بيرنز: ليست للناتو استراتيجية موحدة في أفغانستان وجهودنا مبعثرة.. ولا بد من مبعوث دولي يلملمه

مساعد وزيرة الخارجية الأميركية قال لـ«الشرق الأوسط»: إيران دولة صانعة للمتاعب ولن تنجح في الالتفاف على العقوبات

TT

قال مساعد وزيرة الخارجية الاميركية نيكولاس بيرنز إن جهود حلف شمال الاطلنطي (ناتو) في افغانستان مبعثرة، وأن هناك حاجة ملحة الى تعيين الامم المتحدة مبعوثا دوليا يقوم بتنسيق الجهود العسكرية في هذا البلد مع جهود إعادة الاعمار والبناء، موضحا ان الوضع الحالي أشبه بدول تتمتع بنوايا حسنة، لكن كلا منها يتحرك في اتجاه بسبب غياب استراتيجية شاملة لافغانستان. وأوضح بيرنز ان بلاده تفضل تعيين الدبلوماسي البريطاني بادي آشداون، مبعوث الامم المتحدة السابق للبوسنة بين 2002 و2006، كمبعوث لافغانستان، غير انه قال ان القرار في النهاية هو قرار الأمين العام للأمم المتحدة. كما وجه انتقادات شديدة الى دول الناتو التي ترفض القيام بمهام قتالية في افغانستان، محذرا من فشل مهمة الناتو في هذا البلد. كما حذر بيرنز، الرجل الثالث في الخارجية الاميركية، إيران من ان قرار عقوبات الامم المتحدة الثالث، الذي يناقش حاليا في نيويورك، سيكون شديدا، داعيا دول الشرق الاوسط وآسيا والاتحاد الاوروبي الى فرض عقوبات ضد طهران خارج نطاق الامم المتحدة. وأوضح بيرنز في مؤتمر صحافي بلندن امس في «نادي الصحافيين الاجانب» ان جوهر السياسة الاميركية حيال طهران يقوم على احتواء تأثيرها، موضحا ان الكثير من شركاء إيران في العالم، ومن بينهم روسيا والصين، باتوا يتفقون مع واشنطن في موقفها. وردا على سؤال لـ«الشرق الأوسط» حول ما إذا كانت لدى واشنطن استراتيجية غير العقوبات لمواجهة النفوذ الإيراني الاقليمي، وذلك لحل قضايا عالقة مثل ملف الرئاسة اللبنانية، قال بيرنز: «لا شك ان إيران دولة مؤثرة ومهمة وذات نفوذ في المنطقة. لكن المشكلة ان هذا النفوذ اجمالا سلبي. هناك فقط 3 او 4 دول تساند الطموحات النووية الإيرانية، فيما باقي دول الامم المتحدة تعارض هذه الطموحات.

