مغنية توجه لدمشق للقاء مسؤولين بحماس وحزب الله.. وزيارته لكربلاء لفتت الانتباه إليه

مسؤول إيراني لـ«الشرق الأوسط»: مغنية كان يتنقل بين 3 عواصم واغتياله ضربة للجهاز الأمني لحزب الله * خدام: فوجئت بوجوده في دمشق .. والسوريون مرتبكون

جد ووالد عماد مغنية لدى تلقيهما خبر اغتياله (أ.ف.ب)
TT

قالت مصادر إيرانية وسورية مطلعة ان عماد مغنية منسق العمليات الامنية في حزب الله، الذي قتل في انفجار سيارة مفخخة بدمشق، كان في اجتماع مع شخصية امنية سورية بارزة قبل قليل من اغتياله. وأوضحت المصادر لـ«الشرق الأوسط» ان الاغتيال حدث عشية زيارة وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي لدمشق لبحث ملف لبنان مع الرئيس السوري بشار الأسد، ووزير الخارجية السوري وليد المعلم. وفيما أثار الاعلان عن اغتيال مغنية في دمشق استغراباً وتساؤلات حول ما إذا كان مغنية ترك طهران أخيرا واستقر في دمشق، قال مصدر إيراني لـ«الشرق الأوسط» ان مغنية غادر طهران الى دمشق قبل نحو 25 يوما، وأن الهدف من وجوده في سورية كان بحث ملفات حزب الله والاوضاع في غزة، ومقابلة رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل.

وقال مسؤول إيراني مطلع لـ«الشرق الأوسط» في اتصال هاتفي من لندن ان مغنية كان يعيش بين ثلاث دول هي إيران وسورية ولبنان، موضحا انه كان يتنقل بجوازات سفر مختلفة، بعضها اوروبي. وتابع المسؤول الذي لا يستطيع الكشف عن هويته: «مغنية شخص غريب واستثنائي، حاد الذهن وعنده نبوغ. ليس له وطن واحد، او منزل واحد، او هوية واحدة». ووصف المصدر الإيراني اغتيال مغنية بـ«كارثة حلت على حزب الله»، وتابع: «مغنية لم يكن مجرد شخصية بارزة داخل حزب الله. مغنية كان معلما. فالأشخاص الذين عملوا معه، تعلموا منه. كان شخصا استراتيجيا له تجربة. كما أنه اقرب وأهم شخص في حزب الله الى أمين عام الحزب حسن نصر الله. الاغتيال سيصدم حزب الله لفترة، وهو كارثة بالنسبة له، وضربة للجهاز الامني لحزب الله، فبعض الاشخاص لا يتكررون. وطبعا كل شيء يضعف حزب الله يضر إيران». واستشهد المسؤول الإيراني بحرب الصيف الماضي بين اسرائيل وحزب الله، موضحا ان مغنية كان العقل الاستراتيجي وراء الخطط الناجحة لحزب الله في الحرب، ومن بينها خطة حفر انفاق، والكيفية التي نظمت بها صواريخ حزب الله امام اسرائيل. واتهم المسؤول الإيراني اسرائيل بالتورط في الاغتيال، موضحا: «الاغتيال تم على ارض سورية، لكنه ليس في مصلحة سورية، فبدون حزب الله وإيران ليست لدى سورية أوراق كثيرة». وأشار المسؤول الإيراني الى أنه بالرغم من عدم وجود سفارة اسرائيلية في دمشق، الا ان الاستخبارات الاسرائيلية يمكن ان تكون خططت للاغتيال عبر سفارة اجنبية في دمشق، موضحا انه بجواز سفر مزور يمكن ان يخطط دبلوماسي غربي مزيف لعملية الاغتيال إذا استطاع جمع معلومات حول اجتماعات مسؤولي حزب الله مع القيادة السورية. وفيما لم يعلق المسؤول الإيراني على ما إذا كان مغنية قد انتقل للعيش في دمشق، الا انه قال: «بالنسبة لإيران وجود مغنية فيها ليس مشكلة اطلاقا. فحمايته امنيا أسهل من حمايته في سورية. في إيران كان يعيش في ستار أمني، وحمايته لم تكن صعبة». وتابع: «اذا تأكد اغتيال اسرائيل له، فلن يكون هذا مفاجئا. فإسرائيل حاولت اغتياله خلال 20 عاما، وهذه المرة نجحت».

الى ذلك، قال مصدر إيراني آخر في اتصال هاتفي من لندن ان مغنية غادر طهران الى دمشق منذ نحو 20 او 25 يوما، وانه كان مقررا ان يلتقيَّ مع مسؤولين سوريين كبار وقيادات من حزب الله. وأشار المصدر الذي لا يستطيع الكشف عن هويته الى ان خبر اغتيال مغنية كان مفاجئا بالرغم من أنه على لوائح المطلوبين في الكثير من دول العالم بسبب تورطه في عدد من الهجمات وعمليات الاغتيال، ومنها ضلوعه مع أنيس نقاش في اغتيال شهبور بختيار رئيس الوزراء الإيراني الاسبق في باريس، وتورطه في الهجوم على المركز اليهودي في الارجنتين. وأوضح المصدر الإيراني انه في عام 1997 اجرى مغنية عملية تجميل وغيَّر ملامح وجهه تماما. واختفى من الساحة السياسية، وانخرط في الاجهزة الامنية لحزب الله. وقال المصدر انه يعتقد ان هوية مغنية كشفت بطريقة ما خلال الفترة الماضية بالرغم من انه ليست له صور معروفة منذ عام 1990. وتابع: «كان مغنية ناشطا في العراق، خاصة في منطقة كربلاء على الحدود الإيرانية، وزارها مرات عديدة». وحول سبب وجوده في دمشق، قال المصدر الإيراني: «هناك تقارير حول أنه كان من المقرر ان يلتقي خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحماس، لكي يبحث معه ما الذي يمكن فعله خصوصا بسبب آخر التطورات في غزة. بقي مغنية في دمشق نحو 20 او 25 يوماً، ومتقي (وزير خارجية ايران) كان مقررا ان يزور دمشق غدا (اليوم). كان متقي سيلتقي قادة من حزب الله وحماس في دمشق».

وتابع: «لماذا اغتياله الآن؟ هذا سؤال مهم جدا. كان مغنية شخصا ذا معرفة واسعة، وله باع طويل في تنسيق الجهود والتدريب وكان نشطا وذكيا جدا»، موضحا انه كما نشط أخيرا في كربلاء العراقية، فإنه كان مسؤولا عن تنسيق الجهود خلال حرب حزب الله واسرائيل ونشط في نقل أسلحة من سورية الى لبنان. وحول الاجراءات الامنية التي كان يتمتع بها مغنية في طهران، قال المصدر الإيراني: «ليست هناك اجراءات امنية خاصة في إيران. هناك احتياطات عمومية. فالاغتيالات في إيران تقلصت خلال السنوات الـ15 الماضية. يمكن ان تتحرك في طهران بأمان. يمكن طبعا ان تحتاج الى احتياطات امنية إذا ذهبت الى كردستان ايران او بلوخستان، لكن ليس في طهران، خصوصا ان لا أحد يعرف وجه او ملامح مغنية». من ناحيته، عبر عبد الحليم خدام، النائب السابق للرئيس السوري، من مقره في باريس, عن دهشته لوجود مغنية في دمشق. وقال خدام لـ«الشرق الأوسط»: في اتصال هاتفي من لندن «فوجئت لأني لم أكن اتوقع وجود مغنية في سورية، لكن تبين انه كان مقيماً هناك. وله مكتب في المنطقة التي تم فيها التفجير. كان ظني انه موجود في إيران، لكن على ما يبدو طبيعة العلاقات القائمة بين النظام في سورية وحزب الله وإيران أدت الى اقامته في سورية. هو من مؤسسي حزب الله ومن القادة التاريخيين، ومطلوب من جهات دولية متعددة ولذلك لم اتوقع ان يكون مقيما في سورية. فالنظام في سورية لا يستطيع ان يتحمل وجود شخص مطلوب من عدة جهات دولية. لكن على ما يبدو طبيعة علاقات التحالف بين سورية وإيران أدت الى وجوده في سورية، وان يتوفر له غطاء. كما أن طبيعة الوضع في المنطقة والتوترات الموجودة في لبنان كلها عوامل قد تكون وراء وجوده في دمشق. فعلى ما يبدو ان اقامته في دمشق ليست جديدة». وحول ملابسات عملية الاغتيال، قال خدام «عملية الاغتيال تطرح سؤالا كبيرا بصورة خاصة لأن مكان الاغتيال منطقة أمنية. هناك مكتب لأحد اجهزة الامن العسكري السوري. وهناك ايضا ادارة المخابرات العامة. لكن على ما يبدو كان هناك اجتماع، بحسب تقارير لم تتأكد حتى الآن، كان منعقدا في المدرسة الإيرانية، وكان هناك عدد من الاشخاص من بينهم مغنية وبعض المسؤولين الامنيين السوريين». ولم يتسن لـ"الشرق الأوسط" التأكد من هذه المعلومات. ورفض خدام التنبؤ بالجهة التي تقف وراء الاغتيال، موضحا «من الصعب ان يحكم الشخص على الجهة التي تقف وراء الاغتيال إذا لم يكن مطلعا على كل الظروف. فهل صحيح ان مغنية كان في اجتماع؟ وهل صحيح أنه كان هناك مسؤول أمني سوري كبير مشارك فيه؟ هل الاستهداف كان لهذا المسؤول الامني السوري، ام لمغنية؟. الإجابة عن هذه الاسئلة والمعلومات إذا توافرت تجعل الشخصَ يستنتج الجهة التي تقف وراء الاغتيال. لكن اذا افترضنا انه لم يكن هناك اجتماع مع مغنية، وكان في مكتبه او في سيارة بالطريق، فمن الطبيعي ان تتجه الانظار صوب اسرائيل. فهناك حجم كبير من الصراعات بينه شخصيا وبين حزب الله من جهة وبين اسرائيل من جهة اخرى. لكن لا بد من الانتظار حتى تتأكد الأنباء حول هوية المسؤولين الأمنيين السوريين في الاجتماع، وما إذا كان مسؤول امني سوري بارز قد جرح في الحادث ام لا؟. كل هذه تساؤلات مطروحة». قال خدام ان الاغتيال سيؤدي الى إرباك عمومي داخل حزب الله بدون ان يؤثر على نشاطاته. وتابع: «حزب الله لديه قيادات كفأة. عنده عدد من القياديين الكفوئين. طبعا اغتيال مغنية سيؤدي الى ارباك حزب الله وقيادة الحزب. لكن هذا لا يعني ان حزب الله شل». ونفى خدام