مشرف أمام امتحان.. وقد يجد نفسه وسط نزاع مع رئيس حكومته

قراءة في الأحزاب السياسية الباكستانية قبيل الانتخابات البرلمانية والسيناريوهات المحتملة

TT

ستكون الانتخابات البرلمانية في 29 مارس (آذار) المقبل حاسمة للفترة الرئاسية، التي تمتد خمس سنوات بالنسبة للرئيس برويز مشرف. وستحدد نتائج الانتخابات شكل سنوات فترة مشرف الرئاسية، واذا ما ستكون هادئة أم أن الرئيس سيواجه برلمانا سياسيا معارضا.

وعلى الرغم من أن نتائج الانتخابات سيكون لها تأثير كبير على المشهد السياسي الداخلي، فإن أي نوع من النتائج لن يغير كثيرا في السياسة الخارجية للبلاد، التي ستستمر مستندة إلى التعاون مع الغرب.

وهناك ثلاثة أحزاب أساسية تتنافس في الانتخابات بما فيها حزب الشعب الباكستاني، الذي كانت ترأسه بي نظير بوتو رئيسة الوزراء التي اغتيلت، والرابطة الإسلامية، الذي يرأسه رئيس الوزراء السابق نواز شريف، والرابطة الإسلامية القريبة من مشرف. ويتوقع معظم المحللين السياسيين أن تظهر هذه الأحزاب الثلاثة بقوة في البرلمان، من حيث عدد المقاعد التي ستفوز بها. وكقوة رابعة أساسية هناك «مجلس العمل المتحد» وهو ائتلاف يضم ستة أحزاب دينية، لكنه تفرق قبل الانتخابات بسبب الخلافات بين قادة هذه الأحزاب. ويرسم بعض المحللين السياسيين سيناريوهين محتملين قد يتشكلان بعد الانتخابات. الاول إما أن يتمكن مشرف وحلفاؤه من الفوز بعدد كاف من المقاعد، مما يسهل عليه عمله خلال ولايته الرئاسية، أو يبرز حزب الشعب الباكستاني والرابطة الإسلامية، التي يرأسها نواز شريف كأكبر حزبين في البرلمان. وفي هذه الحالة سيكون الرئيس مشرف في وضع صعب.

وقال سهيل ناصر أحد المحللين السياسيين البارزين لـ«الشرق الاوسط»: «هناك امكانية بروز نزاع ما بين الرئيس ورئيس الوزراء بعد الانتخابات».

مع ذلك فإن الانتخابات الحالية ستكون فريدة في تاريخ باكستان، حيث تطرح عدة أحزاب وجماعات سياسية شرعية كل العملية الانتخابية الجارية. وبالموازاة مع الاحزاب السياسية هناك أوساط المحامين وأحزاب صغيرة تحت مظلة «حركة كل الأحزاب الديمقراطية»، التي شنت حملة علنية لإثارة التساؤل حول شرعية الانتخابات تحت سلطة مشرف. وهذه الاحزاب قاطعت الانتخابات الحالية وهي تحاول إقناع أحزاب أخرى كي تنسحب من الانتخابات.

وهناك تطور آخر له تأثير على المشهد السياسي الباكستاني هو ظهور الأحزاب الدينية المتطرفة في شمال وزيرستان. ومشاهد التطورات الجارية في الإقليم الشمالي الغربي الحدودي والحزام القبلي على امتداد الحدود مع أفغانستان، كافية لادراك حجم تأثير هذه الأحزاب. فالمجاميع الناشطة الإسلاموية ذات التوجه المتطرف في تلك المناطق أصبحت أكثر عدوانية ضد قوات الأمن الباكستانية المنتشرة في تلك المنطقة. وهناك أمران مهمان في هذا الصدد. الأول هو أن تصاعد عمليات قوات الأمن ضد متطرفي القبائل ستضمن أن الجيش سيواصل لعب دور حاسم في عملية صنع القرار، حتى بعد تقاعد مشرف من منصب رئيس أركان الجيش. والثاني ان انتشار القتال من الحزام القبائلي الى المناطق الباكستانية المستقرة (كما رأينا في شكل التفجيرات الانتحارية التي جرت في مدن باكستانية رئيسية) يمكن أن تؤدي الى حرف العملية السياسية الباكستانية عن مسارها.

