زعيم «القاعدة» في العراق لمسلحيه: خففوا أساليبكم لاستعادة الدعم الشعبي في الأنبار

أحد أمراء التنظيم: خسرنا الكثير.. وعدد مقاتلينا لا يتجاوز 3 آلاف حاليا

عراقية تطل من وراء باب منزلها لتراقب سير جنازة في مدينة الصدر ببغداد امس (رويترز)
TT

كشفت قيادات «القاعدة» والمسؤولون في الاستخبارات الاميركية ان التنظيم أبلغ أنصاره بتخفيف تكتيكاتهم من اجل استعادة الدعم الشعبي في محافظة الأنبار، حيث اتخذت القبائل السنية موقفا من «القاعدة»، وبدأت في العمل مع القوات الاميركية.

وقد جرى تحديد المنطلق الجديد في الشهر الماضي في بيان داخلي أمر الأعضاء بتجنب قتل المدنيين السنة، الذين لم يتعاطفوا مع القبائل التي تحظى بتأييد القوات الاميركية أو الحكومة.

ومن الوثائق الداخلية والمقابلات مع أعضاء «القاعدة»، ظهرت صورة لتنظيم مضطرب، ولكنه على وعي متزايد بأن سياسته المتشددة مثل معاقبة النساء اللائي لا يغطين رؤوسهن، قد أدت إلى انكماش دعمه. وفي العام الماضي، طردت «القاعدة» من العديد من معاقلها، مما دفع قيادتها للتخلي عن عدد من تكتيكاتها لإعادة تركيز الهجمات على القوات الاميركية والسنة المتعاونين مع القوات الاميركية. وقال بيان مؤرخ في 13 يناير (كانون الثاني) وقعه قائد «القاعدة في العراق» أبو حمزة المهاجر ووزع في مساجد الأنبار «ركزوا جهودكم على قتال العدو الحقيقي فقط من اجل تجنب فتح جبهات جديدة ضد السنة العرب. لا تغلقوا باب التوبة في وجه السنة الذين انقلبوا ضدنا». وقال مسؤولو استخبارات اميركيون ان البيان متوافق مع أسلوب قيادة المهاجر، الذي تولى قيادة المجموعة بعد مقتل سلفه أبو مصعب الزرقاوي. وذكر محلل استخباراتي كبير، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، «كان الزرقاوي ينفذ عمليات قتل بلا تفرقة ـ ولم يكن يهم أين ولماذا أو كيف يجري القتل. أما المهاجر أو المصري فهو يهتم باختيار أهدافه ويحاول الابتعاد عن عمليات القتل الجماعية».

وذكر رياض العقيدي وهو أمير «القاعدة» في منطقة الكرمة في الأنبار «لا ننكر الصعاب التي تواجهنا الآن. لم يهزمنا الاميركيون، ولكن تغير الموقف السني ضدنا جعلنا نخسر الكثير ونعاني معاناة مؤلمة». وندب العقيدي وهو جالس على الأرض على بطانية في حديقة منزل من الخرسانة في الكرمه، تقلب حظوظ «القاعدة» في العراق في العام الماضي. وكان العقيدي البالغ من العمر 39 سنة، يتحرك بحراسة 20 حارسا شخصيا في قافلة من أربع سيارات. ولكن خلال اللقاء الذي عقد معه أخيرا كان وحده تقريبا، يرتدي طاقية بيضاء اللون ودشداشة رمادية، للاختفاء في شكل قروي فقير. وقال للمراسل الخاص لصحيفة «واشنطن بوست»: «لقد ارتكبنا العديد من الأخطاء في العام الماضي، من بينها تطبيق تفسيرات متشددة للشريعة».

وقال العقيدي ان العدد الإجمالي لأعضاء القاعدة في العراق قد انخفض. وكانت السلطات العسكرية الاميركية قد قالت ان عدد القادمين من سورية انخفض من 110 شهريا في أواخر فصل الصيف الماضي، إلى ما يتراوح بين 40 و 50 شخصا شهريا الآن. وذكر العقيدي ان العدد الإجمالي للمقاتلين الأجانب في العراق «يصل إلى العشرات ـ ليس أكثر من مائتي شخص». وقد مدت «القاعدة» يدها إلى شيوخ القبائل السنية في محاولة للحصول على تأييدهم حتى وهي تهاجم السنة الذين يعملون عن قرب مع الاميركيين، طبقا لعبد الله حسين اللهيبي وهو «أمير» التنظيم في قطاع العامرية في الأنبار جنوب الفلوجة. واضاف «ومقابل ذلك فلن نستهدفهم مرة أخرى وسنحترم سلطة شيوخ القبائل». وكان يتحدث في مقابلة مع مراسل خاص لـ«واشنطن بوست» في بستان نخيل بالقرب من نهر الفرات في العامرية.

