بعد عام على شن خطة بغداد الأمنية.. انخفاض معدلات القتل وتفاقم الجمود السياسي

التوافق: المصالحة بعيدة المنال.. الائتلاف: هناك أزمة ثقة.. الكردستانية: ساد الانتقام

TT

بعد 12 شهرا على انطلاقة خطة أمن بغداد اصبحت العاصمة العراقية اكثر امنا، وتنفس العراقيون الصعداء في الشوارع والاسواق ولكن المصالحة السياسية المرتقبة لم تحرز تقدما يوازي التقدم الامني، كما يؤكد مسؤولون عراقيون.

وقالت مريم الريس، السياسية والمستشارة السابقة لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، «تعاني الاطراف في الحكومة والبرلمان أزمة ثقة». واضافت «كل طرف يخشى الاطراف الاخرى، كلهم لديهم الشعارات نفسها ولكن ليس الاعمال».

وبعد ان اطاح الغزو بقيادة الولايات المتحدة في 2003 بالرئيس السابق صدام حسين وحزب البعث الحاكم، ملأت نحو عشرة احزاب متنافسة في ما بينها تشكلت معظمها على اسس طائفية وقومية، الساحة في ظل الفراغ في السلطة.

واسهمت اعمال العنف على يد المتطرفين في احداث تفرقة بين العرب السنة والشيعة وبتغذية الميول الانفصالية للاكراد. وعندما اعلن المالكي وحلفاؤه الاميركيون اطلاق الخطة الامنية، بمساندة عشرات الالاف من قوات الجيش والشرطة، انصب الهدف حينئذ في إنهاء نشاط المسلحين الذين يتبنون اعمال العنف والسماح للقادة المنتخبين بالتوصل الى تسويات تاريخية فيما بينهم. وحافظت القوات الامنية على تعهداتها بدرجة كبيرة، حيث انخفضت معدلات القتل في صفوف المدنيين في يناير (كانون الثاني) بمقدار 72 بالمائة الى 541 شخصا من 1299 شخصا شهريا قبل انطلاقة خطة «فرض القانون» الامنية. ولا تزال جدران إسمنتية عالية يقدر طولها بمئات الكيلومترات تقسم مناطق بغداد، فضلا عن اسلاك شائكة ونقاط تفتيش تنتشر في كل ارجاء المدينة، فيما تقوم القوات الاميركية باعمال الدورية بنحو مستمر، لكن المحلات التجارية والشركات فتحت ابوابها والحياة تسير افضل من السابق. وفي البرلمان، حيث يسود تبادل الاتهامات، فالامر مختلف. وقال عدنان الدليمي رئيس جبهة التوافق العراقية، اكبر الكتل النيابية السنية في البرلمان، «الجميع ينادي بالمصالحة لكن على الارض لا تزال المصالحة الحقيقية بعيدة المنال ما لم تحصل ثقة متبادلة بين جميع الكيانات السياسية والمرجعيات الدينية». واضاف لوكالة الصحافة الفرنسية «نتج انعدام الثقة عن تراكمات قديمة وشعور بالظلم واستئثار بعض الاطراف بالحكم وعدم اشراك غيرهم في اتخاذ القرارات السياسية، ومن دون المشاركة لن نستطيع الخروج من هذا المأزق السياسي».

ويرأس الدليمي المؤتمر العام لأهل العراق، احد المكونات الثلاثة في جبهة التوافق العراقية التي تضم احزابا سنية رئيسية كانت قد انسحبت من ائتلاف المالكي الحاكم في اغسطس (اب) 2007.

كما انسحبت الكتلة الصدرية بقيادة رجل الدين الشاب مقتدى الصدر، فبات ائتلاف المالكي المتنوع من الاكراد القوميين والشيعة الاسلاميين يمرر القوانين بصعوبة. وكان يفترض ان يتناول برنامج المصالحة ثلاثة تشريعات رئيسية: الحد من صرامة قانون سابق يمنع عناصر حزب البعث المنحل من مزاولة الوظائف الحكومية، وقانون تنظيم انتخابات المجالس المحلية في المحافظات، وقانون آخر يوزع واردات النفط وينظم الاستثمار الاجنبي في القطاع النفطي العراقي.

واوقفت قانون النفط اعتراضات الاكراد الذين يريدون الاستمرار في السيطرة على الموارد في اقليم كردستان ذي الحكم الذاتي مع الاحتفاظ بحصة كاملة من الموارد الفيدرالية من باقي اجزاء العراق. وكان النواب سيناقشون التصويت على قانون الانتخابات الخميس لكن الجلسة انفضت وسط استياء. وأقر البرلمان الشهر الماضي قانونا يسمح للآلاف من ذوي الدرجات المتوسطة والدنيا في حزب البعث السابق بالرجوع الى الوظائف الحكومية والحصول على رواتب تقاعدية في خطوة رحب بها الرئيس الاميركي جورج بوش ووصفها بانها «خطوة مهمة الى الامام». لكن اقرار القانون لم يهدئ التوتر.

وانتقد نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي القانون لانه ايضا سيبعد الآلاف من البعثيين السابقين من الوزارات الامنية، فضلا عن المالية والخارجية. ويشعر أهل السنة بانهم مستبعدون من مراكز صنع القرار العراقي الذي يملك زمامه اليوم المالكي وحلفاؤه.

من جهته، اعتبر النائب بهاء الأعرجي عن الكتلة الصدرية ان «سبب التلكؤ في المصالحة هو عدم صحة الآليات الموجودة»، مشددا على «إعادة النظر بالمشروع كله.. يجب ان تبدأ المصالحة من بيت الحكومة بعد ترميم البيت البرلماني والحكومي». وقال النائب عن التحالف الكردي محمود عثمان ان «المصالحة الوطنية تعتمد على التفاهم الكامل من قبل المكونات وطرح برنامج لإشراك الاخرين والانفتاح عليهم». واضاف «تأخر موضوع المصالحة الوطنية كثيرا، كان ينبغي ان يتم بعد اسقاط النظام السابق لكن ساد الانتقام والثأر وعدم التفاهم وتمسك الكل برأيه».

ويأمل عثمان ان «يرفد التحسن الامني المصالحة الوطنية». وترى مريم الريس ايضا اشارات تحسن، على الاقل في تلطيف النبرة المتشنجة التي كانت تسود المناقشات. واضافت «بدأت التسميات الطائفية تضحمل لان الكل ادرك ان الخلافات الداخلية لم تكن بين الشعب العراقي بل بين القادة، سوف نشهد تفكك الكتل التي بنيت على اساس طائفي».

وأبدى سامي العسكري، مستشار رئيس الوزراء العراقي، تفاؤله بـ«التحرك باتجاه المصالحة الوطنية متمثلا بتشريع قانون العدالة والمساءلة ورغبة جبهة التوافق بالعودة، وهذا يعد مؤشرا ايجابيا».