الموت يتربص بالبعثيين السابقين.. وبعضهم يخشى أن يعجل القانون الجديد بنهايتهم

قريب لموظف بأمانة العاصمة ذبح مع زوجته وابنتهما: لم يؤذ إنسانا في حياته

عراقية تحمل قيودا بلاستيكية تركها وراءهم جنود بعد تفتيش منزلها في مدينة الصدر ببغداد أمس (أ.ف.ب)
TT

قام المهاجمون أولا بضرب الموظف العامل في أمانة العاصمة وزوجته وابنتهما في بيتهم في نهاية عطلة الأسبوع الماضي، ثم قاموا بذبحهم. التبرير الوحيد لهذا الفعل الشنيع، الذي يمكن التفكير به، هو أن الرجل القتيل كان ينتمي إلى حزب البعث.

قال أبو عبد الله ابن عم الضحية، بعد أيام قليلة: «لم يكونوا مهتمين فيما إذا كان انسانا طيبا أو سيئا. كان عمله يتطلب منه أن يكون بعثيا. وهو لم يكن فاعلا بأي شكل من الأشكال. ولم يؤذ أي انسان في حياته».

جاء مقتل أحمد جواد هاشم تذكيرا فظيعا بالأخطار التي تتربص بالأعضاء السابقين في حزب البعث، في وقت تتبلور فيه سياسة اجتثاث البعث، التي تهدف حسبما يفترض الى المصالحة بين أولئك الذين تم إخراجهم من الوظائف الحكومية وأغلبهم من السنة، وبين النخبة الحاكمة المنتمية للأحزاب الشيعية، إلى قانون.

أصبح الخوف مشتركا بين الكثيرين ممن كانوا اعضاء في حزب البعث، الذي كان يضم ما بين 2 إلى 6 ملايين عضو، من نهاية بشعة على يد الميليشيات الشيعية المتعطشة للانتقام أو عصابات إجرامية، بل حتى من منافس في مكان العمل. وبين المنتمين إلى حزب البعث هناك الكثير من الشيعة، مثل هاشم الذين انضموا للحزب كي يتمكنوا من ضمان التقدم مهنيا في وظائفهم.

قرار إقصاء المسؤولين الذين ينتمون إلى أعلى المراتب في حزب البعث أصدره بول بريمر رئيس سلطة التحالف المدنية بعد غزو عام 2003. لكن هيئة اجتثاث البعث الحكومية قالت إنها أعادت إلى العمل 140 ألف عراقي جرى طردهم وفق قانون بريمر. غير ان المراقبين والدبلوماسيين يقولون إن التطهيرات مستمرة ويتواصل طرد الأشخاص من وظائفهم لأسباب سياسية، أو لأنهم لا يدفعون رشاوى كافية للأشخاص المناسبين القادرين على مساعدتهم للعودة إلى وظائفهم.

بعد سقوط بغداد عام 2003 اختفى المهندس المتقاعد هاشم، ولكن بتشجيع من اصدقائه عاد إلى العمل في بغداد أواخر تلك السنة. وحسب كل الشهادات فإن قصته استخدمت من قبل بعض المسؤولين الأميركيين والعراقيين دليلا على أن هيئة اجتثاث البعث ترحب بعودة الأفراد المفصولين إلى وظائفهم.

عاد هاشم إلى عمله في مديرية إسالة الماء حتى تقاعده قبل أربعة أشهر. ومنذ ذلك الوقت لم يتسلم أي رسالة تحذير من أن هناك شخصا ما يريده مقتولا. وظل يمضي أيامه في الأسواق وزيارة أصدقائه. قال أبو عبد الله: «لم تكن لديه مخاوف. كان يعيش حياة طبيعية». ومنذ تشكيل حكومة «الوحدة الوطنية» التي يرأسها نوري المالكي في مايو (أيار) 2006 كان أحد أهداف حكومته إصلاح عملية اجتثاث البعث. لكن دلائل استمرار أعمال التطهير كانت واضحة.

فحالة عبد العزيز القرةغولي المسؤول الرفيع في وزارة الزراعة هي واحد من الأمثلة على ذلك، فقد أبلغ يوم 25 يوليو (تموز) 2006 بأنه طرد من عمله من قبل هيئة اجتثاث البعث. وهو مقتنع بأن سبب طرده كونه لا ينتمي إلى حركة الصدر التي كانت تسيطر آنذاك على الوزارة. وقال القرةغولي إنه طلب من الوزير مساعدته من دون جدوى. وأضاف: «أنا لا أعتقد أنهم يريدون أشخاصا يمتلكون خبرة أو سنّة في الوزارة». وجاء طرده صدمة للكثير من زملائه، الذين اثنوا كثيرا على دوره في إعادة بناء الوزارة خلال أيام الفوضى التي أعقبت الحرب. وقال روجر هارتلي المستشار الاسترالي للوزارة في عام 2003: «هذا البلد لا يستطيع تطهير أناس موهوبين ويمتلكون خبرة مثل عبد العزيز، الذي كان مستعدا للمساهمة بكل شي من أجل إعادة إعمار العراق».