وحمل بعض أعضاء «القاعدة في العراق» مسؤولية محنتهم الحالية إلى المهاجر. وقال العقيدي ان الزرقاوي سافر بصورة متكررة إلى مختلف أرجاء العراق وزار قادة كبارا وأكد على صرف تعويضات للجرحى. لكنه قال ان المهاجر نادرا ما يظهر ولا يهتم بالأعضاء.

التغيير التكتيكي لتنظيم «القاعدة» جاء استجابة للفوضى والشكوك التي ظهرت وسط أعضاء التنظيم من جراء فقدهم تأييد العشائر السنيّة، وهو ما وصف بوضوح في خطاب لواحد من أمراء «القاعدة» عثر عليه في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وجاء في ذلك الخطاب ان «فقدان القاعدة لتأييد زعماء العشائر أدى إلى حالة من الضعف والهزيمة النفسية، الأمر الذي تسبب في إثارة فزع وخوف وعدم رغبة في القتال وهبوط معنويات المقاتلين».

وأشار «الأمير» إلى شخص يدعى محمد، وهو مولود في دولة أوروبية غربية، عبر الحدود السورية قبل حوالي عام وهو يحلم بتنفيذ عملية انتحارية في العراق، لكنه عندما وصل إلى الأنبار لم يجد أي عملية انتحارية يمكن ان تسند له. وتابع الخطاب «شعر محمد بالإحباط وطلب من الأمير تحويله إلى محافظة أخرى، إلا ان طلبه رفض». وحسب الخطاب فان محمد استدعي في نهاية الأمر لتنفيذ عملية مداهمة «مرتد» وأصيب بطلق ناري في ذراعه، وتوصلت القوات الاميركية إلى القرية التي كان يختبئ فيها محمد وحاصرتها وقتل في نهاية الأمر بواسطة قناص. ويوضح «الأمير» ان الانتحاريين يبلغون من جانب المنسقين على الحدود بإمكانية اختيار مهمة انتحارية تؤدي إلى مقتل عدد يتراوح بين 20 و30 من القوات التي تقودها القوات الاميركية أو مؤيديها. وينتظر الانتحاري في الصحراء لفترة شهور ويطلب منه في نهاية الأمر تنفيذ عملية صغيرة مثل قتل شخص أو تفجير سيارة للشرطة، وأشار الخطاب ايضا إلى ان «الأجانب يشعرون في نهاية المطاف بالإحباط ويعودون إلى بلدانهم». الخطاب، الذي أشار إلى الوضع في الأنبار بأنه أزمة استثنائية عثر عليه في مخبأ بسامراء تابع لتنظيم «القاعدة» إلى جانب ستة أقراص كومبيوتر وما يزيد على 100 قرص سي دي ودي في دي، حسب تصريح مسؤولين اميركيين، إلا انه لم يتم بعد التأكد من صحة الوثائق من طرف مستقل. وجاء في خطاب أمير «القاعدة» ان صعوبة تكليف عناصر بمهام انتحارية جاءت بسبب الزيادة في عمليات القوات الاميركية وتشكيل مجالس الصحوة لمواجهة عناصر «القاعدة»، وأورد ايضا انهم «وجدوا أنفسهم عاجزين عن الحركة وتنظيم العمليات مع انهيار كامل في التشكيلة الأمنية للتنظيم». وبدأ بيان المهاجر الذي ظهر في بعض المساجد في الأنبار الشهر الماضي بالدعوة إلى «مهاجمة الأعداء بقوة، وقطع الاتصال بينهم من خلال نسف الأبراج والمحطات الهاتفية الأرضية وتدمير الجسور والطرق المهمة». إلا ان البيان يعكس تحولا في سياسات «القاعدة» القديمة في العراق، إذ جاء فيه: «لا تتدخلوا في القضايا الاجتماعية مثل غطاء الرأس والستلايت والشؤون الاجتماعية الاخرى التي تتعارض مع ديننا، حتى إشعار آخر. احذروا قتل المدنيين السنّة الذين لا يتعاطفون مع المرتدين مثل زعماء العشائر». وأكد اللهيبي صحة البيان، الذي لم ينشر على مواقع شبكة الانترنت المحسوبة على المتمردين. وقال اللهيبي ان البيان كان المقصود منه ان يكون امرا داخليا. وقال مسؤولو استخبارات اميركيون انهم لم يعلموا بصدور هذا البيان.

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط» شارك في إعداد هذا التقرير المراسل الخاص لـ«واشنطن بوست» في محافظة الأنبار.