تداعيات أحداث الشياح الدامية تؤجج سجال المعارضة والموالاة في لبنان

قائد الجيش يلتقي نصر الله ويؤكد إجراء «تحقيق جدي» و«حزب الله» يعتبر المحاسبة عن «الجريمة» دعامة للأمن

TT

انعكست تداعيات الاحداث الدامية التي وقعت في منطقة الشياح في الضاحية الجنوبية لبيروت الاحد الماضي وسقط فيها ستة قتلى بحدة امس في تصريحات القوى السياسية المتنازعة في لبنان، في حين وعد قائد الجيش العماد ميشال سليمان، اثر زيارة قام بها للامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله ليل الاثنين ـ الثلاثاء بان التحقيق الذي بدأه الجيش سيكون «جديا وشاملا وواضحا شفافا، يحدد المسؤوليات بدقة»، فيما اعتبر نصرالله «ان التحقيق، وبعده محاسبة المسؤولين عن الجريمة ايا كانوا، هما الطريق الوحيد لتثبيت دعائم الامن والاستقرار والطمأنينة في البلد».

وقد وزع المكتب الاعلامي لـ«حزب الله» امس بيانا عن اللقاء بين نصر الله وسليمان الذي رافقه مدير المخابرات في الجيش العميد جورج خوري، جاء فيه: «ان العماد سليمان قدم تعازيه بالشهداء»، مؤكدا «أن الجيش بدأ فعلا بإجراء تحقيق جدي وشامل في أحداث الأحد في مار مخايل، وأن التحقيق سيكون واضحا وشفافا ويحدد المسؤوليات بدقة». بدوره، أكد الأمين العام لـ«حزب الله» «أهمية إجراء تحقيق جدي وسريع وكامل بعيدا عن الضغوط والتسييس، «لأن هذا التحقيق وبعده محاسبة المسؤولين عن الجريمة أيا كانوا هما الطريق الوحيد لإنصاف الشهداء والجرحى وتسكين آلام عائلاتهم الشريفة وتثبيت دعائم الأمن والاستقرار والطمأنينة في البلد»، متمنيا «أن نرى هذه النتيجة الحاسمة خلال مدة قصيرة جدا».

وتبدت قمة السجال بين المعارضة والموالاة في تعليق رئيس مجلس النواب نبيه بري على اعتبار رئيس الحكومة فؤاد السنيورة «شهداء يوم الاحد المشؤوم شهداء الواجب»، اذ قال بري: «بعد تنبهك اليوم نحو الشهداء، ليت الماضي لم يكن في سبيل الاتي، الذي كنت ولا ازال اعمل لأجله: الوحدة في الوطن».

وكان السنيورة قد اصدر تعليماته الى الهيئة العليا للاغاثة بوجوب «التعامل مع عائلات الضحايا على ان ابناءهم هم شهداء الواجب الوطني وبالتالي تقديم العون والمؤاساة لهم». وقال: «اني اعتبر ان مصاب الاهالي هو مصابي وهؤلاء الشباب الذين استشهدوا هم شهداء لبنان وهم بمثابة اولادي وأشقائي، فالحكومة تنظر الى الامر من زاوية انها المسؤولة عن رعايتهم واحتضان اهلهم وعائلاتهم، والخسارة التي وقعت باستشهادهم لا يمكن ان تعوض وهي خسارة للبنان. وهؤلاء الشباب هم شبابنا وأهلنا وأحبابنا ولا يمكن ان نفرط بدمهم او بأرواحهم». في غضون ذلك، تساءل الرئيس السابق للحكومة نجيب ميقاتي «لماذا اقحم الجيش في المواجهات (مع محتجين على انقطاع الكهرباء) ومن استدرجه؟». ودعا الى «ابعاد الجيش اللبناني عن التجاذبات السياسية لأنه خشبة الخلاص الوحيدة الباقية لدى اللبنانيين المؤمنين بهذا البلد». وعن اتجاه الوضع في لبنان بعد المواجهات التي حصلت في الضاحية الجنوبية لبيروت، قال: « اذا استمرت وتيرة الشحن على ما هي عليه، فإنني أرى ان المستقبل سيكون قاتما جدا، واننا نتجه بوتيرة متسارعة نحو الهاوية».

وردا على سؤال اذا كانت هذه الحملة تؤشر الى أن اسم قائد الجيش قد سقط من لائحة المرشحين لرئاسة الجمهورية، أجاب: «ان العنصر الجديد في الاحداث التي وقعت هو إقحام الجيش في المواجهات، والسؤال الكبير المطروح هو كيف ولماذا أقحم الجيش في هذا المأزق ومن استدرجه الى ذلك... إن إقحام الجيش في هذه المواجهة يمكن اعطاؤه تفسيرات عدة منها ربما لجهة ارتباط هذه المسألة بترشيح العماد ميشال سليمان لرئاسة الجمهورية».

