إسرائيل فشلت في حرب لبنان وانكشفت فيها إخفاقات خطيرة جدا في كل مجال

ارتياح في أوساط مساعدي رئيس الوزراء * «فينوغراد» تعتبر قرار أولمرت بالحرب على لبنان مناسبا لكنها تقر بفشلها

عدد من ذوي وأقارب الجنود الإسرائيليين الذي قتلوا في حرب لبنان عام 2006 تجمعوا أمس قبالة منزل وزير الدفاع الإسرائيلي، إيهود باراك، تعبيرا عن استيائهم من نتائج تلك الحرب «رويترز»
TT

أبدى مساعدو رئيس الوزراء الاسرائيلي، ايهود أولمرت، ارتياحهم من التقرير النهائي للجنة فينوغراد الحكومية للتحقيق في اخفاقات الحرب الأخيرة في لبنان. وقالوا انهم وعلى الرغم من الانتقادات التي وجهت في التقرير الى أولمرت، فقد تضمن التقرير اشارات ايجابية حول قراراته والانتقادات الأساسية وجهت للجيش وكذلك لرؤساء الحكومات السابقين. وأكدوا ان التقرير يمتدح أولمرت على تصحيحه معظم الأخطاء التي ظهرت في الحرب. ولذلك، استنتجوا، لا حاجة لاستقالة أولمرت. بل انه سيواصل عمله على النهوض بالبلاد الى بر السلام والأمان. وإذا كان هناك من يجب معاقبته، فهم أولئك الذين يحاولون قتل شخصية أولمرت.

وجاء هذا الرد بعد ساعة من تسلم اولمرت تقرير اللجنة، بهدف فرض أجواء جديدة ايجابية لصالح الحكومة ورئيسها في الساحة السياسية في اسرائيل. ولكن المعارضة اليمينية سارعت للرد على هذه الأجواء بالقول ان أولمرت ينسى ان التقرير الأولي الذي صدر عن اللجنة يحمله مسؤولية أساسية عن اخفاقات الحرب وانه تضمن ذكر كلمة «فشل» مقرونة باسم أولمرت 120 مرة. وقال رئيس كتلة الليكود البرلمانية المعارضة، جدعون ساعر، انه إذا كانت اسرائيل تريد أن تكون دولة ديمقراطية منسجمة مع الغرب، فعلى رئيس الحكومة أن يستقيل. وقال النائب ايفي ايتام، من حزب الاتحاد اليميني المعارض، ان أولمرت يأتي باسرائيل الى تدهور جديد في القيم.

ورد الجنرال غيورا آيلاند، رئيس مجلس الأمن القومي السابق، بالقول: ان الرئيس الأميركي، جورج بوش، لم يستقل من منصبه اثر فشل الحرب في العراق وكذلك رئيس الوزراء البريطاني السابق، توني بلير.

وبهذه الروح تكلم وزراء حكومة أولمرت من حزب «كديما»، طيلة مساء أمس، محاولين اجهاض محاولات المعارضة الاستفادة من انتقادات لجنة فينوغراد. وجاء التقرير النهائي للجنة بشكل مريح فعلا لأولمرت، حيث انه لم يتضمن أي توصيات شخصية ضده أو ضد غيره. وأكد رئيس اللجنة ان تقريره ليس لائحة اتهام تطرح للقضاء من أجل معاقبة أحد، بل هو محاولة جريئة تتيح للقيادات السياسية والعسكرية أن تصحح الأخطاء. وسيكون الحكم في النهاية للجمهور.

