رحلة العمل في بغداد.. موت في أية لحظة

صحافي عراقي يروي معاناته اليومية

TT

كنت أحاول أن أفعل مثلما يفعل ملايين الناس في لوس انجلس كل يوم: التنقل الطويل ما بين البيت ومكان العمل.

لكن حتى حينما تكون الأمور حسنة هنا فإنها قابلة على التحول بسرعة إلى سيئة. أنا قمت بغلطة حينما تحدثت عبر هاتفي الجوال أثناء عبور الحافلة التي كنت استقلها عند عبور نقطة تفتيش خاصة بالجيش العراقي. أوقف جندي الحافلة وأمرني بالنزول. هدد باعتقالي. ابتسمت له واعتذرت ملتمسا مسامحته حيث شرحت له أنني تسلمت مكالمة طارئة. سمح لي بالعودة إلى الحافلة والاستمرار في رحلتي. لكن عند وصولي إلى محطة بغداد المركزية حيث علي أن آخذ حافلة أخرى كان الوقت ظلاما. وكانت هناك نار مشتعلة وسط المحطة مما كانت توفر دفئا وضوءا. وكان الباعة من السوق المجاور يرمون بالصناديق الفارغة لتغذية النار.

غادرت كل الحافلات لذلك بحثت عن تاكسي. لمحت سائقا وسألته إن كان يستطيع أن يأخذني إلى منطقة تقع في شمال غربي بغداد. وافق على ذلك، لذلك دخلت في سيارته وبقيت انتظر بينما ظل السائق يحاول أن يملأ سيارته بالزبائن. كأن سيارته مكوك بغداد السوبر.

بعد صعود 3 ركاب انطلقت السيارة بنا. سألني السائق أين أريد الوصول في منطقتي: «محطة الحافلات» أجبت. واجهنا مرورا بطيئا بالقرب من نقطة تفتيش عسكرية أخرى. كانت هناك سيارتان أمامنا تحاولان تجاوز إحداهما الأخرى وسط بحر من العربات الزاحفة. فتح أحد السائقين نافذته وراح يصرخ على السائق الآخر. تصاعدت الأمور حتى هبط السائقان وراحا يتبادلان الصراخ في الشارع.

وبينما بدأ السائقان الشجار مع بعضهما البعض اتجه اليهما جندي عراقي وبدأ ضرب الاثنين. وأطلق جنود آخرون الرصاص في الهواء مما فاقم التوتر. وخرج اصدقاء السائقين من سياراتهم وشاركوا في المعركة، إذ راحوا يطلقون النار في الهواء في وسط الشارع المزدحم. وكنت خائفا من احتمال إصابتي برصاص طائش.

وقد أفلحنا في ان نشق طريقنا بعيدا عن الفوضى بعد دقيقتين وكنا بمزاج متوتر ولكن لم يلحق بنا أذى.

ووصل السائق الى ساحة عدنان ليس بعيدا عن الحي الذي اسكنه، ولكن كان المكان مظلما ومهجورا. ووقف فجأة وطلب مني الخروج. رفضت مذكرا اياه بأنه وعدني بإيصالي الى حيي. وبانت القسوة على وجهه وهو يقول «لم أقل ذلك. انزل هنا».

ونظرت الى الراكب الآخر الذي مازال في التاكسي لعله يساعدني. ولكنه لم يقل شيئا وتظاهر بعدم سماعه ما يجري. وخرجت من السيارة وأبلغت السائق بأنه أخذ أجرة أكثر من المطلوب. وأطلقت عبارة غالبا ما تستخدم من قبل العراقيين الذين يشعرون بأنهم تعرضوا الى الخداع: «لن أسامحك حتى يوم القيامة». سرت في الطريق. وخرج السائق من السيارة سوية مع الراكب. بدأ الاثنان توجيه إهانات لي. صرخت بوجههما «حسنا، أتضرباني»، وفتحت سترتي في إشارة جرأة. لم يكن لدي سلاح. وصرخت قائلا انهما ليسا أفضل من قطاع طرق عاديين.

وهدد أحدهما بوضعي في صندوق السيارة حيث يوضع الضحايا المختطفون قبل قتلهم. وواصلت السير بينما كانا يهدداني، وكان جسمي يرتعش لا خوفا وانما بسبب الإذلال وإدراك كوني معرضا للخطر. وبينما كنت أعبر الشارع تذكرت شيئا حول الراكب: كان يحمل بندقية.

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)