وعقدت احزاب المعارضة اجتماعا استثنائيا في مكتب حركة «امل»، وناقشت ما سماه بيان صدر عن المجتمعين «الجريمة البشعة والمروعة التي ارتكبتها أيادي الغدر والفتنة ضد المواطنين الذين خرجوا للتعبير عفويا عن احتجاجهم على الواقع المعيشي والخدماتي المتردي في البلاد». وأكد البيان «ان اطلاق النار على المواطنين العزل أمر خطير لا يمكن السكوت عنه او القفز فوقه لان من اقدم على هذا الفعل الاجرامي بدم بارد قصد ترويع الناس ومنعهم عن التعبير عن معاناتهم وآلامهم، ومحاولة احداث الفتنة بين الجيش وجمهور المقاومة ودفع البلاد الى اتون الحرب الاهلية».

ورأى «ان احباط مخطط الفتنة انما يكون من خلال اجراء تحقيق سريع وغير متسرع وإظهار الحقيقة للجميع لإسقاط المؤامرة وقطع الطريق على اهدافها عبر الاقتصاص من مرتكبي الجريمة ومن يقف وراءهم». وأعرب تكتل «التغيير والإصلاح» النيابي الذي يتزعمه العماد ميشال عون بعد اجتماعه الاسبوعي «عن اعجابه وتقديره وتثمينه لمستوى الوعي والانضباط الذي تحلى به المواطنون على جانبي ما كان يعرف بخط التماس (في الشياح ـ عين الرمانة)، وهو ما اكد ايمانهم واقتناعهم وتمسكهم بالمبادئ الواردة في ورقة التفاهم الموقعة بين التيار الوطني الحر وحزب الله اساسا وقاعدة لكل تفاهم لبناني ـ لبناني محصن ضد التأثيرات الخارجية». ودعا الى «تثمير هذه التجربة التي اثبتت رسوخها وصمودها في وجه محاولات اثارة الفتنة الطائفية وتعميمها على المستوى الوطني الاوسع». وفي مواقف شخصيات سياسية ودينية، اعتبر وزير الصحة المستقيل محمد خليفة ان «عدم تكرار الاحداث الدموية يكمن في إعلان الجيش اللبناني، الذي نثق به وبقيادته نتائج التحقيقات للرأي العام ولذوي الشهداء. أما إذا تم تمييع الأمور والقفز فوق الحادث، فسنواجه أمورا أصعب من التي شهدناها».

وعن رأيه في ما حدث في الشياح، قال:» لا شك أن هناك الكثير من علامات الاستفهام حيال ما حصل.. ونحن مع أن يتحمل كل فريق مسؤولية أعماله».

النائب في كتلة «المستقبل» احمد فتوح قال: «ان في تعرض بعض نواب المعارضة لقيادة الجيش ودورها الضامن لامن البلاد والعباد، محطة تعطيلية جديدة، تأتي في اطار السياق نفسه الذي انتهجته المعارضة منذ تظاهرة الشكر (8 مارس/آذار 2005)، مرورا باحتلال ساحات العاصمة، وإقفال البرلمان، وامتحان احراق الاطارات وقطع الطرق». وأضاف: «ان تصويب المعارضة ونواب حزب الله، على قيادة الجيش، وتحديدا على قائد الجيش العماد ميشال سليمان، اكد لنا مجددا ان النيات لا تزال على حالها لجهة موقف هؤلاء من المبادرة العربية، وانهم يواصلون النهج نفسه لتعطيل ما اكده مجلس وزراء الخارجية العرب على هذا الصعيد، لانهم لا يملكون قرارهم، بل ينفذون تعليمات المشروع السوري ـ الايراني الذي يريد الفراغ.

وقال النائب عمار حوري (المستقبل): «حذرنا من اننا قد نعلم أين يبدأ الشحن في الشارع لكننا حتما لا نعرف أين ينتهي... منذ مدة ونحن نلاحظ ان هناك حملة على الجيش وقيادة الجيش، خصوصا منذ ترشيح العماد ميشال سليمان بحالة إجماعية لرئاسة الجمهورية». وشدد على ان «العبرة من الأحداث الأخيرة يجب ان تكون عبر العودة الى منطق الدولة، وبالايمان بأن هذه الدولة لنا جميعا وليست لفريق».

وتساءل النائب نبيل نقولا (معارضة) «أي وطن يريد فريق الأكثرية؟ هل هو وطن الحقد؟». وأكد ان «المعارضة ستظل مع كل اللبنانيين يدا واحدة لمواجهة «المتمرسين بالإجرام».

وقال مفتي جبل لبنان الشيخ محمد علي الجوزو: «كنا نحذر دائما من النزول الى الشارع في هذه الاجواء من الاحتقان الطائفي والمذهبي الذي يصنعه قادة المعارضة بأيديهم، بعضهم لأهداف سياسية تخدم مشروعا خارجيا واقليميا ومذهبيا، وبعضهم لأغراض شخصية وطموحات رئاسية بهدف الوصول الى كرسي الرئاسة وبأي ثمن بحجة تهميش المسيحيين».