قتيلان في تفجير استهدف مركزاً للشرطة شرق العاصمة الجزائرية

الانتحاري فجر نفسه بعدما حاول الحارس عبثاً توقيفه وإطلاق النار عليه

سكان ينظرون إلى الأضرار التي خلفها الهجوم الانتحاري في مدينة الثنية الجزائرية أمس (ا.ب)
TT

في حدود السادسة والنصف من صباح أمس، اهتز قلب بلدة الثنية الواقعة شرق العاصمة الجزائرية لشدة تفجير نفذه انتحاري بسيارة مفخخة، ضد مركز شرطة، مما خلف قتيلين و23 جريحاً. وقال ضابط شرطة التقته «الشرق الأوسط» في الثنية (50 كلم شرق العاصمة)، ساعتين بعد التفجير، إن مسؤولي الشرطة القضائية بها كانوا يتوقعون تعرضهم لهجوم انتحاري لسببين؛ أولهما ان الثنية تقع في قلب معاقل تنظيم «القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي»، وثانيها أن مركز أمن بلدة الناصرية القريبة من الثنية، نسفه تفجير انتحاري قبل أسابيع قليلة. ودفع هاجس العمليات الانتحارية بالسلطات المحلية، إلى إحاطة مبنى الشرطة القضائية بحواجز من كل جانب، ومع ذلك اخترقه انتحاري كان على متن سيارة، اتجه بها بسرعة فائقة نحو مكاتب أفراد الأمن.

وذكر أحد المسؤولين الأمنيين، أن حارس المبنى شاهد الانتحاري وهو يتقدم بسيارته نحو مركز الشرطة، فحاول توقيفه لكن عندما لاحظ أنه مصمِّم على اختراق الحاجز الأمني الفاصل بين الطريق ومقر الشرطة، فتح عليه النار، وعندها فجر الانتحاري نفسه على بعد ثلاثة أمتار من المبنى فتحول الشرطي إلى أشلاء متناثرة وقتل زميله متأثرا بشظايا القنبلة، فيما تحطمت واجهتا المركز الأمني ومقر البريد المتجاورتين. وانتشر أفراد الشرطة العلمية وسط ركام كبير من الحجارة التي اختلطت بقطع الحديد المتبقية من السيارة المفخخة، بحثا عن أشلاء الضحايا لتحديد هويتهم. واستجوب المحققون عشرات الأشخاص المجاورين لمبنى الشرطة في محاولة للتعرف على الانتحاري. وأفادت معطيات أولية بأن الانتحاري شاب في الـ 28 من العمر، يجري البحث عنه منذ التحاقه بالجماعات المسلحة.

وقال شيخ في السبعين من العمر يسكن قرب مبنى الشرطة لـ«الشرق الأوسط»: «لقد غادرت البيت في حدود الخامسة والنصف باتجاه الجبل لجلب ماء صالح للشرب من مورد معدني طبيعي، يرتوي منه غالبية سكان البلدة. وأتذكر أنني صليت الفجر وأنا عائد من الجبل، عندما سمعت دوي انفجار هائل وتأكدت أن مصدره وسط البلدة فأسرعت عائدا، ولما وصلت أصبت بالذهول لمنظر بيتي شبه منهار». وأوضح الشيخ أنه وجد زوجته المسنة وأولاده، مذعورين، مضيفاً أن ابنته أصيبت بجروح خفيفة في رأسها. وأضاف يروي هول الحادثة: «قبل أن أخرج من البيت صادفت الشرطي الحارس، فسلمت عليه ككل صباح، ورد عليَّ بابتسامته المعهودة داعيا لي بالتوفيق. ولما عدت بعد ساعة بلغني أنه قتل في الانفجار. المسكين كان خائفا من التعرض لاعتداء إرهابي في المدة الأخيرة، وقال لي ذات مرة إنه سيلقى حتفه لا محالة لو بقيَّ في الثنية وأنه يسعى لتحويل مكان عمله».

ودخلت «الشرق الأوسط» بيتاً تحطم جزء كبير منه بفعل التفجير فوجدت فيه شاباً يبحث عن أغراض عمه الذي توفيَّ إثر انهيار السقف. وأوضح الشاب أنه انتشل عمه من تحت الأنقاض، 20 دقيقة بعد الانفجار، وكان حينها حيا لكنه توفي قبل أن يصل به إلى المستشفى. وأبدى الشاب حسرة كبيرة على عمه، وانهمر بكاء بمجرد أن شاهد قريباً له جاء من بعيد للاطمئنان على أوضاع الأسرة بعد أن بلغه خبر التفجير.

وقال مسؤول بأمن ولاية بومرداس، التي تتبع لها الثنية إداريا، إن التفجير من تنفيذ «القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي»، حتى وإن لم تعلن مسؤوليتها عنه بعد. وقال إنه متأكد أن تفجيرات انتحارية أخرى ستضرب مقار أمنية في الولاية.

وتقع مدينة الثنية على مفترق طرق عند مدخل منطقة القبائل التي لا تزال تشكل مأوى للمسلحين بسبب غاباتها الكثيفة. ويندرج الهجوم الانتحاري الجديد ضمن موجة اعتداءات من نفس النوع بدأت في 11 ابريل (نيسان) مع هجومين أسفرا عن سقوط ثلاثين قتيلا وأكثر من 200 جريح واستهدفا القصر الحكومي وسط الجزائر ومركزا للشرطة في الضاحية الشرقية للعاصمة. وتبع ذلك عدة هجمات أخرى لا سيما في يوليو (تموز) الماضي ضد ثكنة في الاخضرية (جنوب شرقي العاصمة)، (8 قتلى) وفي سبتمبر (ايلول) على ثكنة اخرى في دلس (شرق) وعلى الموكب الرئاسي في باتنة (شرق). وفي 11 ديسمبر (كانون الاول) الماضي أسفر اعتداءان انتحاريان متزامنان استهدفا المجلس الدستوري ووكالتين تابعتين للامم المتحدة في الحي السكني الجزائري حيدرة، عن سقوط 41 قتيلا بحسب حصيلة رسمية. وفي 4 يناير (كانون الثاني) الحالي، قتل اربعة رجال شرطة في هجوم آخر ضد مركز الناصرية في منطقة بومرداس على بعد 50 كلم شرق العاصمة الجزائرية. وتبنى هذه الهجمات «القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي» الذي حل محل الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية.