المبادرة العربية لحل أزمة لبنان لم تفشل ولم تنجح .. وموسى يسعى إلى «ضبط» الشارع.. والقيادات

قوبلت بالترحيب عند صدورها.. وبالشروط عند تنفيذها

TT

المبادرة العربية، التي اطلقها اجتماع وزراء الخارجية العرب في السادس من يناير (كانون الثاني) الماضي، في اجتماع لوزراء الخارجية العرب ومشاورات دامت يومين في مقر الجامعة في القاهرة، لم تفشل حتى الان، كما انها لم تنجح في إيجاد حل للازمة اللبنانية الناجمة عن فقدان الثقة بين الطرفين. وهي ترتكز على ثلاثة بنود، أولها التوافق على انتخاب رئيس للجمهورية. وثانيها تأليف حكومة وحدة وطنية لا تكون فيها امكانية ترجيح قرار أو إسقاطه بواسطة أي طرف، ويكون لرئيس الجمهورية كفة الترجيح. وثالثها البدء باعداد قانون جديد للانتخابات النيابية. وكلف الوزراء الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى بإجراء اتصالات فورية مع جميع الأطراف اللبنانية والعربية والدولية لتنفيذ خطة العمل هذه.

وقوبلت المبادرة بترحيب لبناني واسع، خصوصا انها صدرت باجماع الدول العربية المشاركة، بما في ذلك سورية، اذ رحب بها الرئيس بري، أحد أبرز قادة المعارضة، واعرب عن أمله في «ترجمة بيان الوزراء العرب على أرض الواقع درءا لأي فتنة، وإنهاء حال التشرذم القائم واستعادة سلامة لبنان»، فيما اشاد رئيس الحكومة فؤاد السنيورة بـ«الاحتضان العربي» للبنان. ووصفه زعيم الاكثرية البرلمانية النائب سعد الحريري بانه «موقف تاريخي ونبيل ومسؤول». وكذلك رحب حزب الله بالمبادرة بحذر، معلنا ان المعارضة ستناقشها بانفتاح لأنها حريصة على إيجاد حل للأزمة السياسية.

حمل موسى مبادرته وأتى الى بيروت محاولا تسويقها، لكن هناك من استبق الزيارة بعملية تفجير استهدفت آلية للامم المتحدة جنوب بيروت. ومع هذا وصل موسى وبدأ اتصالاته مع القيادات فاصطدم بعقدة «التفسير» العملي لبندها المتعلق بحكومة الوحدة الوطنية. فغادر بيروت ليعود بعد اسبوع ويستقبل ايضا بتفجير استهدف سيارة للسفارة الاميركية في بيروت. غير ان موسى تمكن من تحقيق اختراق مهم تمثل بعقد اجتماع و«نصف» اجتماع بين الحريري والرئيس السابق أمين الجميل والنائب ميشال عون، بعد ان كان عون قد ابلغ موسى قبيل الاجتماع الثاني انه متوعك صحيا، وأوفد احد مساعديه للقاء احد مساعدي الحريري وأحد مساعدي الجميل.

اقترح موسى على القيادات اللبنانية ان يتم تشكيل الحكومة كالاتي: «13 للأكثرية و10 للمعارضة و7 للرئيس» مع إمكانية توصّل الطرفين إلى تفاهم سياسي يمنح الطرفين (المعارضة والأكثرية) ضمانات وتطمينات متبادلة لإزالة ما لديهما من مخاوف وهواجس تجاه بعضهما البعض، وبما يحقق مشاركة حقيقية في أعمال مجلس الوزراء. ومن جهتها فسرت الأكثرية المبادرة بان الحد الأقصى لتوزيع الحقائب يمكن ان يكون 15 للأكثرية زائدا 10 للمعارضة، زائدا 5 للرئيس. أما المعارضة فقد فسرت هذا البند بأن الحد الأدنى المقبول هو (10+10+10)، بحيث لا يمكن لها (للمعارضة) أن تحصل على الثلث زائدا واحدا، ولا يمكن للأكثرية أن تحصل على النصف زائدا واحدا. وهو نفس التفسير السوري للمبادرة، كما استمع اليه موسى اثناء زيارته الأخيرة لدمشق.