ان تكون عملية الاغتيال مرتبطة بالخلافات التي نقلتها بعض التقارير داخل حزب الله. واضاف لـ«الشرق الأوسط»: «اغتيال مغنية ليست له علاقة بالخلافات داخل حزب الله، إذا كانت موجودة، وأنا بمعرفتي بحزب الله، اقول انه ليست هناك خلافات يمكن ان تصل الى صراعات. طبعا هناك اختلافات طبيعية بين الناس، فلا يمكن ان يفكر الجميع بنفس الطريقة، لكن بمجرد بروز اي خلاف جدي، مباشرة تتدخل المرجعية في طهران وتعالج الموضوع». وحول قدرة اسرائيل على تحقيق ذلك الاختراق الامني في دمشق، قال خدام «اسألوا دمشق هذا السؤال. فالأمن السوري يعتبر نفسه حاميَّ المواطنين والبلاد. فإسرائيل تعتدي وتشن غارات». وحول عدم اعلان التلفزيون السوري عن اغتيال مغنية إلا في ساعة متأخرة أمس، قال خدام «في سورية هم مربكون لأسباب كثيرة، لأنه ظهر عندهم مغنية وهم كانوا يقولون لكل المجتمع الدولي انه ليست لديهم معلومات عنه. وهم مربكون بسبب احتمال ان يكون هذا الاجتماع المفترض حضره مسؤول أمني سوري بارز، وقد تكون هناك اصابات، وبالتالي لا يعرفون كيف يتعاملون مع الخبر». من ناحيته، عبر صدر الدين البيانوني، المراقب العام للاخوان المسلمين السوريين، عن مفاجأته باغتيال مغنية. وقال البيانوني لـ«الشرق الأوسط»: «نستنكر الاغتيال بغض النظر عن الشخصية. فوجئنا بالاغتيال، خاصة في ظل الصمت السوري الغريب. التلفزيون السوري، كأنه لا علم له بالاغتيال.. لم ينقل الخبرَ، وواصل بث برامجه كالمعتاد. كل محطات العالم تغطي الخبر الا التلفزيون السوري». وتابع «المعلومات التي توافرت حتى الآن هي أن مغنية كان في لقاء مع مسؤول أمني سوري، وأن هناك انباء غير مؤكدة عن اصابة ذلك المسؤول». ولم يتسن لـ"الشرق الأوسط" التأكد من هذه المعلومات. وذكر البيانوني أنه لا يعرف سبب اجتماع مغنية مع المسؤولين الامنيين السوريين، كما لا يعرف متى غادر مغنية طهران وأتى الى دمشق. وتابع: «الاختراق الاسرائيلي معروف وغير مستبعد. لكن هل هناك تواطؤ مع شخصيات أمنية؟ جائز. كل شيء جائز». وفيما ادانت طهران الاغتيال وحمَّلت اسرائيل المسؤولية كان لافتا ان التلفزيون السوري لم ينقل الخبر اساساً، ونقل التلفزيون الإيراني عن المتحدث باسم الخارجية الايرانية، محمد علي الحسيني، ان ايران «تندد بشدة بالعملية الارهابية التي ادت الى استشهاد مغنية. وتعتبر هذه الفعلة مثالاً واضحاً للإرهاب المنظم للنظام الصهيوني». واعتبر الحسيني «ان معركة مغنية الذي أمضى حياته في كفاح المحتلين الغاصبين، ستسجل في تاريخ معركة الشعب ضد المعتدين الصهاينة».

ويأتي ذلك فيما قال مسؤول أميركي للموقع الإلكتروني لمجلة «تايم» الاميركية، ان مغنية توجه للعراق مرات عديدة من اجل تدريب الزعيم الشيعي مقتدى الصدر زعيم جيش المهدي.

وأوضح المسؤول الاميركي، الذي لا يستطيع الكشف عن هويته، ان أجهزة الاستخبارات الاميركية كانت تتعقب مغنية خلال الخمس سنوات الماضية في اربع عواصم دأب على التنقل اليها، وهي طهران وبغداد ودمشق وبيروت. والى جانب علاقاته الوثيقة مع حزب الله، فإن لمغنية علاقات وثيقة مع إيران. ووفقا للمسؤول الاميركي فإن مغنية رافق الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد خلال زيارة الى دمشق حيث التقى مع نجاد بالرئيس السوري بشار الاسد.

يذكر ان مغنية لم يكن يظهر ابدا للعلن، فمثلا لم يكن يلقي بخطب او محاضرات سياسية، ولم يقبل ابدا اجراء حوارات صحافية معه، حتى من قبل الصحف المحسوبة على التيار السياسي الذي ينتمي له.