وقال التقرير بوضوح ان اسرائيل فشلت في حربها في لبنان، حيث خرجت اليها من دون اجراء دراسة معمقة وتمت ادارتها سياسيا وعسكريا بشكل فاشل، وحمل المسؤولية عن ذلك الى الحكومة والجيش، مع زيادة اتهام للجيش نفسه. وقال ان اسرائيل ضيعت فرصة في هذه الحرب، عندما انهتها بالفشل. وانه في التحقيق في أحداث الحرب، وجد فشلا واخفاقات خطيرة في كل شيء تقريبا، بدءا بطريقة اتخاذ القرارات في القيادتين السياسية والعسكرية وعبر القيادات العليا في الجيش، خصوصا القوات البرية، وانتهاء بانعدام التفكير الاستراتيجي. وأكد التقرير ان حكومة أولمرت وقيادة الجيش في فترة الحرب، ليستا المسؤولتين الوحيدتين، بل ان الحكومات والقيادات العسكرية السابقة، تتحمل هي ايضا المسؤولية.

وفي ما يتعلق بالساعات الستين الأخيرة من الحرب، قال التقرير: ان أولمرت كان معارضا لعملية برية، رضخ لارادة الجيش ووزير الدفاع. ولكن هذه العملية لم تحقق المرجو منها، حيث فشل الجيش في وقف الصواريخ والقذائف فاستمرت في السقوط على المدن والقرى الاسرائيلية طيلة الوقت. وفشل الجيش في حماية السكان، فاضطروا الى الهرب نحو الجنوب. وامتدح التقرير قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 واعتبره مكسبا سياسيا كبيرا لاسرائيل، رغم ان بعض بنوده لم تطبق بعد.

وحرص التقرير على الاشارة الى ان اسرائيل بهذا التحقيق تثبت عظمة وقوة، وليس شارة ضعف. وقال انه يرى مهمته الأساسية في تصحيح الأخطاء من أجل المستقبل. وأشاد بمحاولات الحكومة والقيادة الحالية للجيش لتصحيح الأخطاء. وكان رئيس وأعضاء لجنة فينوغراد قد سلموا مساء أمس، تقريرهم النهائي في آن واحد الى كل من رئيس الوزراء، ايهود أولمرت، ووزير الدفاع الحالي، ايهود باراك، ووزير الدفاع السابق، عمير بيرتس، ورئيس أركان الجيش السابق، دان حالوتس، وحال تسلمهم اياه انكبوا على دراسته مع مستشاريهم القانونيين. ثم عقد رئيس وأعضاء اللجنة مؤتمرا صحافيا لخصوا فيه أهم استنتاجاتهم، رافضين الرد على أسئلة الصحافيين. وكان أول رد فعل جماهيري على التقرير عبارة عن مظاهرة ضمت بضع عشرات قليلة من المواطنين، الذين بنوا خيمة احتجاج أمام بيت وزير الدفاع مطالبينه بالايفاء بالوعد الذي قطعه على نفسه بمطالبة أولمرت بالاستقالة او بالانسحاب من الحكومة فيما لو أصر أولمرت على التمسك بمنصبه.

وفي تصرف ساخر من تصريحات باراك الأخيرة بأنه سينتظر صدور التقرير وقراءته وفقط بعد ذلك يقرر، قرأ المتظاهرون التقرير بصفحاته التي فاقت الـ 500 صفحة، عبر مكبرات الصوت حتى يوفروا عليه الجهد. لكن باراك لم يكن في البيت في ذلك الوقت.

واعتبر هذا النشاط هزيلا، حيث ان عدد الصحافيين كان أكبر من عدد المتظاهرين. وقد ضم ناشطين من المجموعات الاحتجاجية المعروفة من ضباط الاحتياط والعائلات الثكلى المعدودة على اليمين، ولم تضم أي مواطن جديد. وعزا المنظمون هذا الهزال في الاحتجاج، الى حالة الطقس البارد جدا. ووعدوا بملء الساحات بمظاهرات الاحتجاج بعد أيام، علما بأن رد الفعل الجماهيري سوف يكون المعيار الأساسي لمستقبل حكومة أولمرت.

