أوباما يحدث هستيريا جماعية في ميريلاند .. وعشرات الألوف انتظروه ساعات في الصقيع

قال للأميركيين: «إذا لم تكونوا مع التغيير فلا تصوتوا لي»

أوباما يقدم حلوى الـ «دونات» والقهوة الى مؤيديه في واشنطن دي سي، أمس (أ ب)
TT

في مقدمة الصف، الذي بلغ طوله كيلومترات، كان لافتاً ان بعضا ممن اصطفوا في انتظار فتح الابواب كانوا يضعون فوق أجسادهم بطاطين لتقيهم البرد القارس، والذين لم يضعوا بطاطين ارتدوا ملابس صوفية ثقيلة، ورغم ذلك كانت اسنانهم تصطك بردا. درجة الحرارة صباح اول من امس في ولاية ميريلاند كانت في حدود السبع درجات تحت الصفر. ومنذ الخامسة صباحاً وقف هؤلاء الناس من مختلف الأعمار والأعراق في صف يتلوى مثل حية رقطاء. ظلوا يزحفون في صبر حتى العاشرة والنصف عندما فتحت أبواب استاد كرة السلة في جامعة ميريلاند.

رويداً رويداً اكتظ الاستاد ملء سعته في الباب الذي خصص للصحافيين، كان هناك ايضاً صف من المراسلين يمثلون مختلف وسائل الاعلام الاميركية، خاصة في منطقة واشنطن الكبرى. عند المدخل وقف رجال الأمن بملابسهم الرسمية يحملون آلات إلكترونية وبعضهم يمسك بالكلاب المدربة على اكتشاف الاسلحة والمتفجرات، وآخرون بملابس مدنية.

في القاعة الرئيسية، وهي ارضية الاستاد، كانت هناك اربع منصات للصحافيين، ثلاث منها خصصت للمصورين، سواء مصوري الشبكات التلفزيونية او المصورين الفوتوغرافيين، والرابعة خصصت للصحافة المكتوبة، ومعظمهم يحملون معهم كومبيوتراتهم المحمولة.

في حدود الحادية عشر والنصف امتلأت جميع جنبات الاستاد. كانت هناك موسيقى اميركية صاخبة يتراقص معها الحضور وتخلق ضجيجاً يصم الآذان.

عندما تتوقف الموسيقى كان الجمهور يصيح ويخلق امواجاً كما يحدث في ملاعب كرة القدم حين ينهض جانب من المدرجات بصيحات ويقفون وقبضاتهم مرفوعة الى أعلى ثم يجلسون ليتركوا المجال لموجة اخرى.

في حدود الثانية عشرة دخلت مجموعة كبيرة من الصحافيين معظمهم من مصوري التلفزيون او المصورين الفوتغرافيين، وكانوا يحملون شارات تبين انهم «صحافيو حافلات الحملة» اي الذين يتنقلون من ولاية الى اخرى لتغطية التجمعات الانتخابية. في الثانية عشرة والنصف، تناول الكلمة أحد الشبان ثم احد مسؤولي الحملة، وأعقبهما طالب من جامعة ميريلاند. الجمهور المكتظ عيل صبره. ثم سرت موجة من الهتاف الصاخب الذي ترجمته «نعم نحن قادرون».

كانت تجلس الى جانبي صحافية ايطالية، قالت لي إن ممثل الحزب الليبرالي في ايطاليا، التي ستخوض انتخابات في ابريل (نيسان) المقبل، استعمل اخيراً في مناظرة تلفزيونية الشعار نفسه ونطقه بالانجليزية: Yes We Can.

ثم اعلن الطالب الذي يدرس في الاقسام العليا أن الشخص الذي تنتظره الحشود قد وصل. هنا سرت موجة من الهتافات الهستيرية، وراح الجميع يصحيون بصوت واحد: «أوباما.. أوباما.. أوباما».

صعد باراك اوباما الى المنصة التي كتب عليها كلمة «التغيير» بحروف ضخمة وتحتها عبارة «يمكننا ان نؤمن به». عانق اوباما الطالب الذي قدمه، ثم شرع يتحدث في تمام الواحدة بعد الظهر ودقيقيتن من ظهر اول من امس في اكبر تجمع انتخابي يحضره في منطقة واشنطن الكبرى، حضره حوالي 21 الف شخص.

