رغم التحسن الأمني الطفيف.. العنف الطائفي يبقى هاجس العراقيين

البعض يشكو صراعات عناصر الصحوة.. وآخرون متذمرون من غياب سلطة الدولة

TT

«كيف يريدوننا ان ننسى ما حصل، فجراحنا لا زلت تأن ومسلسل نزف الدم مستمر، ومخاوفنا من تجدد الاعمال الطائفية قائمة في ظل غياب واضح لدولة القانون والمؤسسات وسيطرة الميليشيات والجماعات المسلحة على امور الحياة في مناطق عدة من البلاد»، بهذه الكلمات رد الاستاذ الجامعي سعيد عبد الرزاق على تساؤلات «الشرق الاوسط» عن حقيقة ما يجري في منطقة السيدية جنوب بغداد التي يسكنها منذ 25 عاما والتي ما زالت تشهد أعمال عنف رغم تشكيل مجلس صحوة فيها ووجود امني في محيطها. ويقول عبد الرزاق، 54 عاما، وهو أب لولدين توأم وبنت يدرسون في الجامعة «لا زلت افرض على اولادي الاقامة الجبرية في المنزل بعد عودتهم من جامعاتهم، ولا أسمح لهم بمغادرة المنزل لأي سبب كان حتى في الظروف الطارئة، فأنا ووالدتهم التي تعمل في البنك المركزي نتحمل كافة اعباء الحياة ونعمل على توفير كل ما يحتاجونه من ملبس ومأكل ومتطلبات اخرى».

وأكد عبد الرزاق الذي فقد شقيقه وزوجته اللذين كانا يسكنان نفس المنطقة نتيجة اعمال العنف الطائفية التي حصدت الكثير من زملائه وعدد كبير من ابناء جيرانه، بان الخوف من المجهول وسطوة الجماعات المسلحة لازالا يقضان مضاجع معظم العراقيين، وهو امر يتضح للعيان من خلال الاحاديث اليومية التي تدور بين الناس، مشيرا الى ان المرور بنقاط تفتيش تابعة للحكومة او تلك التي اقامها عناصر مجالس الصحوة تثير القلق والرعب أحيانا في نفوس المارة بسبب ما كان يحصل في تلك السيطرات في اوقات سابقة.

ويضيف عبد الرزاق الذي يحمل شهادة الدكتوراه في علم الاقتصاد من احدى الجامعات الاوروبية «ما حصل في منطقتنا من اعمال قتل واغتيال واختطاف وتهجير قسري طال العديد من السكان امور لا يمكن نسيانها بالنسبة للمتضررين من تلك الاعمال، فهناك عوائل فقدت معيلها واخرى فقدت اكثر من شخص، فضلا عن المبالغ المالية الكبيرة التي ذهبت سدًى بعد ان دفعوها للخاطفين مقابل اطلاق سراح ابنائهم، وهي محاولة باءت بالفشل بعد ان اخذ الخاطفون المبلغ وقتلوا ابناءهم، وهو امر حصل للعديد من سكان المنطقة». ويؤكد الاستاذ الجامعي غياب سلطة القانون في منطقته ومناطق اخرى تسيطر عليها تشكيلات مجالس الصحوة او جماعات مسلحة او ميليشيات تتخذ من الدين غطاء رسميا لها، تفرض قوانينها الخاصة على السكان وتتحكم في امور خاصة بالناس احيانا، ساعد على تولد شعور بالخوف لدى سكان تلك المناطق من تجدد أعمال العنف الطائفي التي يمكن ألا يسلموا منها هذه المرة. واشار الاستاذ الجامعي الى ان تصاعد الهجمات المسلحة والتفجيرات واغتيال عناصر وقادة مجالس الصحوة خلال الايام الماضية ولد هو الاخر شعورا بالخوف من تكرار ما شهده البلاد خلال فترة عامين ماضيين من جرائم بحق الانسانية طالت عددا كبيرا من الابرياء، مؤكدا أن عودة افراد الصحوة لمزاولة اعمالهم المسلحة التي كانوا يستهدفون فيها القوات الامنية الحكومية وصراعهم مع المليشيات في الجانب المقابل أمر ينذر بالمخاطر، وعلى السلطات الامنية تجنب ذلك والحيلولة دون وقوعه.

وبعد ان تنفس الصعداءَ سكانُ المناطق التي كانت الجماعات المتشددة تفرض سطوتها عليها في وقت سابق كالاعظمية والدورة والسيدية وحي الجامعة والغزالية والخضراء والعامرية، وهي مناطق غالبية سكانها من السنة، عاد هؤلاء الى العيش في حالة من الخوف والحذر بسبب خشيتهم من صراعات عناصر مجالس الصحوة التي تشكلت حديثا في مناطقهم لاسيما مع تردد الحكومة في حسم مسألة دمج عناصر الصحوة في مؤسساتها الأمنية. وتقول ام هناء، 44 عاما، وهي موظفة حكومية ومن سكنة منطقة الغزالية شمال غربي بغداد «نعيش هاجس الخوف باستمرار في ظل عدم وجود سلطة الحكومة في مناطقنا، وهو أمر طبيعي بعد تنامي نفوذ الجماعات المسلحة فيها منذ فترة طويلة، ورغم تحول الكثير من عناصر تلك الجماعات خلال الاشهر الماضية الى عناصر في مجلس الصحوة لبسط الامن والاستقرار في منطقتنا، إلا ان ولاء هؤلاء الافراد يمكن ان يتحول في ليلة وضحاها اذا ما تم ايقاف تمويلهم او عدم دمجهم في المؤسسات الامنية».

وتضيف ام هناء التي فقدت زوجها في اعمال العنف الطائفي واصبحت هي المعيلة الوحيدة لعائلتها التي تتكون من 6 افراد «لا نشعر بالطمأنينة بوجود مسلحين لا يأتمرون بسلطة القانون، وانما يتبعون اوامر من يدفع لهم ويمكن ان ينقلبوا عليه في ايِّ وقتً او يعملوا اي شيء يطلب منهم مقابل اموال، لكن اذا استطاعت القوات الحكومية بسط سيطرتها على مفاصل الحياة في مناطقنا فممكنٌ ان تعود الحياة الى طبيعتها نوعا ما، رغم الفجوة الكبيرة التي احدثتها اعمال العنف بين مختلف شرائح المجتمع».

ومن الادلة على استمرار حالة الخوف من الحواجز الطائفية التي خلفتها اعمال العنف الدامية وامكانية تكرارها من جديد هو رفض الكثير من اصحاب سيارات الاجرة دخول مناطق لا ينتمون اليها مذهبياً، كما هو الحال مع رعد فاروق أحد ابناء منطقة الاعظمية شمال بغداد. ويوضح فاروق، وهو يمتلك سيارة اجرة من نوع تويوتا يابانية الصنع لـ«الشرق الأوسط» ان عدداً من سيارات الاجرة أصحابها من ابناء المنطقة تنتشر عند مداخل منطقة الاعظمية ومخارجها ويقتصر عملهم داخل الحدود الادارية لمنطقتهم فقط ولا يعملون خارجها مهما كانت قيمة الاجرة.