تركيا: العلمانيون ينعون «الجمهورية».. وأردوغان يلعب على «تغير المزاج»

البرلمان يمرر قانون الحجاب للمرة الثانية والأنظار تتجه للمحكمة الدستورية وتفاؤل الإسلاميين

TT

لم يحتفل الاسلاميون في تركيا بتصويت البرلمان امس في قراءة ثانية لصالح قانون يقضي بالسماح بالحجاب في الجامعات، فعلى الرغم من تصويت البرلمان بأغلبية تزيد على الثلثين 414 صوتا مؤيدا مقابل 103 اصوات رافضة، الا ان المعركة لم تحسم الا بعد تصديق رئيس الجمهورية التركية عبد الله غل على الخطوة، وهذا شيء مؤكد، ثم موافقة المحكمة الدستورية العليا على قانون الحجاب.

ولا يعلم لا الاسلاميون ولا العلمانيون كيف سيكون قرار المحكمة الدستورية. وان كان مسؤولون من حزب العدالة والتنمية الحاكم وحزب السعادة، وكلاهما جذوره اسلامية، قد اعربوا لـ«الشرق الأوسط» عن تفاؤلهم بأن قرار المحكمة الدستورية سيكون لصالح التعديلات الدستورية التي أقرها البرلمان، مشيرين الى ان حزب العدالة والتنمية بزعامة رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان يلعب على «تغير المزاج» في تركيا لصالح السماح بالحجاب في بعض القطاعات، وهو ما يعطيه مساحة مناورة امام المؤسسة العلمانية. وينص الاصلاح الدستوي على تعديل بندين، ينص احدهما على معاملة الدولة للجميع على قدم المساواة، في مجال تقديم الخدمات، مثل الدراسة الجامعية. أما البند الآخر فينص على عدم حرمان احد من التعليم لاسباب لا يحددها القانون بوضوح، في اشارة الى الشابات اللواتي يرتدين الحجاب. وترافقت مع تصويت البرلمان امس مظاهرات معارضة شارك فيها عشرات الآلاف في أنقرة واسطنبول ضد التعديلات الدستورية، وهم يهتفون «تركيا علمانية وستظل علمانية». وقدر مسؤول في الشرطة التركية عدد المتظاهرين بحوالي مئة الف شخص، تجمعوا بدعوة من اكثر من 70 نقابة ومنظمة غير حكومية بينها عدة جمعيات نسائية.

وبعد مناقشات لم تطل في البرلمان المؤلف من 550 عضوا، صوت 411 نائبا لصالح اعتماد الاصلاح الدستوري بكامله، أي اكثر من غالبية الثلثين المطلوبة، في تصويت نهائي، وهم نواب حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية المعارض. وفيما صوت حزب العدالة لان «قاعدته الاساسية» من الطبقة الوسطى ذات ميول دينية عموما، صوت القوميون مع القرار لان «قاعدتهم الاساسية» من اثرياء الريف محافظة اجتماعيا. وتتجه انظار الاتراك الآن الى المحكمة الدستورية العليا، التي ستبدأ في نظر استشكال العلمانيين بعد ان يصدق غل على التعديلات الدستورية، وفيما رفضت ميرفي بيتيك من حزب الشعب الجمهوري الحديث حول توقعاتها لقرار المحكمة الدستورية، موضحة لـ«الشرق الاوسط»، ان العلمانيين سيحاربون القرار على أكثر من جبهة، قالت اويا اوكانشي من حزب السعادة الاسلامي لـ«الشرق الأوسط»: أنه «من الصعب القول ما إذا كانت المحكمة الدستورية العليا ستنقض قرار البرلمان ام لا». وتابعت المعارضة العلمانية خلقت مناخا اعطى انطباعا بان المحكمة الدستورية ستنقض القرار. في رأيي هذا ليس بالامر السهل. لماذا؟ لان القانون مرره البرلمان بأغلبية كبيرة جدا، بدون اي معوقات قانونية، مثل مقاطعة أحد الأحزاب الكبيرة للتصويت.

