«المندوبون الكبار».. أسلوب غير ديمقراطي يعتمده الحزب الديمقراطي

انتقادات واسعة للصلاحيات المعطاة لأعضاء غير منتخبين بإمكانهم مناقضة توجهات الناخبين

TT

يتزايد الحديث عن الدور الذي يمكن ان يلعبه «المندوبون الكبار» في التنافس المحموم بين المرشحين الديمقراطيين هيلاري كيلنتون وباراك اوباما، حيث تبين النتائج حتى الآن ان الحسم بينهما قد يستمر حتى مؤتمر الحزب الذي سيعقد في دنفر (ولاية كولورادو) في اغسطس (آب) المقبل. وينتقد كثيرون اعتماد الحزب الديمقراطي على هذا الأسلوب غير الديمقراطي والذي يتيح الفرصة لأشخاص غير منتخبين لتعديل النتائج التي أفرزتها الانتخابات التمهيدية او المجالس الانتخابية (كوكس)، وهو أسلوب لا يعتمده الحزب الجمهوري. ولجأ الحزب الديمقراطي الى صيغة «المندوبين الكبار» في بداية الثمانينات بعد ان عرفت حقبة السبعينات تراجعاً في دور قادة الحزب ومسؤوليه الأساسيين في اختيار المرشح الديمقراطي للسباق الرئاسي، بحيث أصبح المندوبون المنتخبون عبر الانتخابات التمهيدية والتجمعات الانتخابية هم المهيمنين على العملية. وبدأ العمل بهذا النظام في عام 1980. ولعب «المندوبون الكبار» دوراً حاسماً في مؤتمر الحزب الديمقراطي الذي انعقد في عام 1984. وفي انتخابات 2004 حصل المرشح هوارد دين على تأييد أغلبية المندوبين الكبار حتى قبل ان تبدأ الانتخابات التمهيدية، لكن الغلبة في نهاية الأمر كانت لصالح السيناتور جون كيري الذي ترشح ضد جورج بوش وخسر الانتخابات. ويسمح للمندوبين الكبار حتى بالتصويت للمرشحين المنسحبين.

وتضم شريحة «المندوبون الكبار» جميع أعضاء الكونغرس الديمقراطيين من النواب والشيوخ، وجميع قادة مجلس الشيوخ السابقين؛ أي رؤساء اللجان ورؤساء المجموعة الديمقراطية في الكونغرس، وجميع رؤساء مجلس النواب السابقين، اضافة الى حكام الولايات الديمقراطيين وكل من شغل منصب رفيعاً في الادارات الديمقراطية واللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي وبطبيعة الحال الرؤساء الديمقراطيين ونواب الرؤساء السابقين الذين على قيد الحياة، وزعماء الحزب في الولايات. ويفقد أعضاء الحزب الذين يؤيدون مرشحاً غير ديمقراطي صفتهم كمندوبين كبار، مثل حالة السيناتور جو ليبرمان بعد ان أعلن تأييده للمرشح الجمهوري جون ماكين.

والتسمية الحزبية «للمندوبين الكبار» هي «المندوبون غير الملتزمين» في مقابل «المندوبين الملتزمين» أي المنتخبين عبر الانتخابات التمهيدية والمجالس الانتخابية. وأطلق الحزب على «المندوبين الكبار» صفة «المندوبين غير الملتزمين» لأنه يحق لهم ان لا يعبروا عن مواقفهم بشأن تأييد هذا المرشح أو ذاك حتى انعقاد مؤتمر الحزب، لكن ذلك لا يمنع ان يؤيد أحدهم هذا المرشح او ذاك. وهذا ما يحدث خلال الانتخابات الحالية، حيث أعلن اثنان من أبرز أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي وهما بطبيعة الحال من الناخبين الكبار تأييدهما للمرشح باراك اوباما. حيث عبر كل من جون كيري وادوارد كنيدي عن وقوفهما مع اوباما وحضرا معه تجمعات انتخابية. وتقدر صحيفة «نيويرك تايمز» عدد «المندوبين الكبار» في حوالي 796 مندوباً، في حين تقدر شبكة «إن بي سي» عددهم بحوالي 842 مندوباً، بيد ان الرقم النهائي لن يعرف حتى اول مارس (آذار) المقبل لأن العدد متغير؛ ذلك ان الانتخابات التمهيدية تفرز ايضاً قيادات جديدة للحزب على مستوى الولايات.

