عين الرمانة نامت على أزيز الرصاص واستفاقت على قلق من كابوس الحرب

سكانها يترقبون.. ويستعيدون ذكريات 1975

امرأة في ضاحية بيروت الجنوبية تعبر عن غضبها امام سيارتها التي كسر زجاجها (رويترز)
TT

منطقة عين الرمانة اللبنانية التي عاشت أول من أمس فصلا «دراميا» من فصول الاحتجاج الذي سرعان ما تحول اضطرابا متنقلا، عادت الى حال من اليقظة والترقب.

فهذه المنطقة مطبوعة بأسوأ «لعنات« الذاكرة. واسمها خلّد لاقترانه بأبشع الصور. صورة «البوسطة» التي نصب لها كتائبيون مكمنا وأطلقوا النيران على ركابها الفلسطينيين، ردا على مقتل مرافق رئيس حزب الكتائب الشيخ بيار الجميل، جوزيف ابو عاصي في ذلك الأحد المشؤوم الذي يحمل تاريخ 13 ابريل (نيسان) 1975.

فهذا الحادث كان كفيلا بإطلاق شرارة الحرب اللبنانية أو ما يعرف بحرب العام 1975، رغم ان هذه الحرب كانت تتحضر للانطلاق قبل اعوام. وهكذا تحولت عين الرمانة المنطقة ـ الرمز.

وأول من امس، هذه المنطقة التي تتوسط منطقتي الشياح وفرن الشباك اي النقطة التي تفصل ضواحي بيروت المفروزة طائفيا بين مسلمين ومسيحيين، عادت بأهلها الى نبش تلك الصفحات السوداء من الذاكرة اللبنانية التي لم يندمل جرح حروبها بعد. وكذلك وقبل عام على التمام، وتحديدا في 24 يناير (كانون الثاني) 2007 أي تاريخ اعتصام المعارضة وقطع الطرق، عرف سكان عين الرمانة القلق نفسه. فهم المفروزون عموما بين موالين لـ«التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» راودتهم الهواجس نفسها، لكن هذه السنة بفارق انهم يعيشون في حال من الانتظار والترقب. فبعد سقوط ضحايا في التظاهرة الاحتجاجية، ينتظر بعض اهالي المنطقة الرد «لأن الآخرين لن يسكتوا عن سقوط ضحاياهم ويعتقدون اننا المسؤولون»، يقول أحد شبان المنطقة. فالاهالي اول من امس لازموا منازلهم ولم يفارقوا شاشات التلفزة، ذلك ان بعض المحطات سلّطت الاضواء على منطقتهم باعتبارها المكان الذي اتخذه القناصون متراسا لاصطياد الضحايا من المتظاهرين واطلاق المسلسل الدموي.

حركة المارة والسيارات خفيفة جدا ويمكن القول انها «غير طبيعية» نظرا للاكتظاظ السكاني الذي تعرفه المنطقة. والجيش مستنفر في شوارعها وتقاطعاتها الرئيسية، خصوصا تلك التي تعرف «حساسية» عالية إما بفعل جغرافيتها المحاذية لما يسمى «خط صيدا القديم» أو ما كان يسمى «خطوط التماس»، وإما بفعل تجمّع بعض شبان الحي وهؤلاء عادة ما يكونون من «القوات اللبنانية» أو مؤيدين لها.

ماذا يقول سكان عين الرمانة عن الاحداث المتجددة؟ وهل يخشون عودة الاضطرابات؟ وممّ أو ممّن يخشون؟ «الشرق الأوسط» تجوّلت في الشوارع الرئيسية وتحدثت الى بعض اصحاب المحال، نظرا الى شبه خلو الطرق من المارة أو عدم تجاوب بعضهم.

ايليو هبر، يعتبر أن المسؤول عن الدماء التي سفكت اول من امس هو «الطابور الخامس، فما حصل ليس امرا طبيعيا. ويكذب من يقول انه ليس خائفا». ويؤكد انه ليس «منحازا لأي طرف لكن المؤكد ان هناك طابورا خامسا تدخل وافتعل المشكلات، وينتظر النتيجة».

أما بطرس يوسف، فيقول: «نشعر بأننا مستهدفون رغم انه لا علاقة لنا بما حصل، ولكننا لسنا خائفين. فالسيارات لها اصحاب ولن نسكت إذا تهجموا علينا. لقد دخلوا علينا ولاحقا بدأ القنص. لا نعرف مصدره، ربما طابور خامس يريد ان يعلّق الناس بعضهم ببعض». ويقول رجل: «أشعر بكآبة كبيرة ومرارة أكبر. اين نتيجة ورقة التفاهم؟ (بين التيار الوطني الحر الذي يتزعمه النائب ميشال عون و«حزب الله»)، هناك الكثير من العونيين في عين الرمانة، كيف سيدخلون (من الضاحية الجنوبية لبيروت حيث الاكثرية الشعبية لحزب الله) للردّ؟ وعلى من سيردون؟ هل نحن المسؤولون عما حصل؟ اقول بكل بساطة انه حتى النساء لن يقبلن الاعتداء على المنطقة».

وقال شاب رفض كشف اسمه كغالبية من تحدثوا الى «الشرق الأوسط»: «نفتقد الأمان إذا كان عديد القوى الامنية والجيش قليلا. اما اذا كان عديدهم كافيا فلا خوف، لكن أشعر بأنهم غير قادرين على حمايتنا وضمان سلامتنا، خصوصا ان عين الرمانة أصبحت منذ اعوام مكسر عصا للغاضبين. فلطالما دخلت زمر علينا من الداخل (اي من الجهة الغربية لبيروت). وأعتقد ان الامور ما كانت لتتطوّر لو لم يترك الجيش موقعه هنا». وصعودا نحو الشارع المحاذي لخطوط التماس، يتجمع عدد من الشبان والمراهقين، يتوجه الينا احدهم: «أحلى الاوضاع نمرّ بها»، ويقول مستهزئا «يجب ان ينزلوا الى الشارع لأن المعيشة باهظة». ويتابع بعد استطراد: «ربما يجب ان نتفرّق لتلافي الحساسيات، لذلك يجب ان نلازم منازلنا. ربما هناك جهة ثالثة، طابور خامس. ربما ثمة من يحاول ان يدير الدفة لكي يحوّلوا الاحتقان من سني ـ شيعي الى إسلامي ـ مسيحي».

وقال رفيق له «أعتقد، اعني ربما، هناك احد الاشخاص من سكان عين الرمانة حاول ان يردّ على من دخلوا علينا برمي قنبلة يدوية. فلم يصب هدفه بل رفاقه. لقد نزل البعض بأسلحتهم دفاعا عن النفس والممتلكات». ويضيف: «ننتظر انتهاء التشييع (الضحايا) لانهم لن يسكتوا وسيثيرون المشكلات». ويقول ايلي، وهو مراهق يبدي حماسة حاول ضبطها: «نحن لا نخاف شيئا. لقد حدث امر سيء ولكن الا يوجد سوى عين الرمانة للانتقام؟ ليس خافيا على احد اننا اصبحنا عرضة. لقد اصيب عمي عند شارع المطاحن حيث يقطن. وانا كنت على مسافة امتار. هذه لم تكن تظاهرة انما محاولات شغب. ليست المرة الاولى التي يتعرضون فيها لنا ولكن اذا كرروا الامر فأهلا وسهلا، ولكل حادث حديث. طبعا نشعر بالامان في ظل وجود الجيش، ولكن طبعا سيكون هناك ردّ من جانبهم».