وفي حالة عدم الأخذ بتفسيرها للبند الثاني من المبادرة العربية، فإن المعارضة ابلغت موسى انها تصر على تشكيل حكومة تحصل على نسبة 45% من أعضائها مقابل 55% للأكثرية (13 وزيراً للمعارضة، و17 وزيراً للأكثرية). وابدت استعدادها للتنازل عن جزء من حصتها، على ألا يحرمها ذلك من الحصول على الثلث زائدا واحدا.

وانتقدت المعارضة تفسير موسى للمبادرة الذي يمنع عنها «الثلث المعطل». وهذا التفسير من شأنه ان يحرمها من المشاركة في القرار. فبدأت اتهامات الانحياز تنهال على موسى وصولا الى حد دعوة رئيس كتلة نواب حزب الله محمد رعد، موسى الى «تعلم اللغة العربية» قبل عودته الى بيروت لتفسير المبادرة العربية «كما يجب». وعاد موسى الى القاهرة، ودعا في تقريره الى الوزراء العرب، طرفي المعارضة والموالاة إلى تقديم تنازلات متبادلة، معتبرا إنه لا يجوز للمعارضة أن تستمر في المطالبة بالحصول على الثلث المعطِل، كما ان على الأكثرية أن تتخلى عن حقها في ترجيح القرارات، أي أن ينطلق النقاش من صيغة مبنية على 14 وزيرا للأكثرية و6 لرئيس الجمهورية و10 للمعارضة في التشكيل الحكومي الجديد.

ومرة جديدة وتحت وطأة انتقال الأزمة الى الشارع بعد سقوط 7 قتلى خلال مظاهرات لانصار المعارضة في منطقة الشياح ـ مار مخايل في 27 يناير (كانون الثاني) الماضي، خلص اجتماع وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم الى دعوة الفرقاء اللبنانيين إلى التزام المبادرة العربية بشأن لبنان، نصاً وروحاً، واعلان العزم على مواصلة الجهود لتنفيذ هذه المبادرة. ودعا الوزراء العرب الى انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للبنان في الجلسة المحددة في 11 فبراير (شباط) الحالي. وبعد ذلك تبدأ المشاورات لتشكيل حكومة وحدة وطنية، ومن ثم العمل على صياغة قانون جديد للانتخابات النيابية. ونص القرار العربي على أن يجري الرئيس المنتخب المشاورات طبقاً للدستور لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية بما لا يتيح استثناء أو تعطيلا من أي طرف، ويعطيه الحق في الترجيح، مع التوجيه بـ«استمرار التزام حكومة الوحدة الوطنية المقبلة العناصر الأساسية المتضمنة في البيان الوزاري للحكومة الحالية»، في اشارة الى بند دعم حق المقاومة الذي يطالب به حزب الله، والموجود في البيان الوزاري لحكومة الرئيس فؤاد السنيورة. واثمرت زيارة موسى الجديدة «هزهزة» للوضع الداخلي بعدما ترددت معلومات ان الاكثرية وافقت على «المثالثة» في الحكومة، فيما تمسكت المعارضة بالثلث زائدا واحدا... وبالتفاهم على رئيس الحكومة والحقائب الوزارية، وهو ما تعتبره الاكثرية تراجعا جديدا.

انتظر موسى نحو اسبوعين للعودة الى بيروت مثقلا بعامل الوقت الذي جعله يعود قبل ان تنضج «طبخة» الحل اللبناني، فيوم الاثنين المقبل لم يعد بعيدا. وموسى ملزم الحضور عله على الاقل يتوصل الى ضبط الشارع اللبناني المهدد بالانفجار في اي لحظة في ضوء التراشق بالاتهامات والانتقادات بين طرفي الازمة. فقد لاحظ موسى ان لهجة الخطاب لدى كل اللبنانيين حادة، «فاللهجة اصبحت حادة وعالية النبرة، وأتمنى أن يعود اللبنانيون جميعا الى نبرة هادئة في الخطاب السياسي، فالمبالغات وحدة الحديث تخرج عن اللياقات، وهذا يحتاج الى المعالجة من الجميع».