)، ووزير الاعلام السابق انه يوجد بالمغرب طرف ما، يسعى الى تبخيس العمل الحزبي، ونزع المصداقية عن المؤسسات، ونشر البهرجة، من خلال الطعن في النخب، مشيرا الى أن هذا الصراع كان دائما قائما في المغرب بين من يريد الدفاع عن فكرة تطوير المجتمع بجميع هيئاته ومؤسساته، ومن يريد إبقاء الوضع المتأزم على ما هو عليه.

وأكد بن عبد الله وجود قوى معارضة للتغيير، لكنه أشار الى بعض الانتقادات التي يمكن ان توجه للاحزاب، كونها حينما تقلدت الحكم عام 1998، لم تعد تهتم بتأطير المواطنين بنفس القدر الذي تحرص فيه على الدفاع عن مصالحهم من خلال الاوراش الكبرى الاقتصادية والاجتماعية، التي اطلقتها عبر العمل الحكومي. ولاحظ بن عبد الله أن موازين القوى مختلة بين الاحزاب الطامحة الى التغيير وقوى المحافظة النكوصية، التي تبتدع اساليب معينة لتبخيس العمل الحزبي، مشيرا الى أن بعض الاوساط الرسمية بكل تلاوينها تتدخل في شؤون الاحزاب السياسية، مما يجعلها ترتكب خطأ فادحا في حق الحقل السياسي المغربي.

وقال بن عبد الله «إن المرحلة الحالية تقتضي إجراء تعاقد جديد بين جميع المؤسسات القائمة في المغرب، وهذا لا يعني أن الأحزاب السياسية لا تتحمل مسؤوليتها في القيام بنقد ذاتي»، بيد انه اوضح ان العمل الحزبي ليس بالسهل، كما يعتقد من يوجه سهام النقد له دون دراية.

وفي السياق نفسه، ربط إدريس لشكر، عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي (غالبية حكومية)، بين التساؤل عن ماهية القرار الحزبي وطبيعية الدولة القائمة، مبرزاً أن القرار الحزبي منذ عقد الاستقلال تم قمعه من قبل الدولة، التي ميعت الحقل السياسي من خلال إنشاء أحزاب قزمية طائعة مشهود لها بتبخيس العمل السياسي النبيل الحامل لقيم التقدم والتطور. وسجل لشكر أنه بعد تنصيب حكومة التناوب التوافقي عام 1998، اعتقد البعض أن الاتفاق الذي ساد بين الاحزاب الديمقراطية والمؤسسة الملكية، سيؤدي الى إحراز نوع من التقدم في مجال تطوير الممارسة الديمقراطية، لكن وقع ما لم يكن في الحسبان، إذ ظل الشك قائما في الاحزاب، من خلال اعتبارها تحضر لتكتيك ما، وهذا ما أدى الى تعطيل المسار الذي كان يرتقبه الجميع لتطوير البلاد.

وأكد لشكر أن الذي حدث في الانتخابات التشريعية الاخيرة، وما بعدها أدى الى نكوص ديمقراطي، حيث أطلق العنان للأكاديميين ووسائل الاعلام، لتبخيس العمل الحزبي، ووضع جميع الاحزاب في سلة واحدة، وفقا للمقولة المشهورة «أولاد عبد الواحد كلهم واحد»، أي لا يوجد أي تمييز بين حزب قائم الذات، وبين حزب مصطنع لا وجود له على أرض الواقع. ودعا لشكر القادة الحزبيين الى نبذ الذاتية والتوجه نحو المستقبل من أجل إنضاج الحقل الحزبي.

من جهته، لاحظ محمد الساسي، عضو المجلس الوطني للحزب الاشتراكي الموحد المعارض، أن محطة الانتخابات التشريعية الاخيرة، أظهرت وجود أزمة داخلية تعيشها الاحزاب. واعتبر الساسي أن الحقل الحزبي تراجع في الدفاع عن استقلاليته، إذ سبق له رفض تسمية وزراء غير متحزبين، ضمنهم الراحل إدريس البصري، وزير الداخلية الأسبق، حيث رفض محمد بوستة، الامين العام السابق لحزب الاستقلال، وجود البصري ضمن الحكومة التي كانت ستتشكل من قبل أحزاب المعارضة السابقة بقيادته. وقال الساسي «إن عجائب ظهرت أثناء تشكيل حكومة عباس الفاسي، من قبيل فرض وزراء غير منتمين، على أحزاب معينة، وحينما رفض حزب الحركة الشعبية ذلك، تمت احالته إلى التقاعد النسبي، والتحق بالمعارضة، ونقل هؤلاء الوزراء الى حزب التجمع الوطني للأحرار في آخر مراحل تشكيل الحكومة».

وأوضح الساسي أن النظام السياسي المغربي، ابوي في توجهه، حيث يتعامل مع الاحزاب باعتبارهم رعايا له وكأنهم أبناؤه، رغم غياب أواصر القرابة الدموية، وانتفاء الحمض النووي». بيد ان الساسي حمل المسؤولية ايضا لبعض الاحزاب، كونها تفتقر للديمقراطية في تدبيرها اليومي، مقدما مثالا على عباس الفاسي، رئيس الوزراء، الذي أعلن أن برنامج حزبه الانتخابي هو برنامج العاهل المغربي الملك محمد السادس، فيما اقر محمد اليازغي، أمين عام الاتحاد الاشتراكي المستقيل، أنه نصب وزيرا لكون الملك أراد تشريفه، وهو ما أدى الى تشريف الحزب الذي يعاني مشاكل تنظيمية عويصة، يقول الساسي.

وتحدث مصطفى الرميد، عضو الامانة العامة لحزب العدالة والتنمية عن الصعاب التي واجهها حزبه عقب تداعيات تفجيرات 16 مايو (ايار) 2003، بمدينة الدار البيضاء، مؤكدا أن الدولة تدخلت في الشؤون الداخلية للحزب، واستغل البعض الحدث الارهابي كي يتم الاجهاز على ما حققه الحزب من تجاوب وسط المجتمع المغربي، على حد قوله.

وقال الرميد إن عبد الكريم الخطيب، الرئيس المؤسس لحزبه، وسعد الدين العثماني، الامين العام الحالي، تصديا لهذا التدخل بكل قوة، اي ضد وزارة الداخلية، التي عوض أن تنكب على حل المشاكل القائمة بجد، جعلت من الحزب كبش فداء، مشيرا الى أن الخطيب أقفل سماعة الهاتف في وجه وزير الداخلية رافضا إقالته (الرميد) من رئاسة الفريق النيابي، كونه يعد أحد صقور الحزب، ومع ذلك، يقول الرميد، انه قدم استقالته دفاعا عن حرمة الحزب.

وقال محمد الخليفة، عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال (غالبية حكومية)، إن التدخل في شؤون الأحزاب من قبل الدولة لم يحقق مبتغاه، مشيرا الى ان بعض وسائل الاعلام التي تكتب من مصدر واحد، أو من محبرة واحدة، استعملت للطعن في الاحزاب القوية، مبرزا أن النقد الموجه لها سيكون مقبولا لو تطرق الى المشاكل القائمة، وليس الى تهديم ما هو موجود بجرة قلم. وانتقد الخليفة هيمنة التقنوقراط على مجال تدبير الشأن العام، واصفا إياهم بانهم «معطوف عليهم»، وقال ان البعض (دون ان يسميهم) يدفع في اتجاه تحريض المواطنين على الانخراط في الاحزاب، لتحمل المسؤولية في المؤسسات العمومية والحكومة ايضا.