إيران: جيل جديد من القادة يتسرب إلى السلطة ويزيح رجال الدين جانبا

القادمون الجدد أقل ولاء للمرشد الأعلى ويحمّلون جيل الثورة الأول مشاكل بلادهم

صبي إيراني يرفع علم بلاده في احتفال بطهران أمس بمناسبة الذكرى الـ 29 لاندلاع الثورة الاسلامية (رويترز)
TT

بعد أن أطاح أتباع آية الله خميني بالنظام الإيراني الأوتوقراطي المدعوم أميركيا، جاء الى السلطة مجموع صغيرة مختارة من رجال الدين النشطين سياسيا ممن سعوا الى خلق اول جمهورية إسلامية في العالم. وبعد ما يقرب من 30 عاما يزيح جيل جديد من السياسيين رجال الدين أولئك، ممن أصبح كثير منهم أنصارا لاقامة علاقات أفضل مع الغرب واتخاذ خطوات تدريجية نحو ديمقراطية أوسع.

والقادمون الجدد هم قادة عسكريون سابقون، ومخرجون سينمائيون ورؤساء بلديات وكثير منهم في عمر يقل عن الخمسين وقليل منهم رجال دين. وهم يتعهدون بتنفيذ وعود الثورة ووضع ايران بين دول العالم البارزة. ويتمتع هذا الجيل الصاعد بدعم آية الله علي خامنئي، المرشد الأعلى في النظام السياسي الإيراني، الذي يدعم سياسات ايران النووية والخارجية المتشددة.

وفي الشهر الماضي اعاقت مجالس الانتخابات المحلية عشرات من رجال الدين وحلفائهم، وبينهم علي اشراقي، حفيد خميني، من السعي الى الانتخابات البرلمانية المقررة يوم الرابع عشر من مارس (اذار) المقبل. وقد حرم مثل هؤلاء المرشحين سابقا، ولكن محللين قالوا ان غياب افراد الحرس القديم من رجال الدين من مؤسسات السلطة في ايران، يعني أنهم سيجدون من الصعب أن يقوموا بعودة انتخابية.

وقال رجل الدين والسياسي المتمرس، رسول منتجباني، ان «هؤلاء القادمين الجدد يدفعون أنصار الإمام بعيدا عن السلطة»، مشيرا الى خميني، ومضيفا «نحن نعامل في اطار عدم الولاء».

ويقول محللون ان تطهير رجال الدين هؤلاء يعزز موقع الرئيس محمود أحمدي نجاد، الزعيم البارز للجيل الجديد، وسيؤدي الى طبقة سياسية اصغر هي اقل ولاء للمرشد الأعلى واقل تسامحا حتى مع المعارضين الداخليين.

وقال مهرداد سرجوئي، المحلل السياسي والصحافي السابق ان «القادمين الجدد لا يمتلكون قاعدة السلطة ذاتها كما كان الحال مع الحرس القديم. وهم لا يتمتعون بسمعة تعود الى ايام الثورة، وليست لديهم القدرة للوصول الى اموال النفط، وليسوا أيضا مؤيدين مؤثرين. وغالبا ما كانت الأطراف القديمة قادرة على العمل باستقلالية اكبر لأنهم كانوا اقوياء. أما الجيل الجديد فيعتمدون بصورة اكبر على الزعيم».

ومنع خامنئي قبل اسبوعين بصورة علنية قرارا اتخذه احمدي نجاد يقضي بتجاهل قوانين معينة اقرها البرلمان. وقال سرجوئي «هذه اشارة على إظهار من هو المسؤول». ويقول القادمون الجدد ان ظهورهم جزء من تغيير في الأجيال. وقال سعيد أبو طالب،37 عاما، وهو عضو في البرلمان منذ عام 2004، انه «خلال السنوات الثلاثين الخيرة رأينا الأسماء نفسها في المشهد السياسي الإيراني. كان من الطبيعي أن يتولى رجال الدين شؤون البلاد بعد أن قادوا السلطة، ولكن بمرور الوقت من الطبيعي أن يتولى السلطة جيل شاب من غير رجال الدين».

وقال ان رجال الدين يظلون يتمتعون بأهمية. وأضاف «نحن بحاجة اليهم للإرشاد كما أراد الإمام الراحل خميني. وفي خاتمة المطاف فان هذا مجرد تغيير في الأزياء»، مشيرا الى الجبة والعمامة التي يرتديها رجال الدين والبدلة التي يرتديها السياسيون الأصغر عمرا، وقائلا ان «القادمين الجدد متدينون مثلهم ايضا». واذا كانت لرجال الدين فرصة في استعادة النفوذ السياسي الذي كانوا يتمتعون به في السنوات التي أعقبت ثورة 1979، فان ذلك سيكون، كما يرى المحللون، في ظل زعامة الرئيس السابق علي اكبر هاشمي رافسنجاني، وهو آية الله ومساعد سابق مقرب من خميني خسر الانتخابات التي فاز بها أحمدي نجاد عام 2005.

وخلال ولايتي رافسنجاني في سنوات التسعينات كان فريقه يسيطر على عدد من المؤسسات التنفيذية والاقتصادية الهامة في ايران، وبينها وزارة النفط. وساعد على جلب محمد خاتمي الى السلطة خليفة له عام 1997.