نحن نتحدث مع الدول العربية، ونعرف انزعاجها من دعم ايران لحماس في غزة، وحزب الله في لبنان، وطالبان في افغانستان، والميلشيات الشيعية في العراق. فالنفوذ شيء، وإذا كان هذا النفوذ ايجابيا ام سلبيا شييء آخر. وهذا يخضع لتقييم كل طرف. لكنني أعتقد ان غالبية العالم يرى إيران دولة صانعة للمتاعب، ولهذا فإن سياساتنا تقوم على ضرورة احتوائها». وحول ما إذا كان قرار عدد من البنوك البحرينية وقف تعاملاتها المالية مع إيران تم بالتنسيق مع وزارة الخزانة الاميركية، ام كان خطوة فردية، قال بيرنز لـ«الشرق الأوسط»: «لا أعلم ما اذا كانت البنوك البحرينية نسقت مع وزارة الخزانة الاميركية، لكنني ارى الخطوة جزءا من اتجاه برز منذ نحو عام ونصف العام على يد بنوك اوروبية، قامت بتجميد عمليات الاقراض لإيران، او اوقفت تعاملاتها مع طهران. ليس هناك شك في ان إيران تشعر بتأثير العقوبات عليه وهذا شيء ايجابي. هناك تقارير تقول ان إيران تحاول ان تلتف على العقوبات لكنني لا أعتقد انها ستنجح في هذا». وعن مجريات مناقشات دول مجلس الامن والمانيا لفرض سلة عقوبات ثالثة على إيران، قال بيرنز: «الأسبوع الماضي كان هناك تطوران مهمان مثيران للقلق في ملف إيران، الاول تجريب اطلاق صاروخ للابحاث، والثاني الانباء عن استخدام الإيرانيين لتقنية جديدة في عمل آلات الطرد المركزي. وكلا التطورين مثيران للقلق. المجتمع الدولي أرسل لإيران رسائل واضحة جدا خلال الأعوام الثلاثة الماضية. مجلس أمناء وكالة الطاقة الذرية اصدر قرارين حول إيران كلاهما يدعو طهران الى وقف تخصيب اليورانيوم. مجلس الامن أصدر قرارا في يوليو (تموز) 2006 يدعو إيران لوقف التخصيب، وأعقب ذلك بقراري عقوبات تحت البند السابع من الامم المتحدة يدعو إيران لوقف التخصيب. ايران تجاهلت قرارات مجلس الامن ووكالة الطاقة الذرية، وهي الان تتحرك، كما أعلنت ذلك بوضوح، من اجل زيادة أعداد آلات الطرد المركزي التي تعمل في مفاعل ناتانز، هذا يعني ان قرار العقوبات الثالث لا بد ان يمرر الان من قبل دول مجلس الأمن الدولي. القرار الذي قدمته دول الاتحاد الاوروبي يناقش الان في نيويورك، وأعتقد اننا نحتاج الى بعض الوقت لمناقشة كل تفاصيله، لكن من المحتم ان يمرر في مجلس الأمن». غير ان بيرنز اشار الى جهود تبذل لفرض عقوبات خارج اطار الامم المتحدة، موضحا «بجانب هذه الخطوة، يجب التفكير في خطوات اخرى بعد قرار عقوبات مجلس الامن، نأمل على سبيل المثال ان يقدم الاتحاد الاوروبي على قرار عقوبات ضد إيران، يكون حتى أكثر شدة من قرار مجلس الأمن. كما نأمل ان يخطو الخطوة نفسها الشركاء التجاريون الكبار لإيران في آسيا والشرق الأوسط. نحن نفكر في الذي يمكن ان يقدمه الجميع، وجهود المؤسسات المالية الدولية الخاصة لتجفيف إقراض إيران والاستثمار معها. وقد رأينا بعضا من هذه الجهود خلال العام الماضي. هذا على الجانب النووي المقلق من أنشطة إيران، لكن هناك جانبا آخر مقلقا وهو تمويل وإيران وتسليحها لعدد من المنظمات المتطرفة في المنطقة بدءا من حماس والجهاد الإسلامي في غزة الى حزب الله في لبنان، مرورا بطالبان في افغانستان ومنظمات شيعية مسلحة في العراق. وهناك إدانة دولية لهذه السياسات الإيرانية في منطقة الشرق الاوسط التي تحتاج الى الاستقرار والأمن». ورفض بيرنز اعتبار المواجهة بين إيران والمجتمع الدولي انتهت لصالح إيران، موضحا «مجلة الايكونوميست التي اعتبرها من اذكى ان لم تكن اذكى مجلة سياسية خبرية في العالم، اختلف معها في قصة غلافها الاسبوع الماضي والذي كان محتواه ان إيران خرجت منتصرة في المعركة الدبلوماسية مع اميركا. ففي الحقيقة من الصعب ان نجد اليوم دولة أكثر عزلة من إيران. الدول التي تقف الى جانب ايران هي سورية وكوبا وفنزويلا. بينما الصين وروسيا اليوم من البلدان الأساسية التي تقود العقوبات على إيران، بجانب بريطانيا وفرنسا والمانيا والولايات المتحدة الاميركية. كل الشركاء التجاريين لإيران مثل الهند وباكستان والبرازيل واندونيسيا ومصر تفرض عقوبات على طهران وفقا لقرارات عقوبات مجلس الامن. وفيما يتعلق بأفغانستان، وجه بيرنز انتقادا الى دول الناتو التي ترفض المساهمة في العمليات القتالية في افغانستان، محذرا من ان جهود الناتو ستؤول الى الفشل اذا لم يتم وضع استراتيجية تلملم جهود الإعمار مع الجهود العسكرية. وأوضح «نحن ممتنون للجهود التي تبذلها المانيا وباقي دول حلف شمال الاطلنطي في افغانستان. كما نعلم ان المهمة في افغانستان، بوصفها اول عملية ميدانية على الأرض في تاريخ الناتو منذ تأسيسه قبل 59 عاما، فإنه من الحيوي جدا ان ينجح الناتو في مهمته. نعلم أننا يمكن ان ننجح، ونعلم اننا كبدنا طالبان خسائر فادحة. فطالبان لا تشكل تهديدا استرتيجيا مثلا للحكومة الافغانية لكنه ينبغي ان تستأصل. وأعتقد ان هناك مهمتين يجب انجازهما في افغانستان: الاولى هي انه على الجميع مساندة جهود الامم المتحدة، على أمل ان يتم قريبا تعيين مبعوث للامم المتحدة في افغانستان يكون مسؤولا عن تنسيق الجهود المبذولة من دول الناتو لوضع استراتيجية مركزية لمساعدة افغانستان، بدءا من بناء المدارس وإعادة بناء محطات الطاقة والمنشآت الصحية والمستشفيات. للاسف لم تكن في افغانستان استراتيجية لإعادة البناء والاعمار. الامر أشبه ما يكون بدول، كل دولة لديها أفضل النوايا، لكن كل دولة تسير في اتجاه وحدها بدون استراتجية مركزية. ولهذا اطلقنا تلك المبادرة وهي أنه ينبغي ان يسمي الأمين العام للأمم المتحدة مبعوثا خاصا لشؤون افغانستان. طبعا القرار قرار امين الامم المتحدة، لكننا نأمل في مسؤول بارز، نأمل ان يكون اوروبي، يكون المنظم الاساسي لكل الجهود الدولية المدنية في افغانستان، يجب اتخاذ هذه الخطوة، أنا قلق مثل اخرين من ان الجهود المبذولة حتى الان مبعثرة وغير فاعلة كما ينبغي ان تكون».

