الحكومة السعودية تضخ 16 مليار دولار لمواجهة «الغلاء» خلال 3 سنوات

توقيع مذكرة تفاهم مع 4 مؤسسات محلية ودولية لتنشيط التمويل الإسكاني

جانب من توقيع مذكرة التفاهم لتنشيط التمويل الإسكاني في السعودية (تصوير: عبد الله عتيق)
TT

كشف الدكتور إبراهيم العساف، وزير المالية السعودي، أن حجم ما ستنفقه الحكومة على الإعانات التي ستقدمها للمواطن لمواجهة غلاء المعيشة تصل إلى 60 مليار ريال (16 مليار دولار) خلال السنوات الثلاث المقبلة.

وبين الوزير أن تحمل الحكومة للإعانات المباشرة من خلال دعم بعض السلع، كالقمح والأرز وحليب الأطفال، سيكلف الدولة 12 مليار سنويا (3.2 مليار دولار)، فيما سيكلف إضافة 5 في المائة بدل معيشة لرواتب موظفي ومتقاعدي الدولة و10 في المائة لمستفيدي الضمان الاجتماعي نحو 10 مليارات ريال (2.6 مليار دولار). وكانت الحكومة السعودية قد أعلنت من خلال مجلس الوزراء في جلسته الاثنين الماضي، 17 قرارا لمواجهة التضخم وغلاء المعيشة الذي بدأ يتفاقم خلال الفترة الماضية. وأوضح العساف، الذي كان يتحدث في مؤتمر صحافي بمناسبة توقيع صندوق الاستثمارات العامة مذكرة تفاهم لتنشيط التمويل الإسكاني في السعودية، أن الدولة قدمت 1.2 مليار ريال (320 مليون دولار) لدعم مستفيدي الضمان الاجتماعي بشكل مباشر، أو من خلال كسوة الشتاء التي وجه بها خادم الحرمين الشريفين، مفيدا بأن تلك المعونات لم تشمل المواجهة غير المباشرة للتضخم ومنها تخفيض أسعار الوقود والمياه والكهرباء.

وحول الجدل والمناقشات التي أثيرت حول آلية احتساب صرف «بدل المعيشة» الذي أقره مجلس الوزراء، بيّن الوزير العساف أن النسبة تحسب بشكل تراكمي من خلال الزيادة السنوية بنسبة 5 في المائة كل عام، بحيث تصل إلى 15 في المائة بعد ثلاث سنوات.

وأضاف أن العمل بهذه الزيادة وزيادة مستفيدي الضمان الاجتماعي كان من المفترض أن يبدأ مع مطلع شهر صفر المقبل، إلا أن خادم الحرمين الشريفين وجه بأن تبدأ من بداية العام الهجري، الأمر الذي سيضيف مخصصات الزيادة لشهر محرم بأثر رجعي لمرتبات شهر صفر.يشار إلى أن السعودية تطبق التاريخ الهجري في معاملاتها الحكومية ورواتب منسوبي القطاع العام، فيما القطاع الخاص يقدم مرتبات منسوبيه وفقا للسنة الميلادية.

وأكد وزير المالية أن العمل بالقرارات التي اتخذها مجلس الوزراء، سيبدأ مطلع الشهر المقبل، والتي منها تحمل الدولة 50 في المائة من رسوم الموانئ ورسوم جوازات السفر ورخص السير ونقل الملكية وتجديد رخصة الإقامة للعمالة المنزلية.

وأوضح أن الحكومة السعودية تعمل على الحد من اثر التضخم في البلاد من خلال إجراءات متزنة، عملت على دراستها من خلال مختصين، سعوا الى أن لا تنعكس تلك القرارات على مستوى السيولة في البلاد، ولا تشكل عامل ضغط على الأسعار الحالية للسلع والمنتجات. وأضاف العساف أن القرار الذي شمل إقرار 17 توصية يضم الكثير من التوصيات المهمة التي ستساهم في وقت لاحق في الحد من أثر التضخم. وشدد على أن تفعيل نظام المنافسة ومنع أي نوع من الممارسات الاحتكارية وإعادة النظر في نظام الوكالات التجارية لمنع الاحتكار، ستحقق الكثير من الخطط الراغبة في كبح جماح التضخم.

