ساركوزي فقد شعبيته بسرعة قياسية لم يعرفها أي رئيس آخر

حزبه متخوف من نتائج الانتخابات البلدية الشهر المقبل.. والرئيس بحاجة إلى مضاعفة جهوده

TT

بعد تسعة أشهر فقط على فوزه الباهر بالرئاسة، يجد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي نفسه في وضع لا يحسد عليه داخليا. فالرجل الذي جعل من شعبيته لدى مواطنيه منصة لتحقيق طموحاته السياسية ولفرض رؤيته للسياسة ولتصوره لوظيفة رئيس الجمهورية داخل المؤسسات القائمة، يشعر أن الأرض تنهار تحت رجليه ولا يجد سبيلا للنهوض. وتبين استطلاعات الرأي أن شعبية ساركوزي تتراجع وثقة الفرنسيين بقدرته على معالجة المشاكل التي تواجهها فرنسا في الداخل والخارج، تنعدم. ويرى الفرنسيون أن رئيسهم غير قادر على الوفاء بالوعود التي أغدقها عليهم خلال الحملة الانتخابية حيث أعطى انطباعا قويا بأنه «جاهز» للحكم ولقيادة عملية الإصلاح في البلاد. ووفق آخر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «LH2» لصالح صحيفة «ليبراسيون» التي نشرت نتائجه أمس، فإن شعبية ساركوزي تراجعت في شهر واحد 13 نقطة لترسو عند 41 بالمائة بينما وصلت نسبة الذين «لا يثقون» برئيسهم الى 55 بالمائة. وخلال شهر واحد، انهارت شعبية ساركوزي الذي كان يحظى في الصيف الماضي على نسبة تأييد عالية وصلت الى 67 بالمائة في شهر يوليو (تموز) الماضي. وتبين قراءة استطلاعات الرأي في الأشهر الأخيرة أن عملية التراجع مستمرة لكنها تسارعت في الأسابيع الأخيرة. وبحسب المحللين السياسيين، فإن ما يعاني منه ساركوزي لم يعرفه أي رئيس آخر لجهة السرعة الفائقة التي تبخر خلالها رصيد الثقة التي يمنحها الفرنسيون لرئيسهم. وحده جاك شيراك عرف شيئا مشابها بسبب الإضرابات القاسية التي عانت منها فرنسا في خريف العام 1995، بعد اشهر قليلة على وصوله الى الرئاسة ما دفعه الى حل البرلمان والدعوة الى انتخابات جديدة.

ويتخوف اليمين الحاكم من انعكاسات هذا الوضع على الانتخابات البلدية التي ستجري الشهر المقبل. وعلى الرغم من أن نتائج هذه الانتخابات لن تؤثر على الأكثرية المريحة التي يتمتع بها ساركوزي والحكومة في البرلمان ومجلس الشيوخ، الا أنها ستقرع ناقوس الخطر بالنسبة الى اليمين الحاكم. ولعل الحليف الأفضل حتى الآن لساركوزي هو الحزب الإشتراكي المعارض نفسه الذي تتعمق انقساماته بسبب «الحرب» على الزعامة. اذ سيتخلى سكرتير عام الحزب الحالي فرنسوا هولاند، الزوج السابق لمرشحة الحزب للرئاسة سيغولين روايال التي خسرت في وجه ساركوزي، عن منصبه بعد الانتخابات البلدية بينما تطمح طليقته رويال للحلول مكانه، وهو أمر لا يروق لكثير من «عمالقة» الحزب.

غير أن التعويل على انقسامات الإشتراكيين لا يمكن أن يكون «الدواء» لصعوبات ساركوزي. وثمة قناعة لدى زعماء اليمين أن هناك سببين رئيسيين يفسران هذه الظاهرة المقلقة: الأولى تتناول عجز الرئيس والحكومة حتى الآن على إشعار الناس وخصوصا الطبقة المتواضعة، أن تغييرا إيجابيا ما طرأ على أوضاعهم الحياتية. فالغلاء مستشر والقدرة الشرائية تتراجع والإصلاحات التي أقرتها الحكومة والبرلمان لم تعط أي نتائج ملموسة حتى الآن بما في ذلك الإصلاح الخاص بفتح الباب أمام الموظفين للعمل ساعات إضافية ترجمة لشعار ساركوزي: «أعمل أكثر وأربح أكثر». واعترف ساركوزي شخصيا بعجزه عندما تساءل في مؤتمره الصحافي الشهر الماضي في قصر الأليزيه، متوجها الى منتقديه: «هل تريدون أن أفرغ خزائن الدولة التي هي أصلا فارغة لتحسين القدرة الشرائية؟».

ويتزاوج هذا الاعتراف بالعجز بشعور متنام لدى الفرنسيين حول غياب رؤية شاملة للعملية الإصلاحية التي وضعها ساركوزي تحت شعار «الانقطاع» عن الممارسات السابقة. فالرئيس لا يهدأ وهو ينتقل من بلد الى آخر ومن قارة الى أخرى معلنا التوصل الى عقود بالمليارات. وما بين «سياسة الحضارة» التي يريد أن يجعلها شعارا لعمله على رأس الدولة و العودة الى «الجذور المسيحية» لأوروبا، ومكان الدين في المجتمع الذي يعود اليه في الداخل كما في الخارج، ضاع الفرنسيون الذين لا يشعرون أن الرئيس يهتم بحياتهم اليومية بقدر ما يهتم بحياته الخاصة.

وتفيد استطلاعات الرأي أن الكثير من الفرنسيين «مصدومون» من أسلوب حياة ساركوزي المتنقل على متن طائرات اصدقائه من كبار أثرياء فرنسا والعالم من مكان الى آخر بصحبة صديقته كارلا بروني التي اصبحت السبت الماضي زوجته. ولعل حرص الاليزيه على إتمام الزواج بعيدا عن الأضواء وعدسات المصورين غرضه التخفيف من الوقع السيء لهذه الظاهرة التي دفعت رئيس المجلس الدستوري جان لوي دوبريه الى التدخل ودعوة الرئيس الى المحافظة على «موقع الرئاسة» وعدم الإنحدار بها والسير على خطى من سبقه في قصر الأليزيه كالجنرال ديغول والرئيس بومبيدو والآخرين. أما زعيم الوسط والمرشح الرئاسي السابق فرنسوا بيرو، فقد اتهم ساركوزي باستخدام حياته الخاصة لصرف أنظار الفرنسيين عن «المسائل الحقيقية» التي تهمهم وإلهائهم بالتفاصيل الشخصية. وإزاء هذا الوضع ورغبة منه في استعادة ما خسره، يبدو أن الرئيس الفرنسي يضاعف جهده في محاولة لاستعادة مكانته. فقد تخلى عن «شهر العسل» مع عروسه الجديدة ليهتم بموضوع تشاد ويتابع الوضع الاقتصادي وليضاعف جولاته داخل فرنسا متنقلا من منطقة الى أخرى من غير أن يتخلى عن رحلاته الخارجية ومنها واحدة بدأها بعد ظهر أمس الى رومانيا. الا ان استعادة الشعبية التي فقدها خلال فترة قياسية، قد تحتاج الى وقت أطول بكثير لاستعادتها. فهل سينجح؟