رايس وميليباند: أفغانستان اختبار حقيقي لحلف الناتو وبقاؤنا بعيد الأمد

ضغوط على أوروبا لتحمل «المزيد من الأعباء».. وبرلين ترفض الانتقال إلى جنوب البلاد

TT

قامت وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس بزيارة مختصرة الى لندن أمس، لعقد ما يشبه اجتماع ازمة مع نظيرها البريطاني ديفيد ميليباند، بعد تفاقم الخلافات بين اعضاء حلف الشمال الاطلسي «الناتو» حول مستقبل قوات التحالف في افغانستان. وأقرت رايس بأن افغانستان تشكل «اختباراً حقيقياً» للحلف، مشددة على ضرورة ان يفهم شعوب دول التحالف ان جيوشها «لا تقوم بعملية حفظ سلام، بل عملية عسكرية ضد تمرد». واضافت في مؤتمر صحافي مع ميليباند بعد اجتماع طال اكثر من ساعتين: «مكافحة التمرد لن تكن قصيرة وقد تحدث الرئيس (الاميركي جورج) بوش عن حرب طويلة في السابق». واعتبر ميليباند ان حلف «الناتو» يواجه «اختباراً على صعيدين، الصعيد العسكري، حيث غيرت عناصر طالبان من تكتيكاتها.. والصعيد الثاني في دمج الاستراتيجية العسكرية مع استراتيجية اجتماعية واقتصادية وسياسية». وأضاف ان الجانب الثاني «يتطلب تعيين مبعوث دولي لتنسيق الجهود». ولم يدخل ميليباند بتفاصيل تعيين المبعوث الدولي، ولكن كانت رايس قد صرحت في حديث مع مجموعة من الصحافيين الاميركيين في طريقها الى لندن بأن المبعوث سيكون «على الارجح اوروبياً». وقد نشب خلاف بين لندن وكابل بعد رفض الرئيس الافغاني حميد كارزاي، تعيين المندوب الدولي السابق في كوسوفو البريطاني الجنسية بادي آشداون، ولم يحسم بعد من سيقوم بهذه المهمة. ورحب ميليباند أمس بالاهتمام الواسع بالتطورات في افغانستان، اذ صدرت اربعة تقارير حول البلد المضطرب هذا الاسبوع، قائلاً: «نرحب بهذا الاهتمام الأخير ونؤكد على التزام بلدينا على المدى البعيد بأفغانستان، وسندعم الحكومة الافغانية، بالاضافة الى حشد تحالف دولي لدعمها». وأضاف أن لندن وواشنطن «واضحتان بالنسبة لأولوياتنا، فهي الأمن والحكم الصالح ومكافحة التمرد ومكافحة المخدرات». وتأكيداً على أهمية الحكم الصالح طالبت رايس الحكومة الافغانية بـ«اتخاذ قرارات صعبة لمواجهة الفساد». وأضاف ميليباند أن عمل المجتمع الدولي في افغانستان ينصب في تقوية البلاد، وبناء قدرات قواتها وحكومة، موضحاً: «لسنا هناك لخلق مستعمرة». وأكدت رايس أمس التزام بلادها بجلب الاستقرار لافغانستان، قائلة: «لن نقبل بدولة فاشلة اخرى ينمو فيها الارهاب»، مذكرة بأن هجمات 11 سبتمبر (ايلول) 2001 على الولايات المتحدة جاءت نتيجة لـ«دولة فاشلة في افغانستان». ولفتت رايس الى ان اهتمام بلادها في افغانستان ليس فقط من اجل الشعب الافغاني، «بل لأن افغانستان في غاية الاهمية، لأمننا وعلى جميع دول التحالف، ان تتشارك في تحمل اعباء التحالف». وأضافت: «تنظيم القاعدة لم يهزم وما زال خطراً، وعلى الرغم من اننا تخصلنا من الكثير من القيادات، التي قامت بعملية 11 سبتمبر، التنظيم يجدد نفسه». وشددت رايس على اهمية التعاون مع باكستان في مواجهة تنظيم «القاعدة»، قائلة «من الضروري حرمان القاعدة من المجال الارضي للعمل، ولهذا السبب علينا العمل مع باكستان لدخول الجيش الباكتساني الى مناطق لم تحكم بشكل رسمي حتى الآن». وربطت رايس بين مواجهة «القاعدة» بالانتخابات الباكستانية المقبلة، قائلة: «نحن قلقون حول الوضع في باكستان، ونشدد على ضرورة اجراء انتخابات عادلة وحرة هناك». وشدد ميليباند على هذه النقطة، قائلاً: «العلاقة مع باكستان في غاية الأهمية، واجراء انتخابات عادلة وحرة هي افضل ضمانة لاستقرار البلاد». وبعد الحديث عن التحديات التي تواجه قوات التحالف في افغانستان، وعددها 43 الفاً، قالت رايس: «لكن ينبغي عدم التقليل من اهمية التحول الحاصل في الحلف الاطلسي نفسه، الذي يتعلم كيفية شن هذا النوع من المعارك». واضافت وزيرة الخارجية الاميركية، ان الحلف الاطلسي اضطر في افغانستان، الى التكيف مع طريقة قتال «ليس معتادا عليها». وأوضحت ان امام الجنود «ليست مهمة لحفظ السلام، بل قتال ضد متمردين، وهذا امر مختلف». يذكر ان مهمة قوات «الناتو» في افغانستان، التي بدأت عام 2003، هي اول مهمة للحلف الاطلسي خارج اوروبا والقارة الأميركية. والتقت رايس برئيس الوزراء البريطاني غوردون براون بعد المؤتمر الصحافي، قبل العودة مساء أمس الى الولايات المتحدة. وشددت رايس على العلاقة الوثيقة بين بلادها وبريطانيا، قائلة ان البلدين «منشغلان بإدارة دولية للعالم ولنشر قيم الديمقراطية والازدهار». وتأتي زيارة رايس الى لندن قبل يومين من اجتماع وزراء دفاع دول «الناتو» اجتماعاً في ليتوانيا. ومن المتوقع ان تهيمن قضية افغانستان على سلسلة من لقاءات «الناتو» خلال الأشهر المقبلة. وتحاول واشنطن ولندن وعواصم اوروبية اخرى حسم الخلافات القائمة قبل اجتماع وزراء خارجية دول «الناتو» في مارس (اذار) في بروكسل، تمهيداً لقمة الناتو المقبلة في ابريل (نيسان) المقبل في بوخارست، حيث ستعقد ايضاً قمة موسعة حول افغانستان. وقالت رايس إن القمة ستخطط لاستراتيجية بعيدة الأمد ولسنوات عدة في افغانستان، مما يبرهن الالتزام الطويل الامد للتحالف في الدولة الآسيوية ذات الأهمية الاستراتيجية. وزادت الخلافات بين حلفاء «الناتو» خلال الاسابيع الماضية، حول عدد الجنود الذي ترسلهم كل دولة للمشاركة في قوات الحلف المعروفة بـ«ايساف». وكانت كندا قد هددت بعدم تجديد مهمة جنودها في البلاد، اذا لم تزد دول مثل المانيا عدد جنودها، وخاصة في جنوب البلاد، الذي يعاني من حالات عنف متصاعدة. وتحث الولايات المتحدة وبريطانيا اعضاء الحلف الباقين، على ارسال المزيد من القوات المقاتلة الى الجنوب الافغاني، حيث تنشط حركة طالبان وعناصر من تنظيم «القاعدة». وقد رفضت المانية حتى الآن، نقل بعض قواتها من شمال افغانستان الأمينة نسبياً الى الجنوب المضطرب. وأعلن وزير الدفاع الالماني فرانتز يوزف يونغ أمس في برلين، ان المانيا سترسل جنودا لقوة التدخل السريع في شمال افغانستان لتحل محل القوات النروجية المكلفة تلك المهمة. ولكنه اوضح في مؤتمر صحافي ان القوات الالمانية ستواصل «في شمال افغانستان انجاز المهمة التي كلفها بها حلف شمال الاطلسي». ورفض بذلك ضمنا الخضوع لضغوط الولايات المتحدة وحلف شمال الاطلسي بإرسال قوات الى جنوب افغانستان.

