بيت الله محسود .. شبح طالبان يطارد مشرف

متهم بتدبير اغتيال بوتو وأرسل عشرات الانتحاريين إلى المدن الباكستانية

TT

حتى فترة غير بعيدة كان بيت الله محسود زعيما عشائريا ثانويا مغمورا وغير معروف خارج منطقته الواقعة في جبال ووديان وزيرستان الجنوبية.

وفي الوقت الحالي وفي غضون أشهر برز باعتباره قائد المتمردين السيء الصيت في باكستان، ولا تحمله السلطات المسؤولية عن تدبير اغتيال بي نظير بوتو فقط وانما شن عمليات ضد حكومة الرئيس برويز مشرف.

ويتهم محسود، الذي أصبح أواخر عام 2007 زعيم حركة طالبان في باكستان، بارسال عشرات من المفجرين الانتحاريين الى المدن الباكستانية خلال العام الماضي. ويقال ايضا انه شن حرب عصابات هزت جيش باكستان القوي وجلبت المعارك الى عتبة بيشاور، عاصمة الاقليم الحدودي الشمالي الغربي والبوابة الى أفغانستان والحزام القبائلي لباكستان.

ويعتبر بعض المراقبين محسود التهديد الاكبر الذي ظهر خلال سنوات من الوساط العشائرية، وزعيما أظهر انه قادر على توحيد طائفة من الجماعات المحلية المتفرقة حتى عندما يتبادل المساعدة اللوجستية الحاسمة والمعلومات والموارد مع القاعدة. ويقول هؤلاء المراقبون انه اذا ما استمر تحالفه على التماسك فانه يمكن أن يكون في موقع يؤهله لا لتهديد مشرف فقط وانما الدولة الباكستانية.

غير أن صعود محسود أثار ايضا جدلا في أوساط المحللين والمسؤولين العسكريين حول موقعه الحقيقي داخل التمرد الأوسع الذي توجهه القاعدة في مناطق القبائل، وهو شبكة ظلت قوتها والوصول اليها موضوع تحذيرات جديدة حادة هذا الشهر من جانب مسؤولين استخباراتيين كبار أميركيين.

وينظر بعض المراقبين الى محسود باعتباره زعيما صوريا وكبش فداء للأعمال العدائية الدموية التي لا يحتمل ان يكون الشخص نفسه مهندسها. ويقولون ان هناك اشارات دائمة الى ان محسود يستخدم من جانب عناصر داخل المؤسسة المدنية الباكستانية من اجل تنفيذ اهدافهم. وقبل مصرعها وصفته زعيمة المعارضة بوتو باعتباره «رهينة».

وعلى رغم سمعته السيئة المتزايدة يحتفظ محسود بهالة السرية ونادرا ما يتحدث الى غرباء ويتجنب التقاط الصور، وحتى عمره غير معروف، ويعتقد انه في اربعيناته.

وينام في بيوت آمنة، ونادرا ما يستخدم الاتصالات الإلكترونية، ويسافر مع مرافقين من الحراس المدججين بالسلاح، ولا يتردد في اصدار اوامر بقتل الأتباع الذين يفشلون في تنفيذ رغباته، وفقا لما اورده عدد من الأشخاص المطلعين على المعلومات الاستخباراتية التفصيلية.

ويبلغ طول محسود خمسة اقدام وشعره طويل وأشعث على طريقة قبيلته محسود. ولم يتعلم اكثر من مستوى «المدرسة» ويعاني من مشاكل صحية ناجمة عن مرض السكري. وقال اقبال خطاك الصحافي المقيم في بيشاور والذي التقى مسعود مرات عدة «لم يكن من ذلك النوع العشائري الذي توقعته والذي يتسم بالهيبة. ولكن على الرغم من مظهره يمكنك ان ترة انه يتمتع بالسلطة».