ويحتاج أي مرشح ديمقراطي لضمان ترشيحه على 2025 صوتاً من أصوات المندوبين في مؤتمر الحزب، سواء كانوا من الذين جاءوا عبر الانتخابات او من «المندوبين الكبار». ويبلغ عدد المندوبين المنتخبين 3253، ويتوقع ان يصل العدد الإجمالي للمندوبين طبقاً لصحيفة «نيويورك تايمز» الى 4049 مندوباً. وبالتالي فإن «المندوبين الكبار» يشكلون نسبة خمس الكتلة الناخبة في مؤتمر الحزب، وهذه الارقام تعتمد على اساس عدم احتساب مندوبين ولايتي ميشيغان وفلوريدا بسبب مخالفتهما القواعد المتبعة في اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي. لكن إذا تغيرت هذه القواعد قبل مؤتمر الحزب في الصيف، فإن ارقام المندوبين سواء كانوا «منتخبين» او «كبارا» ستتغير.

وتفيد المعطيات الحالية بأن هناك فرقاً ملحوظاً بين هيلاري واوباما في عدد «المندوبين الكبار»، حيث تتفوق كيلنتون بسبب خبرتها السياسية التي اكتسبتها من خلال عملها في الكونغرس، في حين يعتبر أوباما وجهاً جديداً على الساحة السياسية في واشنطن، لذلك يتشكك أعضاء الكونغرس حول قدراته او صلاحيته للمضي قدماً. ويوجه كثيرون حتى من داخل الحزب الديمقراطي انتقادات لنظام «المندوبين الكبار» على اعتبار انه نظام غير ديمقراطي، لأن هؤلاء المندوبين لا يكترثون لرغبات الناخبين الذين يعبرون عنها من خلال الانتخابات التمهيدية. وفي هذا السياق يقول توم كيري محرر الشؤون الداخلية في موقع «إم إس إن بي سي»: «يقولون إنه حزب ديمقراطي، لكن إحدى سمات اختيار مرشح الحزب للانتخابات الرئاسية تتناقض مع الأسس الديمقراطية». ويقدم كيري في تصريحات لـ«الشرق الاوسط» دليلا على عدم ديمقراطية نظام «المندوبين الكبار»، يقول: «قبل ان تبدأ الانتخابات التمهيدية اعلنت السيناتور باربارا مايكلسكي من ولاية ميرلاند مساندتها لهيلاري كيلنتون، وبعد ثلاثة اسابيع اعلن جون كورزين حاكم نيوجرسي تأييده لهيلاري، (الاثنان من المندوبين الكبار) وهذه ليست مساندة بل محاولة للتأثير على الناخبين... لذلك يبدو لي أمراً غير مفهوم ان يتبنى الحزب هذا الاسلوب غير الديمقراطي». ويضيف: «في مطلع السبعينات ادخلت إصلاحات على نظام الحزب من أجل فسح المجال لبعض الناشطين والنساء والأقليات العرقية، وبناء عليه فاز السيناتور جورج ماكفرن الذي كان أحد المناهضين لحرب فيتنام بترشيح الحزب، لكن ذلك كان بمثابة كارثة حيث فاز ماكفرن في ولاية واحدة وفي واشنطن فقط».

لكن على الرغم من هذه الانتقادات فإن هناك من يرى ان نظام المندوبين الكبار هو الضمانة في الانتخابات الحالية للحصول على مرشح ديمقراطي تكون له حظوظ وافرة للفوز في مواجهة المرشح الجمهوري.