السماح بالحجاب في الجامعات يقسم تركيا.. والعلمانيون يلجأون إلى المحكمة الدستورية

القرار يؤثر على مليون طالبة و«دعم صامت» للتعديل من نواب علمانيين في البرلمان

تركيات في احد شوارع اسطنبول أمس (أ.ف.ب)
TT

في اول تعديل دستوري كبير منذ بدء ولاية الحكومة التركية بزعامة رجب طيب أردوغان، أقر البرلمان التركي مشروع قانون يسمح للفتيات بارتداء الحجاب في الجامعات. الا ان رد فعل العلمانيين الأتراك كان فوريا، اذ قالت نائبة بحزب الشعب الجمهوري العلماني لـ«الشرق الأوسط» إن الحزب رفع شكوى للمحكمة الدستورية العليا لنقض قرار البرلمان، فيما حذر رئيس محكمة التمييز التركية حكومة اردوغان من تعديل الدستور. وعلى الرغم من أنه كان من شبه المؤكد ان يوافق البرلمان على مشروع القانون الجديد، الا ان المناقشات كانت ساخنة وأخذت وقتا طويلا. وجرت سلسلة عمليات تصويت على التعديلات المقترحة، والبند الاساسي فيها ينص على انه «لا يجوز ان يحرم احد من حقه في التعليم العالي»، في تلميح الى المحجبات الممنوعات بحكم القانون من الدراسة بالجامعة. وفي التصويت الاخير الذي اكتمل نحو الساعة الرابعة صباح الخميس، وافق على التعديل 404 أعضاء مقابل 92، وهو ما زاد بسهولة عن اغلبية الثلثين في البرلمان وهي 367 صوتا. وكانت المفاجأة أن مشروع التعديل الدستوري، الذي يدعمه حزب العدالة والتنمية ذو الجذور الاسلامية والحزب القومي، حصل ايضا على «دعم صامت» من بعض نواب حزب الشعب الجمهوري، أكبر الأحزاب العلمانية في البرلمان، الذي اسسه مصطفى كمال أتاتورك، اذ ان بعض نواب حزب اتاتورك لم يصوتوا ضد قانون السماح بالحجاب في الجامعات. واعتبر نواب حزب العدالة والتنمية تصويت البرلمان لصالح التعديل الدستوري خطوة كبيرة للأمام، كما أيد الخطوة سياسيون من أحزاب اسلامية وقومية. وأعربت اويا اوجانشي من حزب السعادة الاسلامي لـ«الشرق الأوسط» عن اعتقادها بأن هذه الخطوة تأخرت، موضحة «الصراع حول الحجاب في تركيا يعود الى 28 عاما مضت. انا سعيدة ان حزب العدالة والتنمية يحاول ان يحل هذه المشكلة. أعتقد ان الوقت حان في تركيا لانهاء هذا التقليد السخيف، وهو منع الحجاب في الجامعات وكل هذا الكلام حول تغطية الشعر او عدم تغطيته. ففي الجامعات ينبغي السماح للطلاب بلبس أي ملابس يرغبون فيها. بعد هذا القرار أعتقد انه ينبغي ان تكون هناك قوانين اخرى في المسار ذاته للسماح للمحجبات بالعمل في المؤسسات الحكومية. فالقرار محدد فقط بسنوات الدراسة في الجامعة. السؤال هو ماذا ستفعل المحجبات بعد انتهاء الدراسة الجامعية؟ هذه اشكالية يجب حلها. فلماذا لا يمكن حلها؟ اذا سمح للطالبات بارتداء الحجاب، فلماذا لا يسمح للموظفات لدى الحكومة؟ لكن المشكلة ان المعارضين سيقولون: لقد رأيتم، انهم (الاسلاميين) بدأوا بخطوة واحدة، لكنهم يعتزمون ان يستكملوها بخطوات أخرى. لكنني لا أرى الامر بهذه الطريقة، ارى ان الخطوة التالية، إذا تمت، ستكون استكمالا طبيعيا للأمور. فإذا تخرجت الفتاة المحجبة من الجامعة وأرادت ان تعمل، فهذا ينبغي ان يكون متاحا لها. وبالتالي لا أرى في الامر خدعة او حيلة من قبل حزب العدالة والتنمية، وبالتالي آمل ان تكون هناك قوانين اخرى تستكمل هذه الخطوة، فإذا تم قصر هذه الخطوة على الجامعات سيكون الامر في رأيي سخيفا جدا». وقللت اوجانشي من تأثير هذه الخطوة على مبادئ العلمانية التركية. وتابعت «80% من النساء التركيات يرتدين غطاء رأس بطريقة ما. فقط النساء في المدن الكبيرة مثل أنقرة واسطنبول وازمير غير محجبات بنسب كبيرة. بالنسبة للجامعات، ينضم كل عام نحو مليوني طالب للجامعة، 50% منهم من الفتيات، أي مليون فتاة. من بين المليون فتاة هناك فقط 1.5% يرتدين غطاء رأس. ما الفارق الذي سيفعله 1.5%؟». وحول تأثير القرار على عدد المحجبات في الجامعات قالت اوجانشي: «في الايام الاولى بعد القرار ستكون هناك زيادة مفاجئة في عدد المحجبات، لكن بعد عدة أشهر ستعود معدلات الحجاب الى معدلها الطبيعي. بمعنى ان نسبة الفتيات المحجبات في الجامعة الان تبلغ 1.5%، بعد السماح بالحجاب في الجامعات ربما ستصل الى 5%، وربما تصل الى 10% لكن ليس أكثر من هذا». ويعد هذا التعديل اول الخطوات التي وعد بها اردوغان لتعزيز الحريات الشخصية في تركيا. لكن كانت هناك شكوك في النوايا الحقيقية لحكومة أردوغان من قبل العلمانيين، إذا اعلن حزب الشعب الجمهوري ان «مشروع القانون يتحدى الجمهورية العلمانية». وقال نائب رئيس الكتلة البرلمانية لحزب الشعب الجمهوري كمال اناضول امام النواب «ان الهدف هو النيل من العلمانية». كما اتهمت النائبة نور سرتر التي تنتمي الى حزب الشعب الجمهوري حزب العدالة «باستغلال» المشاعر الدينية لمطامح سياسية انتخابية، لاسيما اثناء الانتخابات البلدية المرتقبة عام 2009 بهدف جعل تركيا «دولة اسلامية». وقالت ان «الحجاب يقسم البلاد.. ويجعل النساء مواطنات من الدرجة الثانية». من ناحيتها قالت ميرفي بيتيك النائبة في حزب الشعب الجمهوري العلماني لـ«الشرق الأوسط»، إن الحزب لجأ الى المحكمة الدستورية العليا لنقض قرار البرلمان التركي السماح بالحجاب. وتابعت «لم افاجئ بقرار البرلمان، فحزب العدالة والتنمية يتمتع بأغلبية مقاعد البرلمان، وكانوا قادرين على تمرير هذا القانون. المشكلة بالنسبة لحزب الشعب الجمهوري اننا لا نصدق ادعاءات حزب العدالة والتنمية ان هذا القانون يتعلق بالحرية الدينية، فهو في رأيي تخريب للبنية العلمانية للدولة التركية. عموما الوضع ليس واضحا الان. يجب ان ننتظر قرارات الجامعات، والأهم قرار المحكمة الدستورية التركية التي رفعنا لها استئنافا». وعن احتمالات تدخل الجيش اوضحت بيتيك: «لدينا مؤسساتنا الديمقراطية للتعامل مع هذا الوضع. الجيش له دور في حماية الدستور التركي، لكن لدينا ايضا مؤسسات ديمقراطية، مثل الأحزاب السياسية والمحكمة الدستورية. وليس من المنطقي الحديث عن اي احتمالات قبل قرار المحكمة الدستورية العليا.. القانون واضح جدا في تركيا، نحن دولة ديمقراطية علمانية، وهذا احد بنود الدستور التركي الذي لا يمكن تغييره. وبالتالي حزب الشعب الجمهوري سينتظر قرار المحكمة الدستورية العليا». ويعتبر مناصرو العلمانية ان السماح بارتداء الحجاب في الجامعات