وكان بين مؤيدي خاتمي، الذين يعرفون هنا بالإصلاحيين، الكثير ممن كانوا ثوريين، مثل الطلاب السابقين الذين باتوا يشعرون بالندم على استيلائهم عام 1979 على السفارة الأميركية بطهران مما أدى الى قطع العلاقات بين ايران والولايات المتحدة. واصطف حلفاء رافسنجاني السياسيون مع الإصلاحيين وبدأوا سوية الجدل بأن الشريعة الاسلامية ديناميكية وقابلة للتكييف. كما أنهم فضلوا اعادة تأسيس العلاقات مع الولايات المتحدة عبر تسوية واقترحوا اجراء اصلاحات ديمقراطية محدودة. وفي وقت لاحق اندلعت معارك سياسية بين المجموعتين. وعلى الرغم من أن السلطة التنفيذية بأيديهم فإن خاتمي وأنصاره مُنعوا من تنفيذ معظم الخطط على يد القضاء ومجلس الأمناء المتكون من 12 شخصا وهو مسؤول أمام المرشد الأعلى. وكلاهما تحت سيطرة خصوم لأي علاقات تقام مع الولايات المتحدة وأي تغيير سياسي أو ديني. وكل المرشحين الذين لم يتأهلوا محسوبون على ائتلاف خاتمي الإصلاحي الذي يسعى إلى التنافس مع القادمين الجدد في الانتخابات النيابة التي ستجري هذا العام. أما مجلس الأمناء فهو يدرس طلبات الالتماس وسيعلن قراراته يوم 5 مارس (آذار).

قرر أنصار رافسنجاني الذي اتهمه القادمون الجدد بالفساد ونقص بالحمية الثورية بل حتى بالتجسس، عدم المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة، على الرغم من أنهم لم يعطوا أي شرح لهذا القرار. وقال رجل الدين وعضو حزب الثقة الوطني منتجباني الذي هو جزء من ائتلاف الإصلاحيين: "نحن نؤمن بأن علينا أن نفتح الجو في البلد وأن نعطي حريات أكثر وأن نمارس الانفراج بما يخص الميدان الدولي. القادمون الجدد هم دوغمائيون ولا يؤمنون بأماني الشعب. إنه صراع القوى التي تريد أن تقود البلد باتجاهات مختلفة».

وبدأ الصراع قبل ما يقرب من 4 أعوام مع المفاجأة البرلمانية الكبرى حينما وصل البرلمانيون الجدد وكان هذا استمرارا مع انتصار أحمدي نجاد الرئاسي وما أعقبه من إعفاء عشرات الألوف من المدريرين الحكوميون أصحاب الخبرة الواسعة.

والقادمون الجدد الذين قضوا سنوات كثيرة وهم يحتلون مواقع ثانوية في النظام الإيراني، لكن لم يكن لهم دور مهم في الثورة، وهم احتلوا مواقع كانت في يد رجال الدين. فغلام علي حداد عادل، الطالب السابق في الفيزياء ونائب وزير التعليم، أصبح أول شخص خارج دائرة رجال الدين كي يرأس البرلمان بعد انتخابات عام 2004.

وضمن هذا السياق تم تبديل كبير المفاوضين في الشؤون النووية رجل الدين حسن روحاني بعلي لاريجاني الذي كان يرأس التلفزيون الحكومي. لكن لاريجاني تم تبديله في أكتوبر الماضي بسعيد جلالي وهو من خارج دائرة رجال الدين وحليف قوي لأحمدي نجاد. يسمي جناح احمدي نجاد نفسه بـ«المبدئيين» ويضم القادمين الجدد الذين يقولون إنهم يريدون التصرف وفق مبادئ الإسلام والثورة. والكثير من الأعضاء هم قادة سابقون في فيلق حرس الثورة الإسلامية، وهي قوة تأسست بعد عام 1979 لحماية الثورة. وأعضاء مجموعة أخرى من التكنوقراط لديها نفس الأفكار والأرضية لكنها على خلاف مع الحكومة في الكيفية التي يجب تطبيق المبادئ. ولاريجاني الذي يسعى الوصول إلى البرلمان ظهر كزعيم لهذا الجناح.

وقال ايراج جمشيدي، المحرر السياسي في صحيفة «اعتماد»: «بعد التطهير انقسم الجناح المتبقي على نفسه. وهذا الانقسام في مجموعة القادمين الجدد سيترتب عليه ظهور مجموعتين في السياسة الإيرانية».

وجمشيدي التي تعتبر صحيفته إصلاحية قال إن «رجال الدين الذين كانوا يحتلون مواقع عالية اعتبروا مسؤولين عن المشاكل الحالية في إيران». مع ذلك ما زال رافسنجاني يحمل ورقة حاسمة. ففي سبتمبر تم اختياره رئيسا لمجلس الخبراء وهو مجلس يضم 86 رجل دين وهو يستطيع طرد المرشد الأعلى.

وقال سيجوئي: «نحن لا نعرف ما يحدث في البرلمان، لكننا متأكدون من أن الجيل الجديد يحاول حاليا التسرب إلى أكبر عدد ممكن من المؤسسات تحت نفوذهم لتصليب سلطته».

وقال جمشيدي إنه من غير المحتمل أن يتمكن رجال الدين السياسيون الذين حازوا السلطة قادرين من بناء بلدهم. وأضاف: «هم ليسوا جزءا من اتخاذ القرارات لذلك فأنا لا أجد أي امكانية للعودة ثانية».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»