آفاق نواز شريف وحزبه في الانتخابات

* كان نواز شريف يشبه عملاقا سياسيا عندما رحلته حكومة مشرف الى المملكة العربية السعودية في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي. وكان هناك تصاعد في شعبيته، خصوصا في البنجاب أكبر اقليم في باكستان، ويعود السبب الرئيسي الى أن المشاعر المناهضة لمشرف كانت قوية جدا في في المناطق المدينية الباكستانية. غير انه بعد عودته من المنفى لم يكن نواز شريف قادرا على خلق الهزة المتوقعة في الوضع السياسي الباكستاني، ربما بسبب عاملين، أولهما أن السهولة التي سمحت بها حكومة مشرف له بالعودة من المنفى خلقت شكوكا في عقول الناس الباكستانيين من أن عودة شريف كانت نتيجة اتفاق مع الرئيس مشرف. والعامل الثاني هو أنه خاض في البداية حملة لمقاطعة الانتخابات في ظل مشرف. ولكنه اعلن في وقت لاحق أن حزبه سيخوض المنافسة في الانتخابات. وهناك فكرة عامة من أن شريف قرر المشاركة في الانتخابات تحت ضغط اجنبي.

وما يزال نواز شريف يتمتع بشعبية في المناطق المدينية في البنجاب والمناطق الحدودية الشمالية الغربية. وقال اعجاز شافي جيلاني رئيس مركز استطلاعات غالوب بباكستان لـ«الشرق الاوسط» ان «نواز شريف يتمتع بشعبية كبيرة في المناطق المدينية في باكستان، ومن هناك سيضمن فوزه».

ومن المتوقع أن تحدث المنافسة الرئيسية في الانتخابات البرلمانية الوشيكة في البنجاب بين الرابطة الاسلامية (جماعة نواز شريف) والرابطة الاسلامية المؤيدة لمشرف. والرابطة الاسلامية المؤيدة لمشرف هي في الأساس جزء من حزب نواز شريف وقد شكلها أولئك الزملاء السابقون لنواز شريف الذين قرروا الوقوف الى جانب مشرف بعد الانقلاب العسكري في أكتوبر (تشرين الاول) عام 1999. ولكن لدى حزب نواز شريف اكثر من مزية لا تتمتع بها الرابطة الاسلامية المؤيدة لمشرف. فنواز شريف يتمتع، أولا بشعبية واسعة هناك، بينما ليست لدى رابطة مشرف شخصية موازية في شعبيتها لشخصية نواز شريف. والمزية الثانية هي ان المجتمع الباكستاني يعاني من شحة في الطحين وانقطاع في الكهرباء منذ الأشهر الثلاثة الأخيرة ويحمل الناس الرابطة الاسلامية المؤيدة لمشرف المسؤولية.

حزب الشعب الباكستاني بدون بي نظير بوتو

* ما يزال حزب الشعب الباكستاني يحاول استعادة وضعه والنهوض من الخسارة، جراء اغتيال بي نظير بوتو. فقد كانت بي نظير بوتو زعيمة فريدة في التاريخ الباكستاني، وربما كانت الوحيدة التي كانت فوق الحدود الاثنية. وحاول زعماء حزبها الشفاء من الخسارة عبر تعيين ابنها وزوجها رئيسا ورئيسا مشاركا للحزب على التوالي. ويهدف هذا الى ابقاء الحزب سليما. ولكن كلا من زوجها آصف علي زرداري وابنها بيلاوال غير قادرين ببساطة على اجتذاب اهتمام الجمهور بالمستوى الذي كانت تفعله بي نظير بوتو. وفي الانتخابات البرلمانية الوشيكة سيركب حزب الشعب موجة التعاطف، ذلك ان الناس في باكستان سيصوتون لصالح حزب الشعب الباكستاني انطلاقا من التعاطف. النتائج ستكون مختلفة في كل محافظة من محافظات باكستان الأربع. فمن المتوقع ان يحصل حزب الشعب الباكستاني على كل المقاعد في المناطق الريفية في محافظة السند، التي تتحدر منها بي نظير. أما في البنجاب، فمن المتوقع أن تكون المنافسة شرسة بين حزب الشعب الباكستاني وحزب الرابطة الإسلامية والرابطة الإسلامية. وعلى الرغم من احتمال حصول حزب الشعب الباكستاني على أصوات دافعها التعاطف في الانتخابات البرلمانية المقبلة، فإنه لا مجال لأن يستطيع الحزب تقديم زعيم شعبي في مكانة بي نظير. فالطبقات الفقيرة في باكستان ظلت مرتبطة بقوة بشخصية الراحلة بي نظير بوتو وحزبها. إلا ان نجلها لا يزال في سن مبكرة (19 عاما)، كما ان زوجها لا يتمتع بسمعة جيدة، إذ ادين في عدة قضايا تتعلق بالفساد ويتهمه عدد من قادة حزب الشعب بالمسؤولية عن عزل حكومة بي نظير السابقة عام 1996. ورغم ذلك، سيواصل حزب الشعب الباكستاني نشاطه كأكبر حزب سياسي في البلاد إذا نجح في حل أزمة القيادة، ولكن لا توجد مؤشرات بعد على احتمال نجاحه في تقديم قيادة مقبولة للجماهير الباكستانية. الأحزاب الدينية أو مجلس العمل المتحد

