الحريري لـ«الشرق الأوسط»: مجال التسوية لا يزال مفتوحا ونسعى إلى انتخاب رئيس للجمهورية قبل نهاية الشهر

قال إن كل وصايا خادم الحرمين الشريفين تدعوه للتمسك بوحدة اللبنانيين

TT

أكد رئيس كتلة «المستقبل» النيابية، النائب سعد الحريري، لـ«الشرق الاوسط» في حوار ببيروت ان مجال التسوية «لا يزال مفتوحا في لبنان على رغم كل الكلام الذي اطلق خلال الفترة الاخيرة»، مستبعدا وصول الامور الى «الحرب الاهلية» ومشددا على ان فريق «14 آذار» سيطلق دينامية تستمر بعد 14 فبراير (شباط) من اجل انتخاب رئيس جديد للبلاد قبل نهاية الشهر الجاري. في المكتب الصغير الذي اعتاد الرئيس الراحل رفيق الحريري الاختلاء فيه لإنجاز بعض اعماله، كان اللقاء مع النائب الحريري. كل شيء من متعلقات الرئيس الراحل لا يزال كما تركه صبيحة ذلك اليوم المشؤوم، 14 فيراير (شباط) 2005، عندما غادر للمشاركة في جلسة مجلس النواب ولم يعد. الطارئ الوحيد على المكان هو كمية الصور الكبيرة التي تغطي كل اركان المكتب. وورود حمراء تغطي مع صور له كل المقاعد التي اعتاد الرئيس الراحل الجلوس عليها، في ما يمكن وصفه بالـ«الكراسي المحرمة» التي لم يجلس عليها احد منذ ان فارقها الراحل الكبير. نسأله في حوار خصص معظمه للكلام عن ذكرى اغتيال الرئيس الراحل، عما تركته فيه السنوات الثلاث التي اعقبت الجريمة، فيجيب: «منذ 3 سنوات، لم يمر يوم الا كان فيه الوالد معي في مسيرتي التي اخوضها مع رفاقي في 14 اذار للدفاع عن السيادة. فهل من الممكن بناء بلد من دون سيادة أو استقلال او من دون عروبة، او من دون وحدته الوطنية؟ لبنان يحتاج الى الاستقرار. والوالد، رحمه الله، قام في المراحل الاخيرة من حياته بالكثير من اجل لبنان ومن اجل وضعه على سكة الانماء والإعمار. لهذا كان يوم طالته يد الغدر، يوم حزن وغضب للبنان وكل العالم العربي. المواطنون العرب أحسوا بالحزن الشديد يوم اغتياله، فكيف بعائلته؟ وأنا كابن فقدت اعز انسان في حياتي».

* ماذا علمتك هذه السنوات؟

ـ علمتني الصبر، والانفتاح. ان دم الوالد الذي سال في ذلك اليوم ودماء الشهداء الآخرين معه ومن بعده، علمتني ان كلمة اليأس يجب ان لا يكون لها مكان في قاموسي، لأن اليأس هو للاشخاص الذين لا يمتلكون رؤية لبلدهم. اما نحن فلدينا رؤية ومشروع. ولن ندع الارهابيين والمجرمين والسفاحين يزعزعون ارادتنا. لن نترك الدماء التي سالت تذهب هدرا، بل انها تشد من عزيمتنا. اني اشعر بالاعتزاز عندما ارى التضامن العربي الكبير معنا، ووقوف هذه الدول وخصوصا المملكة العربية السعودية مع لبنان في كل لحظة وعند كل منعطف. وكان لها الدور الكبير في اتفاق الطائف وفي دعم الاقتصاد اللبناني والليرة ودور كبير في بناء الجنوب بعد العدوان الاسرائيلي العام 2006، كما في دعم الطلاب اللبنانيين، خلافا لوضع بعض الدول الاخرى التي لا هم لها سوى ارسال المجرمين والمخربين لترويع اللبنانيين.

* هناك بعض الاطراف في لبنان يختلفون معك، لقد سمعنا الكثير من الكلام السلبي عن هذا الدور خلال الايام الماضية؟

ـ لقد وقفت المملكة مع كل مواطن لبناني، ولم تستثن احدا من دعمها. لقد دعمت كل الشعب اللبناني. ودعمته من خلال القنوات الشرعية، اي عبر مؤسسات الدولة. وكانت السباقة في دعم القضيتين اللبنانية والفلسطينية. ولم تسع يوما الى شق الشارعين اللبناني والفلسطيني. وهذا نقيض ما يقوم به النظام السوري الذي يتاجر بالقضيتين. الانقسام القائم في الشارع الفلسطيني اليوم لا يخدم القضية بأي شكل من الاشكال. وهو قائم وفقا لمخطط سوري واضح. وفي لبنان، الايادي السعودية بيضاء ناصعة. لم يتلق لبنان دعما في تاريخه كالدعم الذي تلقاه خلال السنوات القليلة الماضية. حتى ان المملكة لم تحاول الاستفادة اعلاميا من دعمها الذي بقي في كثير من الاحيان غير معلن، فيأتيها كلام غير لبناني ـ ويا للاسف ـ على لسان بعض الصغار جدا من اللبنانيين. هناك فارق كبير جدا بين دعم لبنان عبر الدولة، كما تفعل المملكة، والدعم بالمال والسلاح الذي يتلقاه بعض الاطراف من بعض الدول. انا اذهب الى المملكة والتقي خادم الحرمين الشريفين، وفي كل مرة لا اسمع منه سوى كلمات مثل وحدة اللبنانيين ووحدة الصف اللبناني والأخوة بين الجميع. بينما نرى النظام السوري يقول «نحن اقوى في لبنان من اي وقت مضى».