قد يؤدي الى اشتداد ضغوط الدينيين على النساء، كما يخشون ايضا من ان يدفع «ضغط الشارع» الطالبات غير المحجبات الى تغطية رؤوسهن. الا ان اوجانشي رفضت هذه الحجة، موضحة لـ«الشرق الأوسط»: القول ان السماح بالحجاب سيضع ضغوطا على الفتيات اللواتي لا يضعن الحجاب غير صحيح، بل على العكس المحجبات هن اللواتي وقعن تحت ضغط من لا يحبذون الحجاب. فهناك اساتذة جامعيين في جامعة اسطنبول تمادوا وهددوا بأنهم لن يعلموا المحجبات، رد الفعل المتطرف هذا يجعل باقي المجتمع غاضبا جدا.. فقبل 28 عاما، اي قبل ان يتم منع الحجاب نهائيا في كل المؤسسات الرسمية والجامعات بعد الانقلاب العسكري عام 1980، كان الحجاب عاديا في تركيا، ولم يكن احد يرى في هذا تهديدا للنظام العلماني في البلاد. فما الذي تغير؟ نحن اليوم افضل، مؤسساتنا الديمقراطية أقوى، والأتراك عموما أكثر وعيا بالديمقراطية. فلماذا ينبغي الشعور بالخوف؟ وحول ما إذا كان حزب العدالة والتنمية سيحاول ان يمرر قوانين اخرى مماثلة تسمح للنساء بلبس الحجاب في المؤسسات الحكومية، قالت اوجانشي «أعتقد أنهم سيفعلون. لكن السؤال هو هل سيضر هذا بأسس العلمانية التركية؟ في اعتقادي الشخصي لا. فتغطية رأس بعض الفتيات لا يمكن ان يكون له تأثير حقيقي على المؤسسة العلمانية في تركيا التي بلغت من العمر الآن 90 عاما منذ تأسيس الجمهورية التركية.. المجتمع التركي يتغير، فالبرلمان صوت على مشروع التعديل بـ404 اعضاء مقابل 92 هذا الرقم يشير الى ان نوابا في الحزب الجمهوري العلماني صوتوا لمشروع القرار، او على الاقل التزاموا الحياد، فحزب الشعب الجمهوري له في البرلمان الحالي 120 نائبا، في حين أن من صوتوا برفض مشروع السماح بالحجاب 92 نائبا فقط، اذا هذه علامة جيدة». وفي اول رد فعل من إحدى المؤسسات الرسمية في تركيا على القرار، دعا الرئيس الجديد لمحكمة التمييز، البرلمان الى عدم زعزعة النظام العلماني. وقال حسن جرتشكر، الذي انتخب اخيرا رئيسا للمحكمة، للصحافيين خلال حفل تنصيبه «بالتأكيد من واجب البرلمان اجراء تعديلات قانونية ودستورية، لكن يجب عدم استخدام هذه الصلاحيات لاضعاف العلمانية». وتابع ان «المشكلة ليست ببساطة مشكلة حجاب. يجب الا نسمح باعادتنا الى العهود الغابرة.. فنحن في زمن يشهد تقدما كبيرا في المجالين العلمي والتكنولوجي».

وفيما لم يصدر رد فعل فوري من الجيش، الا ان الجيش حذر الاسبوع الماضي من تغيير طبيعة الدولة في تركيا، موضحا انه سيقوم بدوره للحفاظ على مبادئ الجمهورية التركية. ما هي الخطوة التالية؟

* سيطرح مشروع القانون الخاص بالحجاب للتصويت في البرلمان غدا، ومن المؤكد ان يقر البرلمان القانون للمرة الثانية نظرا لان حزبي العدالة والتنمية والحزب القومي المؤيد له يسيطران على أكثر من أغلبية الثلثين في البرلمان.

* بعد اقرار البرلمان لمشروع الحجاب، سيرفع القانون الى رئيس الدولة عبد الله غل للتصديق النهائي عليه، ومن المؤكد ان يدعم غل القرار.

* المحكمة الدستورية العليا ستبدأ نظر الطعون في مشروع الحجاب بعد اقرار غل له. ومن المتوقع ان تأخذ هذه الخطوة اسبوعين.