* وهو عبارة عن تحالف بين ستة أحزاب دينية حصلت في انتخابات عام 2002 على 58 مقعدا في البرلمان، لكنها تعرضت لانتكاسة عندما نشب خلاف علني بين قادة التحالف حول مسألة المشاركة في الانتخابات، إذ ان زعيم «الجماعة الإسلامية»، غازي حسين احمد، أيد مقاطعة الانتخابات البرلمانية وإطلاق حركة احتجاج ضد حكومة الرئيس مشرف. بينما اعلن زعيم «جماعة علماء الإسلام»، مولانا فضل الرحمن، ان مجموعته ستخوض الانتخابات، الأمر الذي أدى إلى تفكك تحالف الأحزاب الدينية. وهاتان المجموعتان هما الوحيدتان اللتان تتمتعان بوزن نسبي في التنافس الانتخابي، أما بقية الأحزاب الأربعة فليس لها دور مؤثر في التنافس الانتخابي. والوضع الآن يمكن تلخيصه في ان «جمعية علماء الإسلام» تخوض الانتخابات تحت مظلة التحالف، إذا نجح مولانا فضل الرحمن في إقناع الأطراف الأخرى في التحالف بخوض معركة الانتخابات، فيما تحظى «جمعية علماء الإسلام» بحضور في المناطق الريفية في محافظة الحدود الشمالية الغربية وبعض أجزاء بلوشستان. كما ان «الجماعة الإسلامية» لها وجود أيضا في بعض مدن المحافظة، ولديها أيضا قاعدة تنظيمية قوية في مدن البنجاب. وكان التحالف قد حصل في آخر انتخابات برلمانية عام 2002 على غالبية المقاعد المخصصة لمحافظة الحدود الشمالية الغربية. وبسبب الانقسام الذي حدث في صفوفه، لم يعد من المرجح ان يحصل تحالف الأحزاب الدينية على حجم المقاعد التي حصل عليها في الانتخابات السابقة. ثمة أسباب أخرى وراء التراجع المتوقع في أداء تحالف الأحزاب الدينية في الانتخابات المرتقبة. أولا، عند نهاية انتخابات عام 2002 كانت المشاعر المعادية للولايات المتحدة قوية في محافظة الحدود الشمالية الغربية. فالمحافظة مجاورة لأفغانستان وسكانها كانوا يشعرون بالغضب إزاء الهجمات التي أسفرت عن مقتل سكان أبرياء. ثانيا، ثمة اعتقاد بأن مولانا فضل الرحمن متفاهم مع الرئيس برويز مشرف. فقد التزم الصمت عدة مرات إزاء مداهمات قوات الأمن الباكستانية للمدارس الدينية في منطقة القبائل الباكستانية. ثالثا، قادت «جمعية علماء الإسلام» حكومة محافظة الحدود الشمالية الغربية لمدة خمس سنوات ولا يشعر سكان المحافظة بصورة عامة بالرضا تجاه أداء حكومة الجمعية.