السعودية تغلق سفارتها في أنجامينا وطائرتان تقلان جثماني القتيلتين وموظفي السفارة إلى الرياض

الأم القتيلة طلبت قبل وفاتها تقبيل طفلتها الرضيعة للمرة الأخيرة

TT

اعلنت وزارة الخارجية السعودية عن إغلاق السفارة السعودية في أنجمينا، واجلاء جميع موظفيها واسرهم. وأوضحت الوزارة في بيان لها أمس أنه بتوجيهات من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، والأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام السعودي، وبمتابعة مستمرة من الأمير سعود الفيصل وزيرالخارجية السعودي منذ بداية أزمة الرعايا السعوديين في انجامينا، تم اجلاء جميع موظفي السفارة واسرهم وجثمان القتيلين «سهام بنت عبد الله الزهراني زوجة الموظف بالسفارة عبد الرحمن الزهراني وابنته ميرال»، عبر طائرة خاصة، وتقديم الرعاية الطبية لكل من الطفل أحمد والطفلة مزون ولدي عبد الرحمن الزهراني. إلى ذلك تقدم نزار مدني وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي، مستقبلي جثماني سهام الزهراني وابنتها ميرال، اللتين وقعتا ضحية للقنبلة التي سقطت على منزل السفيرالسعودي في العاصمة التشادية انجامينا، خلال الاحداث الأخيرة التي شهدتها هذه الدولة الأفريقية.

ونقل الوزير مدني والأمير خالد بن سعود بن خالد مدير إدارة المالية والإدارية في الخارجية السعودية، تعازي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، والأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد، والأمير سعود الفيصل وزير الخارجية، ومواساتهم لذوي الفقيدتين وتمنياتهم للجرحى بالشفاء.

وقال مدني ان السفارة السعودية في تشاد أغلقت بالكامل، لافتا إلى أنهم بصدد جمع معلومات من السفير وأعضاء البعثة الدبلوماسية عن الأحداث التي جرت علىالأراضي التشادية، حيث سيتم اتخاذ القرارات المقبلة على ضوء المعلومات التي ستتوفر. ومن ثم اتخاذ الاجراءات اللازمة حيال وضع السفارة هناك.

من جانبه قال الأمير خالد بن سعود ان القوات الفرنسية لم تستطع الوصول إلى السفارة السعودية إلا بعد 48 ساعة، وأن الطائرة السعودية التي توجهت لنقل أعضاء البعثة استحال أن تهبط في انجامينا، لذلك غيرت مسارها إلى الغابون، حيث تمت عملية النقل من هناك.

وقال عبد الله الزهراني والد الضحية السعودية سهام بعد تلقيه التعازي، إن ابنته كانت على اتصال معه قبل 24 ساعة من مقتلها، حيث كانت أحداث التمرد في ذلك الوقت آخذة في الازدياد. وقال الزهراني، الذي كان يتحدث من مطار قاعدة الرياض الجوية، إن حفيدته «ميرال» خرجت إلى الدنيا في السعودية، وقدر الله أن تلقى ربها في تشاد، مضيفا «شعرت بأن ابنتي وحفيدتي اصابهما مكروه ما، لتردد زملاء زوج ابنتي عبد الرحمن الزهراني في اخباري بالحقيقة».

وكانت آخر مرة شاهد فيها عبد الله الزهراني، ابنته وعائلتها قبل شهرين، إذ كانت العائلة في إجازة لإتمام ولادة ميرال في السعودية، حيث غادروا إلى تشاد في الثامن عشر من ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي.

وعلمت «الشرق الأوسط» أن الإصابات التي لحقت بالطفلين أحمد ومزون، طفيفة.

وكانت الطائرة الخاصة قد وصلت في وقت لاحق من مساء أمس إلى مطار القاعدة الجوية بالرياض، حاملة على متنها جثماني الفقيدتين، وأعضاء البعثة الدبلوماسية السعودية في انجامينا، والمصابين. وستقام اعتبارا من الليلة، مراسم عزاء رسمية وشعبية في الفقيدتين.

ومثلما احتضن والد الفلسطيني محمد الدرة طفله الذي استشهد بين يديه، توفيت الطفلة السعودية ميرال في أحضان والدتها التي قضت أيضا في انفجار صاروخي في أحداث التمرد التي شهدتها تشاد خلال الايام الفائتة. وإن كانت عدسة مصور احترافية استطاعت تسجيل اللحظات الأخيرة لاستشهاد «الدرة» على يد قناصة اسرائيليين، فإن رواية الأب والزوج عبد الرحمن الزهراني للحالة التي كانت عليها زوجته وطفلته ذات الستة أشهر أثناء الانفجار، هي أكثر تأثيرا وتختلط بمشاعره المكلومة كأب وزوج، وجد نفسه محاصرا بالرعب والموت لساعات طوال، بينما أشلاء عائلته في كل مكان من مبنى السفارة السعودية، ولا يملك أمامها الا الصبر والاحتساب.

يقول أقارب الزهراني إن ما يصعب الأمر عليهم، هو العلاقة الحميمية التي تجمع بين أب الزوجة الضحية، عبد الله يحيى الزهراني، وبناته جميعا من جهة، وتلك العبارات التي تتحشرج في صدر الأم، قبل وفاتها قائلة «أريد مشاهدة ولو يد ابنتي لاقبلها قبل أن أودعها للمرة الأخيرة». والمفارقة المحزنة الأخرى هي أن الأم المتوفاة كانت في السنة السادسة بعد العشرين من عمرها، وأن طفلتها لقيت ربها وهي في عمر 6 أشهر، وأن مدة الارتباط الزوجي دامت 6 أعوام، وأن عدد أفراد العائلة توقف قبل أن يصل الرقم 6 وأن هذا الصباح الذي تستقر فيه بمثواها الأخير وطفلتها هو السادس من فبراير (شباط) الحالي.

ويروي مقربون من أسرة الزهراني، كيف كانت أسماء الزهراني، 26 عاما، حريصة على مرافقة زوجها الى تشاد، وتحمل أعباء الغربة، فيما لا توجد أية عائلات سعودية أخرى يمكنها معهم بناء علاقات اجتماعية.

وكان الزهراني عبد الرحمن، الذي يعمل في الملحقية العسكرية في السفارة السعودية في تشاد، قد زار السعودية وعائلته في عيد الاضحى الفائت، فيما كانت الزوجة حسب رواية أقربائها متحمسة للعودة الى السعودية في الاجازة الصيفية لحضور عدد من المناسبات السعيدة، قبل أن تختطفها وطفلتها يد الغدر الى مثواهما الأخير.

وبدت حجم الفجيعة في رواية المقربين من عائلة الزهراني، في طريقة إيصال الخبر لوالدي أسماء الزهراني، حول وضع الجثتين القادمتين اليهم مساء أمس، حيث كان تأثير الانفجار فادحا، اختلط فيه جسد الأم بطفلتها ليعودا كجسد واحد. الأب الذي غادر الاراضي السعودية وعائلته 5 أفراد، عاد وقد أصبحوا 3 أحياء بينهم طفل مصاب يبلغ عامين، بينما ودع زوجته وطفلته وداعا طويلا ساهم فيه الحصار على مقر السفارة السعودية قبل اجلائهم أول من امس.