وعلى الرغم من أن القرةغولي يتمنى لو انه يتمكن من العودة الى الوزارة، حيث عمل لمدة تقرب من 32 عاما، فانه يعتقد ان الحصول على تقاعده هو الخيار الأكثر سلامة. وقال القرةغولي، اول من امس، «أشعر بخوف شديد من الميليشيات التي قتل مسلحوها اثنين من المديرين العامين في وزارة الزراعة والكثير من اصدقائي. ولهذا فان العودة مغامرة كبيرة».

وأخر الافتقار الى المساومة بين الكتل السياسية في عام 2006 حول هيئة اجتثاث البعث، أية خطوات جدية باتجاه الحل، وواصلت الهيئة المثيرة للجدل ملاحقة البعثيين السابقين. وفي يناير (كانون الثاني) الماضي أقر قانون المساءلة والعدالة، الذي يسمح لبعض البعثيين بالعودة الى وظائفهم، بتصويت 150 من اعضاء البرلمان الحاضرين من أصل 275. وهناك فصل مثير للجدل بخصوص اعضاء من الدرجة الرابعة في حزب البعث. فالقانون يحرمهم من العمل في مجلس القضاء او في وزارات الخارجية والداخلية والدفاع. وسيطرد المسؤولون رفيعو المستوى، الذين منحوا موافقات على العودة الى العمل. ومن بين فقرات التشريع التي انتقدت، هو هيكل هيئة اجتثاث البعث الجديدة. انه هيكل الهيئة القديمة نفسه ولكن باسم جديد فقط. وقال دبلوماسي عمل في العراق، ان «حقيقة بقاء اللجنة من بين مخاوفي الرئيسية. ان ذلك مرتبط باتهامات فساد وتسييس، ومن المحتمل أن يتواصل ذلك».

وفي الجانب الايجابي سيؤسس القانون الجديد محكمة استئناف يترأسها قضاة على النقيض من العملية السابقة، التي كان يمكن للناس ان يعودوا بموجبها الى الهيئة فقط من اجل الاستئناف. كما أن التشريع يمنح حق العمل وتسلم التقاعد للبعثيين، الذين لم تكن لديهم في السابق مثل هذه الحقوق الا عبر وسيلة تنازل خاصة. وسيكون الاختبار النهائي متمثلا في كيفية تنفيذ الحكومة العراقية الاجراءات.

وقال انتوني كوردسمان، خبير الشؤون العراقية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، الذي يتخذ من واشنطن مقرا له، ان «القانون الجديد نادرا ما يكون سخيا تجاه البعث، ولكن هذا قد لا يهم اذا ما استخدمه شيعة العراق لطرد السنة بغض النظر عن اصطفافهم الفعلي مع البعث، وعدم مواصلتهم طرد البعثيين بصورة اكبر في الواقع مما يدعو اليه القانون». لكن المخاطر تبقى بالنسبة لأولئك الذين طردوا من وظائفهم القديمة. فهم يخشون من امكانية معاقبتهم على انتسابهم السابق.

وأحد هؤلاء سالم صبري (54 عاما)، وهو متزوج ولديه ثمانية أطفال. واعتاد صبري على العمل في بلدية الكوت، مركز محافظة واسط، ولكنه طرد بعد سقوط نظام صدام لكونه بعثيا. وقرر ان الأكثر أمانا بالنسبة له ان ينتقل الى بغداد. فباع بيته في الكوت ليبدأ حياة جديدة. وقال «لن يعرفني احد هناك». ولا يشعر صبري بالندم على المغادرة. فقد تلقى بعض من اصدقائه تهديدات بينما قتل آخرون. وعلى الرغم من سروره بأن القانون الجديد سيجعله مؤهلا للتقاعد، فانه يعتقد ايضا بان التسجيل قد يؤدي الى موته. وقال صبري «لا أريد التقاعد ولا أريد الكشف عما كنت عليه سابقا. تحدثت الى كثير من أصدقائي السابقين ويتفق جميعهم تقريبا معي في هذا الشأن. لقد أغلق فصل طويل في حياتي».

* ساهم كل من قيصر أحمد وسيف رشيد وسيف حميد ورحيم سلمان في اعداد هذا التقرير

* خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»