أبو الليث الليبي تنقل بحرية وبدون قيود في الشريط الحدودي حتى مقتله

زار زملاءه في المستشفيات والسجون في بيشاور وتفاوض مع دبلوماسي ليبي

أبو الليث الليبي قيادي «القاعدة»
TT

عاش أبو الليث الليبي في شمال غرب باكستان لسنوات، حتى مقتله في الأسبوع الماضي هناك، على الرغم من وجود مكافأة أميركية على رأسه تصل إلى 200 ألف دولار، وكان يشعر بالأمان إلى الحد الذي يجعله يقوم بزيارات المستشفيات والالتقاء بالمسؤولين المحليين حسبما قال بعض مسؤولي وسكان هذه المدينة.

ومع قيامه بتنظيم الهجمات الانتحارية في أفغانستان وجد أبو الليث الليبي مكانا آمنا ومريحا في منطقة باكستان الحدودية حسبما قالت بعض المصادر. والتقى بسياسي باكستاني ودبلوماسي ليبي وكان يقوم بزيارة للمقاتلين الأجانب أثناء فترات شفائهم من جراحهم.

لكن الحكومة الباكستانية تصر على أنها قامت بكل ما يمكن القيام به لاعتقال وجوه «القاعدة» البارزين الموجودين ضمن حدودها. لكن الليبي الذي قتل في هجوم صاروخي الأسبوع الماضي ظل يتنقل بحرية تامة في قلب مدينة بيشاور، التي يبلغ عدد سكانها حوالي 1.2 مليون نسمة، وهذا ما يكشف عن مدى الحرية التي كان يشعر هو بها وزعماء «القاعدة» الآخرون بحيث يتمكنون من تنظيم عمليات هجومية انطلاقا من باكستان.

وذات يوم من عام 2006 تمشى الليبي إلى السجن المركزي في بيشاور عاصمة الإقليم الحدود الشمالي الغربي لزيارة مقاتل ليبي آخر، وهناك تجادل مع دبلوماسي ليبي حول ما إذا كان يجب إعادة المعتقل إلى ليبيا ضد إرادته أو إطلاق سراحه حسبما قال جافيد ابراهيم باراتشا، السياسي الباكستاني الذي ساعد في عقد اللقاء.

وقال باراتشا البرلماني السابق والمرشح لمقعد برلماني في انتخابات هذا الشهر: «أنا أعرف أبو الليث منذ مدة». وأضاف أنه كان يزور المقاتلين الأجانب المصابين في المستشفيات القريبة من مدينة بانو للاطلاع على أحوالهم.

ويمكن القول إن تقدما تحقق في إلقاء القبض على قادة «القاعدة» مثل أبي الليث الليبي رفع من مشاعر الضيق بين المسؤولين الأميركيين والأوروبيين والأفغان، حيث قال بعضهم إن «القاعدة» وحليفتها طالبان ظلتا تنظمان هجمات من أماكنهما الآمنة في باكستان ضد أفغانستان. ومنعت الحكومة الباكستانية القوات الأميركية من القيام بعمليات تفتيش على قادة «القاعدة» داخل ترابها.

ومضى ما يقرب من عامين منذ تمكنت السلطات الباكستانية من قتل أو اعتقال أي شخصية مهمة داخل «القاعدة». وكان آخرهم هو محسن موسى متولي عطوة المواطن المصري المتهم في الولايات المتحدة بعلاقته مع تفجير السفارتين الأميركيتين في شرق أفريقيا عام 1998.

وكانت أنشطة أبو الليث الليبي نقطة تأزم في العلاقات بين الولايات المتحدة وحكومة الرئيس الباكستاني برويز مشرف.

وبعد أشهر قليلة من زيارة الليبي الى سجن بيشاور، نظم وفقا لما قاله مسؤولون عسكريون اميركيون، هجوما انتحاريا خارج قاعدة باغرام الجوية في أفغانستان خلال زيارة قام بها نائب الرئيس تشيني. وقتل ما لا يقل عن 23 شخصا في تفجير فبراير 2007.