وزاد العساف أن تفعيل الدور الرقابي والتوعوي لجمعية حماية المستهلك، والإسراع في إنهاء مشروع نظام السياسة التموينية، وتكثيف جهود مراقبة الأسعار ومكافحة الغش التجاري، وتفعيل الهيئة العامة للإسكان وبناء الإسكان الشعبي وإصدار نظام الرهن العقاري والأنظمة المرتبطة به بشكل عاجل، ستحقق أيضا الكثير من الخطط الراغبة في كبح جماح التضخم. وأشار إلى أن المبادرات المتعلقة بحل مشكلة الإسكان، والتي منها دعم صندوق التنمية العقاري وبرنامج مساكن ودعم القطاع الخاص وإنشاء الشركة السعودية للعقارات، هي خطوات جبارة لمعالجة مشكلة السكن.

وقال إن أنظمة التمويل العقاري تأخر صدورها، مرجعا ذلك لأن مثل هذه الأنظمة تحتاج إلى دراسات معمقة، وهو ما عملت عليه جهات حكومية مختلفة، حيث انتهت الخطوة الرئيسية للتشريعات وهي دراسته قانونيا وشرعيا، وتمت إحالته إلى المجلس الاقتصادي الأعلى، على أن يحال إلى مجلس الشورى ومجلس الوزراء، متوقعاً أن يتم إقراره خلال فترة مقبلة، من دون أن يحدد مداها.

وحول السياسة النقدية التي تتبعها الدولة لمواجهة التضخم، بيّن وزير المالية أن السعودية لديها سياسة نقدية مستقلة ومتوازنة، ومنها تسهيل الحصول على التمويل وفي الوقت نفسه منع السيولة من التأثير على الأسعار.

وأشار إلى أنه لا توجد دولة في العالم عملت على مواجهة التضخم بإجراءات مكثفة ومتنوعة تهدف إلى حماية المستوى المعيشي لجميع شرائح المواطنين، موضحا أن فاعلية تلك الإجراءات ستظهر خلال الفترة المقبلة.

وتابع العساف أن توصية من اللجنة الوزارية للتموين أحدثت تغييرا في قرارات تحديد أسعار الشعير في الأسواق والتي حددت سعر الكيس عند 32 ريالا (8.5 دولار). إذ أوصت اللجنة بتقليل الاعتماد على الشعير والتوجه نحو الأعلاف المركبة لكونها أكثر فائدة للمواشي وتوفر المياه، ونظرا للاستغلال الذي بدا من قبل بعض المصدرين للشعير عالميا، نتيجة أن التجارة الدولية للشعير تبلغ نحو 13 مليون طن سنويا نصفها تستورده السعودية، قررت المملكة تخفيف الاعتماد عليه، الأمر الذي سيعمل على خفض أسعار الشعير لاحقا بأكثر من 40 في المائة. وحول توجه السعودية لإنشاء صندوق سيادي أكد وزير المالية أن المملكة ليست لديها نية لإنشاء مثل هذا الصندوق، وما تم الحديث عنه أخيرا هو سوء فهم، إذ أن المقصود هو الشركة التي ستنتج من تحول صندوق الاستثمارات العامة لشركة، مستحضرا ما كان قد أعلنه إبان منتدى الرياض الاقتصادي الذي عقد في ديسمبر (كانون الثاني) الماضي. وأكد أن ظروف السعودية تختلف عن الدول الأخرى التي لديها فوائض ولكن ليست عندها فرص استثمارية داخلية، كما أن صندوق الاستثمارات العامة لا يوجد في نظامه ما يمنعه من الاستثمار الخارجي فهو صندوق قادر على الاستثمار في الداخل والخارج، واصفاً إياه بـ«الهجين»، كما أن الشركة المقترحة يمكنها أن تعمل خارجيا، رغم أن الفرصة الأكثر ملاءمة هي الاستثمارات الداخلية، والتي منها شركة توزيع الأدوية والمياه والتحلية وسكك الحديد، مؤكداً أن جميع تلك الاستثمارات هي استثمارات محلية وجذابة ولها الأولوية. وحول لقائه مع أعضاء مجلس الشورى بيّن وزير المالية السعودي أن اللقاء سيتم في الـ 17 من شهر فبراير (شباط) المقبل، لافتاً إلى أنه لقاء روتيني يجريه المسؤولون في الدولة مع المجلس، نافياً ان تكون هناك مطالبات أو ضغوط من مجلس الشورى لمناقشة فك ارتباط الريال بالدولار. وزاد الوزير القول إن اللقاء سيكون فرصة لمناقشة سياسات وزارة المالية في أمور متنوعة إلى جانب الاستماع للعديد من المقترحات التي يطرحها أعضاء المجلس، أما بالنسبة لموضوع سعر الصرف فهو محسوم ولن يناقش.