تحدث اوباما الذي كان يرتدي بذلة داكنة وقميصاً رمادياً، مدة 43 دقيقة. استعمل الورقة مرة واحدة في البداية عندما شكر الذين وقفوا معه من ولاية ميريلاند او اولئك الذين عملوا على تنظيم التجمع الانتخابي.

بعد ذلك وضع الورقة في جيبه. ثم انطلق مستعملاً قدراته المذهلة في الخطابة وفي إطلاق الافكار البراقة، التي جعلته واحدا من اهم السياسيين الاميركيين في تاريخ الولايات المتحدة.

بدا اوباما خطيباً ساحراً لا يقرأ من اوراق مكتوبة مقبولة في صياغتها وإلقائها، وإنما كانت كلماته تتدفق لهباً وتتدحرج جمراً، على الرغم من ان ايام الحملة المرهقة، وهي اطول حملة انتخابية في العالم، قد نالت من جسده النحيل أصلاً وعينيه المشعتين.

قال في بداية خطابه المرتجل، أود قيادة البلاد في اتجاه آخر اذا كان الاميركيون مستعدين «للتغيير»، وهو شعاره الاساسي، مشدداً على ان التغيير لا يمكن ان يأتي من أعلى الى أسفل. وأضاف قائلاً: «إذا كنتم مستعدين للتغيير صوتوا لي وإذا لم تكونوا على استعداد بعد لا داعي». ثم انطلقت موجة هيستيرية من الهتاف «نعم نحن قادرون». ثم شرح ماذا يعني «الأمل»، وأنه كتب كتاباً عن «الأمل»، فقال: «بعض الناس يقولون إنني لا املك الخبرة وإنني شخص غير واقعي، لكنني اقول وانا الذي لم اعرف ابي وانا في سن الثانية من عمري، إذا لم يكن هناك امل لما كنت فعلت ما أفعله الآن». وأضاف: «الأمل هو ان اميركا مستعدة للتغيير الآن لذلك قررت ان اخوض الانتخابات لرئاسة الولايات المتحدة».

ثم انتقل بعد ذلك ليشرح برنامجه. وتطرق اوباما بالتفصيل للسياسة الخارجية التي يعتزم تطبيقها وقال إنه يريد ان تكون اميركا «آمنة ومحترمة في الوقت نفسه». وفي هذا السياق قال إن استمرار حرب العراق «غير مقبول»، وان الاموال التي تصرف هناك بمعدل 9 مليارات دولار شهرياً يجب ان تنفق في اميركا لحماية الامن الوطني، وان ينهض العراقيون بمسوؤلياتهم. وشدد على انه سيسعى للحوار مع اصدقاء اميركا واعدائها في الوقت نفسه. واكد انه سيحترم الدستور الاميركي، في اشارة الى ما يعتبره الديمقراطيون خرقا للدستور خلال عهد إدارة بوش، مشيرا الى انه مع الاغلاق الفوري لمعتقل غوانتانامو. وقال أيضا إنه مع البحث عن طاقات بديلة للنفط من الشمس والرياح.

وحول القضايا الدولية الاخرى لم يذكر سوى أزمة دارفور وقال اوباما الذي سبق له ان زار مخيمات اللاجئين هناك، إن ما يحدث في الاقليم السوداني المضطرب «عملية إبادة». لكنه لم يتعرض لنزاع الشرق الاوسط على الاطلاق.

ثم عاد اوباما في خطابه الى الاوضاع الداخلية والحملة الانتخابية، وقال إنه مستعد لمواجهة المرشح الجمهوري جون ماكين، وقال في هذا السياق: «نحن حزب الغد، وماكين (مرشح الحزب الجمهوري) يمثل حزب الماضي». لكنه اشار الى انه يأمل في الحصول على اصوات الديمقراطيين والجمهوريين والمستقلين، وشدد على القول وهو يخاطب أحد الحضور من الحزب الجمهوري الذي انضم اليه: «لسنا ضد أحد بل يجب ان نعمل سوياً... ووجودك هنا خير دليل».

وختم كلمته المدوية بالقول «شكرا لكم وأحبكم جميعاً».

وتناول بعد ذلك زجاجة مياه صغيرة وراح يشرب منها ثم هبط من المنصة ليصافح بعض الحاضرين، في حين تعالت الهتافات «اوباما اوباما اوباما».