ومع أن اجواء من التفاؤل تسود أحزاب العدالة والتنمية، والسعادة، والقوميين، إلا ان البعض يتخوف من «تسييس» المحكمة الدستورية العليا. وفي هذا الصدد تقول اوكانشي «اذا نظرنا للأمر من وجهة نظر المحكمة الدستورية. فإن اول مهام المحكمة الدستورية، هي ان تنظر الى ما إذا كانت الاجراءات متوافقة مع المعايير القانونية، وما إذا كان النصاب القانوني لعقد جلسة البرلمان مكتملا، ثم النظر الى محتوى قرار البرلمان ومدى توافقه مع الدستور. انا محامية درست القرار ولا اعتقد ان التعديل الدستوري يتضمن مخالفات للدستور التركي. فالبنود المعدلة كتبت بطريقة قانونية واضحة جدا تقول: الجميع متساوون امام القانون لا ينبغي ان تكون هناك اي عقبات او حواجز امام حق التعليم. هذه الصيغة لا تتعارض مع النظام القضائي ولا مع الدستور التركي. وحقيقة لا ارى كيف سيمكن للمحكمة الدستورية ان تقضي بعدم قانونية قرار البرلمان.. لكن طبعا في تركيا لا يمكن للشخص ان يكون واثقا جدا في هذه الحالة.. لا بد من ان تكون هناك ثغرات قانونية لرفض القانون. عموما المناقشات في المحكمة الدستورية ستكون ملغومة وليست سهلة. ففي الماضي قامت المحكمة الدستورية العليا بتفسير عدة بنود في الدستور بطريقة اسفرت عن اغلاق عدد من الأحزاب ذات الصبغة الاسلامية، على اساس ان هذا تهديد للعلمانية، مثل حزبي السلامة والرفاة الاسلاميين مثلا». وأضافت اوكانشي «المحكمة الدستورية، هي مؤسسة يتم تعيين افرادها وهي تمثل النظام القضائي التركي وليست فوق القضاء او البرلمان، ودورها يقتصر على النظر الى قانونية تشريعات البرلمان، بينما البرلمان مؤسسة منتخبة من كل الأتراك. البعض الان في تركيا يقول إنه ليس من حق المحكمة الدستورية العليا تفسير الدستور، فدورها يقتصر على تطبيق الدستور. بعد تمرير القانون بهذا العدد الكبير من نواب البرلمان، لن يمكن لاعضاء المحكمة الدستورية رفض القانون على اساس سياسي، لا بد من ان تكون هناك مشكلة قانونية حقيقية تدفع المحكمة لرفض القانون. ولهذا اعتقد ان المحكمة ستعطي وجهة نظر قانونية متوازنة للموضوع». ومع ان تدخلات المحكمة الدستورية لاغلاق أحزاب ذات خلفية اسلامية أثارت امتعاضا في تركيا، الا ان أزمة الحجاب بالذات ذات طبيعة خاصة، فالكثير من الأتراك يقولون إنه على خلاف الكثير من القضايا السياسية التي تدخلت فيها المحكمة الدستورية، فإن أزمة الحجاب ازمة اجتماعية تخص مئات الالاف من الاشخاص، وليس العشرات من مؤسسي هذا الحزب او ذاك. ومثلها مثل باقي المؤسسات العلمانية في تركيا، مثل الجيش على سبيل المثال الان، تتحرك المحكمة الدستورية بحرص بالغ حتى لا تثير غضب الأتراك العاديين خلال هذه القضية الحساسة. وفي هذا الصدد قالت اوكانشي: «المحكمة الدستورية العليا نالت انتقادات كثيرة جدا بسبب بعض تفسيراتها السياسية، لان الناس بدأت تتساءل: هل المحكمة الدستورية تطبق القانون أم تصنع القانون؟ اذا لم تكن المحكمة الدستورية تصنع القانون فكيف تفسر بنود الدستور بطريقة يترتب عليها اغلاق حزب، واقالة حكومة منتخبة مباشرة من الشعب؟ وبسبب هذه الخلفية، لا اعتقد ان المحكمة الدستورية ستقدم على خطوة تجعل الناس يوجهون لها نفس الاتهامات. لكن إذا ما شعرت المحكمة الدستورية بان الجيش لا يحبذ قرار البرلمان، وان هناك مخاوف من انقلاب من نوع ما ضد حكومة اردوغان، فإن المحكمة الدستورية في هذه الحالة قد تتجه الى نقض القرار، ويمكن ان يتبع هذا تضييقات على حزب العدالة، ربما بهدف اغلاقه. كل هذه الاحتمالات ممكنة والايام المقبلة ستكشف عن كيف ستسير الأمور». ويعول العلمانيون على رفض المحكمة الدستورية العليا للتعديلات الجديدة، لكن إذا رفضت المحكمة الدستورية التعديل الدستوري، فإن حكومة اردوغان ستتجه مجددا الى البرلمان للتصويت على التعديل، وإذا ما أقره البرلمان، ورفضته المحكمة الدستورية مجددا، فإن هذا قد يفتح الباب أمام أزمة سياسية كبيرة في تركيا، وقد يؤدي الى انتخابات مبكرة جديدة. وبعد تصويت البرلمان امس دعا رئيس كتلة حزب الشعب الجمهوري في البرلمان كمال اناضول كل البرلمانيين الى «تجنب اتخاذ قرار سيؤدي الى الفوضى». وأضاف «ما يحصل اليوم في البرلمان يعني القضاء على النظام الجمهوري واستبداله بنظام متعصب. انهم يريدون تدمير الجمهورية الديمقراطية العلمانية». ووصف نواب اخرين بحزب الشعب الجمهوري التعديل بـ«بموت الجمهورية العلمانية» و«ثورة سوداء». وقالت نسرين بايتوك، احدى نائبات الحزب في البرلمان، ان «القرار سيحول تركيا الى افغانستان.. هذا تأثير الدومينو»، مشيرة الى ان التعديل لا يفتح الباب امام حرية النساء، بل الى مزيد من القيود، مشيرة الى تقليد في ريف تركيا يقوم فيه الرجال بحلق شعور النساء لاجبارهن على تغطية رؤوسهن. فيما حذر كامير جنش وهو نائب مستقل بالبرلمان التركي أمس من ان التعديلات الجديدة «ستؤدي الى فوضى في الجامعات وتفكك المجتمع التركي». لكن اردوغان لم يكن أقل صراحة في الافصاح عن مشاعره، اذ قال «سننهي معاناة بناتنا أمام بوابات الجامعات»، وذلك في إشارة الى اضطرار المئات من الفتيات التركيات المحجبات الى نزع حجابهن امام بوابة الجامعة للسماح لهن بالدخول. وحول المدى الزمني المتوقع ان تأخذه المحكمة الدستورية لنظر القانون المعدل، قال اوكانشي: «يمكن ان يأخذ الامر من اسبوع الى 6 أشهر، هذا يعود بالكامل على المحكمة الدستورية والطريقة التي تريد النظر بها الى قرار البرلمان. اولا سيجتمع اعضاء المحكمة الدستورية، ثم يناقشون القرار وقانونيته وتوافقه مع مبادئ الدستور. يمكن أن تنتهي العملية خلال اسبوع، ويمكن ان تظل طوال 6 أشهر إذا أرادت المحكمة الدستورية هذا». وحول ما اذا كان حزب العدالة سيحاول ان يمرر قوانين مماثلة للسماح بالحجاب في المؤسسات الحكومية، قالت اوكانشي «سيكون هناك نزاع محتدم لا شك في ذلك، لان حزب الشعب الجمهوري سيقول: حسنا انتم سمحتم بالحجاب في الجامعة، لكنكم لا يمكن ان تنشروا الحجاب خارج الجامعة. لكن مشكلة المؤسسات الحكومية أكثر تعقيدا في رأيي من مشكلة حجاب الجامعات. ففي الدستور التركي بند يقول: لا ينبغي ان تتأثر الخدمة في المؤسسات الحكومية بلبس من يقدمها او من يتلقاها. اذا ما قرر حزب العدالة ان يدعم رفع الحظر على الحجاب في المؤسسات الحكومية، فسيفتح جدالا طويلا حول هل يسمح مثلا لمتلقيات الخدمة في المحاكم بلبس الحجاب (الشاكيات مثلا)، ومنع لبس الحجاب عن مقدمات الخدمة مثل المحاميات او القاضيات؟ هذه مسألة ستكون معقدة جدا». وتضيف اوكانشي «هناك فئات كثيرة في المجتمع التركي تقول اننا ينبغي ان نحل هذا الصراع، ونمضي في حياتنا. هناك اساتذة جامعات قالوا هذا الشيء، الكثير من منظمات المجتمع المدني التركي. هذا تغيير في المزاج العام لتركيا».