إلى ذلك أبرم صندوق الاستثمارات العامة مذكرة تفاهم لتنشيط التمويل الإسكاني في السعودية مع كل من المؤسسة العامة للتقاعد، والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، ومؤسسة التمويل الدولية IFC عضو مجموعة البنك الدولي.

وأبرم مذكرة التفاهم الوزير العساف، رئيس مجلس صندوق الاستثمارات العامة، ولارس تاينل رئيس مؤسسة التمويل الدولية، ومحمد الخراشي محافظ المؤسسة العامة للتقاعد، وسليمان الحميد محافظ المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية. وبين العساف أن مذكرة التفاهم تتضمن تقديم المؤسسات الأربع (صندوق الاستثمارات العامة، المؤسسة العامة للتقاعد، والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، مؤسسة التمويل الدولية IFC) تمويلاً طويل الأجل لمؤسسات التمويل الإسكاني في السعودية المرخصة من مؤسسة النقد العربي السعودي بمبلغ 1.5 مليار ريال (400 مليون دولار)، موزعاً بالتساوي بين تلك المؤسسات. وأشار إلى أن هذا التمويل سيساعد المؤسسات العاملة في هذا القطاع على تطوير عمليات التمويل الإسكاني في البلاد، وذلك لمقابلة الطلب المتنامي للقروض الإسكانية.

وأفاد بأن أنظمة التمويل العقاري التي أعدتها لجنة من الجهات المختصة، ويعمل مجلس الشورى على مراجعتها تمهيداً لعرضها لمجلس الوزراء، ستساعد على وضع الإطار التنظيمي المتكامل للتمويل، وستنظم العلاقة المختلفة بين المستفيدين وجهات التمويل.

وكشف أن أنظمة التمويل العقاري خمسة وهي: نظام شركات التمويل العقاري، نظام مراقبة شركات التمويل العقاري، نظام التأجير التمويلي، نظام التنفيذ، نظام الرهن العقاري.

من جهته بين لارس تاينل، رئيس مؤسسة التمويل الدولية، اهتمام مؤسسته لتنمية نشاط قطاع التمويل الإسكاني في السعودية، مشيراً إلى أن أسواق التمويل الإسكاني ما زالت محدودة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، موضحا أن المؤسسة ستستمر في العمل مع شركائها في السعودية لتنمية هذا القطاع وإيجاد الآليات المناسبة للسوق.

وأوضح أن مؤسسة التمويل الدولية لا تعمل على التمويل فقط، بل تقدم خبرات وتجارب دولية في مجال الإسكان، فضلاً عن مجموعة كبيرة من الشركاء، حيث يساعد هذا النهج في بناء المؤسسات وزيادة الاستثمارات ودعم البيئة التنظيمية والقانونية للأعمال.