* كيف تعاطيتم كعائلة مع الحدث، خصوصا ان هناك بعض الشائعات عن خلافات داخلية وكلاما منسوبا الى شقيقك بهاء عن خلافه معك؟

ـ (مقاطعا) هذا كله كلام «شام برس». هم يعتقدون ان عائلة الحريري هي كعائلة الاسد تشقها الخلافات. نحن لا نختلف. نحن عائلة واحدة وقرارنا واحد وكلمتنا واحدة. عندما اقابل أخي بهاء أقبل يده، وكذلك افعل عندما التقي الوالدة. نحن جسم واحد كاخوة. ونختلف على شيء واحد هو من منا يحب الآخر أكثر. كل كلام آخر يمكن ان تقرأه فقط في صحيفة «الثورة» السورية لأنهم لا يزالون في «الحركة التصحيحية». ان الاستخبارات السورية تفبرك مقالات وبيانات تنسبها الى العائلة هي بعيدة كل البعد عن اخلاقنا وقيمنا. ان الذين تجرأوا على قتل رفيق الحريري لن يتورعوا عن اختلاق مثل هذه الاكاذيب. نحن عائلة واحدة موحدة بدءا بالوالدة وصولا الى الابن الاصغر لأخي بهاء الذي ولد قبل ايام وحمل الاسم الكامل لوالدي «رفيق بهاء الدين الحريري».

* اين اصبحت المحكمة؟

ـ لهذا اقول اننا تعلمنا الصبر. الانتقام هو اسهل الامور، لكننا لم نبحث عنه. نحن بالنا طويل ولا نيأس مهما فعلوا. وأنا أؤكد لك ان اليأس سيصل الى قلوبهم قريباً.

* ماذا تطلب من هذه المحكمة؟

ـ نريد العدالة فقط. لقد آن الاوان في لبنان لإحقاق العدالة بعد كل هذه الاغتيالات السياسية التي حصلت وآخرها (النقيب) وسام عيد. هناك سلسلة طويلة من الاغتيالات السياسية ضمت رؤساء جمهورية ونوابا وسياسيين وصحافيين وغيرهم. نحن لا نريدها محكمة سياسية. ان من يسيس المحكمة هم انفسهم الذين يحاولون تخريبها ومنع قيامها ويقولون انهم لن يتعاونوا معها. المحكمة ستقول للقاتل انه لن يتمكن بعد اليوم من استباحة لبنان. وان المحكمة ستشكل شبكة حماية للبنان.

* ماذ تريدون ان تقولوا في 14 فبراير (شباط)؟

ـ انتخاب رئيس للجمهورية وتثبيت استقلال لبنان وسيادته وعروبته.

* وهل سيتوقف هذا الاستنهاض الذي رأيناه خلال الايام الماضية، ام سيكون خطا تصاعديا؟

ـ لن يتوقف، بل سيستكمل التحرك باتجاه الدفع لانتخاب رئيس جديد للبلاد. كفانا ما يحصل وما نعاني منه.

* هل هناك من مجال لتسوية ما بعد كل الكلام العالي؟

ـ أكيد، التسوية ستحصل والرؤوس الكبيرة ستنزل.

* لقد عاش الناس اجواء خوف في الايام الماضية...

ـ (مقاطعا) لا يوجد شيء. ما الذي قلناه؟ نحن نسمع من المعارضة تهويلا وتهديدا بالحرب الاهلية منذ وقت طويل جدا. وعندما دعونا الناس للنزول الى الشارع لإحياء الذكرى الاليمة والقول لمن يهددنا اننا اقوياء بأهلنا «زعلوا»! وما الذي قلناه؟ قلنا ان هناك محورا سوريا ـ ايرانيا. وهذا صحيح. وهذا المحور غير خفي على احد. ان قائد الحرس الثوري الايراني يقول ان لدينا قوة في لبنان و(نائب الرئيس السوري) فاروق الشرع يقول: نحن اقوى في لبنان. أي محور هذا؟

* اذن لا خوف من حرب اهلية؟

ـ على اللبنانيين الا يخشوا الا الله... الاتكال عليه.