وتابع «من الناحية العسكرية، الناتو حقق نجاحات كبيرة في افغانستان. دفعنا طالبان للتقهقر خاصة في الشرق. وزير الدفاع، الاميركي، روبرت غيتس كان محقا تماما، عندما حذر من ان الاوضاع في افغانستان يمكن ان تؤثر على الامن في اوروبا. الناتو الان يخوض معركة صعبة جدا، وعلى دول الناتو في افغانستان ان تقوم بـ99% من القتال في قندهار وهلمند والمناطق الجنوبية والمناطق الشرقية. فدول الناتو تتقاسم اعباء هذا القتال. لكن اميركا تكبدت اكبر الخسائر البشرية، وبالتالي نقول: نحن نحتاج مساعدة من المانيا باقي دول اوروبا وانهاء كل القيود الاصطناعية على اعادة توزيع القوات في افغانستان. ونحتاج الى ان يتقدم الناتو لمحاربة طالبان. من الصعب التفكير في عملية عسكرية ناجحة عندما تقول غالبية العواصم المنخرطة في العملية أنها قررت الا تنشر قوات قتالية على الأرض، او تضع قيودا على مناطق انتشار قواتها. لا يمكن ان نسمح بهذا. وزير الدفاع غيتس كان محقا وعبر بدقة عن وجهة النظر الاميركية، لكن هذه ليست فقط وجهة نظر اميركا، بل الكثير من حلفائنا الاوروبيين مثل الدنمارك واستونيا وارمينيا وبلغاريا وهولندا. وسأعطي مثلا كندا، فكندا هي اكثر دولة تعرضت لخسائر في قندهار، وتحملت وتكبدت أعباء وخسائر هائلة، فإذا لم تحصل على كل الدعم والمساعدة من باقي دول الناتو، فإن هذه ليست وصفة للنجاح». وشدد بيرنز على ان افغانستان تحتاج الى جانب تعزيز الجهود العسكرية الى رؤية فيما يتعلق بالاعمار المدني واعادة البناء. وتابع: «كما تحتاج افغانستان الى جهد عسكري، تحتاج ايضا الى جهد مدني. ودول الناتو يجب ان تقدم كل ما تستطيعه على الجانبين وليس في جانب واحد فقط. وهذه هي الرسالة الأساسية التي نحاول ان نوصلها الى حلفائنا.

أعتقد ان بادي آشداون من أكثر المسؤولين المدنيين اهلية وفعلية على الساحة الدولية، رأيته في البوسنة عندما كان مبعوث الامم المتحدة، ولو كان الامر ممكنا، أحب ان أراه في افغانستان، فهو ذكي وديناميكي، لكن هذا ليس خيار واشنطن، هذا خيار الأمين العام للأمم المتحدة، والحكومة الافغانية ونأمل ان تجد الامم المتحدة أفضل شخص ممكن لمنصب مبعوث دولي لافغانستان يمكن ان يضع استراتجية متكاملة، ينسق فيها الجهود العسكرية والمدنية والاقتصادية والتنموية».