وقال بعض المسؤولين والمحللين الأمنيين أن الليبي نسق ايضا هروب أربعة من مقاتلي «القاعدة» من سجن الجيش الأميركي في باغرام عام 2005. وظهر الليبي كشخصية رئيسية بين المتطرفين الإسلاميين عام 2002، عندما أعلن عبر الفيديو بأن زعيم «القاعدة» اسامة بن لادن وزعيم طالبان محمد عمر قد نجوا من الغزو الذي قادته الولايات المتحدة لأفغانستان.

وكشف عن موت الليبي في بيان الخميس الماضي نشر على موقع «القاعدة» على الانترنت. وعلى الرغم من أن البيان لم يقدم تفاصيل فانه يعتقد بكونه بين 12 شخصا قتلوا في هجوم بالصواريخ يوم الثلاثاء الماضي في قرية تقع شمال وزيرستان.

وتشير تقارير استخباراتية الى أن الليبي كان في طريقه الى لقاء بيت الله محسود، قائد طالبان الباكستاني والزعيم القبائلي الذي ألقيت عليه مسؤولية اغتيال رئيسة الوزراء الباكستانية السابقة بي نظير بوتو يوم 27 ديسمبر الماضي.

وهويات القتلى الآخرين في الهجوم الصاروخي غير معروفة. وقال مسؤولون باكستانيون انهم واجهوا صعوبة في الوصول الى المشهد، ولكن سكانا في المنطقة قالوا ان قادة طالبان المحليين سحبوا الجثث من تحت الأنقاض. ولم يعلن مسؤولون أميركيون أو باكستانيون المسؤولية عن الهجوم.

وجاء مصرع الليبي بعد شهرين من إعلانه ونائب زعيم «القاعدة» ايمن الظواهري في بيان مشترك ان شبكة مقاتلين ليبية قد التحقت رسميا بـ«القاعدة». وكان الليبي زعيما لفترة طويلة في«الجماعة الليبية الاسلامية المقاتلة"»، وهي منظمة تأسست أوائل التسعينات من أجل الاطاحة بالزعيم الليبي معمر القذافي.

وكانت الحكومة الليبية تحاول اقناع أفراد الجماعة بالموافقة على هدنة وهو احد اسباب موافقة الليبي على اللقاء في سجن بيشاور مع دبلوماسي من السفارة الليبية في اسلام آباد وفقا لما قاله باراتشا، السياسي الباكستاني الذي نظم اللقاء.

وقل باراتشا ان اللقاء ادى الى «اتصالات» اضافية بين الليبي والحكومة الليبية على الرغم من أنه رفض اعطاء تفاصيل. وقال انه في ذلك الوقت كان الليبي عنصرا مستقلا لم يتعهد رسميا بالولاء للقاعدة، ولكنه كان يعمل على نحو وثيق مع الشبكة وقوات طالبان لمقاتلة الولايات المتحدة وقوات الناتو في افغانستان.

وقال باراتشا «انه لم يكن مشاركا بصورة مباشرة مع «القاعدة» ولكنه يمكن أن ينضم الى قوات بن لادن على اساس الضرورة. وكان يقود جماعته الخاصة من المقاتلين الليبيين».

وباراتشا قائد إقليمي في فرع حزب الرابطة الاسلامية الباكستانية الذي يترأسه رئيس الوزراء السابق نواز شريف. ويعرف عن باراتشا أن لديه صلات وثيقة مع زعماء طالبان ومتطرفين آخرين.

وقال انه تفاوض لاطلاق سراح المئات من المقاتلين الأجانب من سجون باكستانية شريطة مغادرتهم البلاد. وقال «أنا اقوم بهذه المهمة منذ اربع سنوات».

غير ان جهود باراتشا للتوصل الى اتفاق سلام بين الليبي والحكومة الليبية لم تؤد الى نتيجة وفقا لمصدر ليبي مطلع على المحادثات.

وقال المصدر الذي تحدث مشترطا عدم الإشارة الى اسمه ان «ابو الليث كان 100 في المائة ضد المفاوضات بين الجماعة الليبية الاسلامية المقاتلة والحكومة. ورفض ان يكون جزءا منها».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»