الجيش الإسرائيلي يشكل 70 طاقما لقراءة التقرير

* أعلن الناطق بلسان الجيش الاسرائيلي أن رئيس الأركان الجنرال جابي اشكنازي شكل 70 طاقما لقراءة تقرير لجنة فينوغراد للتحقيق في اخفاقات الحرب على لبنان. وأوضح الناطق ان هذه الطواقم ستدرس التقرير بشقيه السري والعلني، بهدف التعلم من الأخطاء وتصحيحها. وانه سيجري مقارنة دقيقة بين تقرير اللجنة وتقارير لجان التحقيق الداخلية التي شكلها الجيش، لكي يرى ما إذا كانت هناك أمور غائبة عن تحقيقات الجيش أو مناقضة لها. وكان تقرير اللجنة قد أشار الى ان الجيش الاسرائيلي بادر الى حرب طويلة دامت 34 يوما، ولكنه فشل فيها ولم يحقق الانتصار المرجو. فهو جيش كبير وقوي دخل حربا مع تنظيم عسكري صغير، وكان عليه أن يخرج منها منتصرا. وتم اكتشاف أخطاء واخفاقات خطيرة وجدية في عمل الجيش، بدءا من الاستعدادات للحرب وعبر طريقة اتخاذ القرارات وحتى ادارة العمليات الحربية. 60 ألف صفحة من الوثائق السرية

* يتضمن تقرير لجنة فينوغراد 500 صفحة علنية، ولكنه يحتوي أيضا على تقرير سري يتضمن 600 وثيقة مؤلفة من 60 ألف صفحة.

وكانت الحكومة الاسرائيلية قد شكلت اللجنة في 17 سبتمبر (أيلول) 2006، بعد شهر ونصف الشهر من انتهاء الحرب، عقب هبة احتجاج مؤثرة بسبب اخفاقات الحرب. ولم تكن تلك لجنة تحقيق رسمية، كما جاء في القانون، لها صلاحيات تقديم الفاشلين الى المحاكمة، بل لجنة تحقيق حكومية مقيدة بالأهداف التي حددتها الحكومة. وقد أجبرتها محكمة العدل العليا على الامتناع عن اصدار توصيات عقابية للشخصيات القيادية.

واستمعت اللجنة الى 74 شهادة من القيادات السياسية والعسكرية والخبراء الأكاديميين، لكنها لم تنشر سوى 30 شهادة منها، بينما أحاطت بقية الشهادات بسرية. واستغرق سماع الشهادات أربعة أشهر، وامتدت على 4000 صفحة. وفي 30 أبريل (نيسان) 2007، نشرت اللجنة تقريرا أوليا قاسيا، اتهم فيه رئيس الوزراء ايهود أولمرت، ووزير الدفاع عمير بيرتس، ورئيس أركان الجيش دان حالوتس، وقائد اللواء الشمالي للجيش أودي آدم، وقائد لواء الجليل جال هيرش، بالفشل في ادارة الحرب والاعداد لها. كما اتهم الحكومة بأنها انجرت وراء الجيش في هذه الحرب. وفي يوم أمس صدر التقرير النهائي، ليبدو أخف وطأة على أولمرت وأشد وطأة على الجيش.

الحرب فرصة وضاعت..

* من أبرز ما جاء في تقرير لجنة فينوغراد، ان الحرب الأخيرة على لبنان كانت بمثابة فرصة كبيرة لاسرائيل حتى تتخلص من عدو صغير العدد والقوة (حزب الله). ومع ان اسرائيل هي التي بادرت الى هذه الحرب، فإنها فشلت في تحقيق أهدافها، وفشلت في وقف اطلاق الصواريخ على الجبهة الداخلية وفشلت في توفير الحماية لسكان الشمال الاسرائيلي، مما اضطرهم الى الهجرة الى الجنوب.

وحمل التقرير قيادة الجيش الاسرائيلي مسؤولية هذا الفشل، ولكنه أضاف ان القيادة السياسية بضعفها في مواجهة الجيش ودراسة برامجه، باتت شريكة في هذا الفشل.