وأعلن يونغ ان المانيا سترسل نحو «200 عنصر» ليحلوا الصيف المقبل محل قوة التدخل السريع النرويجية التي تعد 235 عنصرا منتشرين في مزار شريف (شمال) والتي اعلنت اوسلو انها ستسحبها. واعلنت برلين انها «مستعدة لإنجاز تلك المهمة» وانها تتفهم «ضرورة عدم ترك فراغ» في شمال افغانستان. وكرر الوزير الالماني، ان بلاده لا تزال مستعدة لإرسال تعزيزات الى الجنوب، اذا اقتضت الضرورة ولفترات محدودة، كما ينص عليه بوضوح، التفويض الذي صادق عليه البرلمان الالماني، والذي لا مجال في تعديله. واضاف يونغ «اذا واجه اصدقاؤنا صعوبات سنساعدهم»، مشيرا الى ان العكس يجب ان يكون صحيحا، وانه يقتضي التصرف بـ«ليونة». وشدد على الجهد الذي بذلته المانيا التي كثفت عمليات الاستطلاع الجوي بطائرات تورنيدو، ورحلات طائرات النقل ترانزال في الجنوب. وأعلن يونغ ان النزاع في افغانستان «لن يحسم فقط بالوسائل العسكرية»، معربا عن الأمل في اعادة مناقشة استراتيجية الحلف الاطلسي في افغانستان، والذي سيعقد اليوم وغداً لوزراء الدفاع. وقال: «يبدو لي احيانا اننا نركز على القوة العسكرية، على حساب التنمية واعادة الاعمار. اذا اهملنا تلك الجوانب، فإننا نرتكب خطأ فادحا».