وتعهد كل من محسود والقاعدة بالانتقام من مشرف بعد أن اقتحمت قوات الحكومة في يوليو (تموز) الماضي جامعا راديكاليا في العاصمة يعرف باسم «المسجد الاحمر» وقتلت رجل الدين المسؤول فيه وعشرات من اتباعه الشباب وكان كثير بينهم من وزيرستان الجنوبية. وحتى قبل ان تشن الحكومة هجومها على الجامع الاحمر «لال» كان الطرفان يعبران عن ازدرائهما للزعيم الباكستاني باعتباره اداة بيد الغرب بسبب تحالفه مع واشنطن في القتال ضد المتطرفين الاسلاميين. وتتباين التقديرات بشأن عدد مقاتلي محسود بشكل كبير. ودائرته الداخلية من مئات الأتباع المسلحين هم بشكل رئيسي من عشيرته ممن تعود سطوتهم كقوة قتالية مرهوبة الجانب الى عهد الكولونيالية البريطانية.

غير أنه في أواسط ديسمبر (كانون الاول) تولى محسود زعامة جماعة تعرف باسم حركة طالبان الباكستانية التي تضم ما لا يقل عن ستة من الجماعات المتطرفة واكثر من 20 ألف مقاتل، وفقا لما يعتقده مسؤولون ومحللون.

وقال محمود شاه الجنرال المتقاعد الذي يتمتع بخبرة واسعة في مناطق القبائل «انه مقاتل ذكي جدا ويكرس طاقاته لقضيته وتاكتيكي جيد، ولا يشعر بأي تأنيب ضمير بشأن الأشكال المتطرفة من العنف» مثل قطع الرؤوس.

وحفزت المخاوف من التهديد الذي تشكله القاعدة وتحالف محسود الجديد بعض كبار المسؤولين العسكريين والاستخباراتيين في ادارة بوش على السفر الى باكستان لممارسة مزيد من الضغط للقيام بعمل عسكري اميركي أشد. وقال مايكل هايدن مدير المخابرات المركزية في جلسة استماع أمام الكونغرس الأسبوع الماضي ان «هذا تهديد لهوية واستقرار الدولة الباكستانية». وتشير تحليلات إلى ان تحالف محسود الجديد منحه منطقة نفوذ تتجاوز حزام منطقة القبائل، التي تمتد حاليا من جنوب مدينة كراتشي إلى المناطق «المستقرة» شمال غربي باكستان، حيث امتد النزاع من مناطق القبائل خلال الأشهر الأخيرة.

شارك محسود خلال سلسلة الهجمات التي وقعت في الأسابيع الأخيرة بنشاط محدود نسبا اقتصر على مجموعات بتجهيزات خفيفة تعتمد على الهجمات المفاجئة على القوات التقليدية الأكثر قوة. وبدلا عن السعي إلى الاستيلاء على أراض والبقاء فيها درج محسود وأتباعه على شن هجمات رمزية الغرض منها إذلال القوات الحكومية وإضعاف معنوياتها. ففي هجوم وقع منتصف يناير (كانون الثاني) الماضي اجتاحت قوات تابعة لمحسود يقدر عددها بالعشرات قلعة تسيطر عليها قوات حكومية جنوب وزيرستان وفجروها وأسروا المدافعين عنها واختفوا ليل نفس اليوم. إلا ان هناك شكوكا في بعض المناطق حول مقدرة محسود على تشكيل خطر على المدى الطويل للقوات الباكستانية التي يبلغ قوامها حوالي 100000 جندي وضابط في مناطق القبائل. وأعرب مسؤول عسكري غربي عن اعتقاده في انه قد نسب إلى بيت الله محسود فضلا في القيادة والسيطرة أكثر مما يستحق. وقال الجنرال المتقاعد شاه، انه يعتقد ان محسود لا يعدو ان يكون «واجهة» وانه عاجز على تنظيم حملة واسعة النطاق ضد القوات الحكومية.

*خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط» شارك في إعداد هذا التقرير جوش ماير في واشنطن