اغتيال عماد مغنيّة يعيد إلى الواجهة «حرب الاستخبارات» مع إسرائيل

TT

لا يمكن وضع اغتيال عماد مغنيّة إلا في إطاره السياسي. فهو مطلوب من إسرائيل، كما هو مطلوب من اميركا مع جائزة 25 مليون دولار. لكن لماذا؟

قد يكفي ردّا على هذا السؤال، ان يعمد احدنا الى جمع عملياته العسكريّة والامنيّة ضد كلّ من إسرائيل واميركا وذلك منذ العام 1982، وحتى اغتياله. وإذا صحّت كلّ هذه الاتهامات، فقد يمكن وصفه بانه كان «سوبرمان» امنيّا وعسكريّا. وإذا كان قادرا على درء أخطار «الموساد» والـ«سي.آي.إي» عنه لهذه الفترة الطويلة، يمكن القول أيضا انه سيّد عمليّات الخداع، بالمفهوم العسكريّ والأمني بالطبع.

ولكن، لا يمكننا ان نعزل هذه الشخصيّة عن محيطها المباشر. فهو مع حزب الله، وهو مع إيران. وبما ان سورية هي ايضا مع ايران بالمعنى الاستراتيجي، فهو ايضا مع سورية حيث اغتيل.

وإذا كان مغنيّة هدفا ثمينا، فمن الطبيعي ان تكون التدابير الامنيّة حوله مهمّة. وإذا كانت نجحت الخطة الموضوعة لاغتياله، فمن الطبيعي ايضا القول ان المخطّط كان مميّزا وجاهزا ومعقّدا في الوقت نفسه، كون الشخصيّة المستهدفة كانت معقدّة في سلوكيّتها وفي نمط عملها.

وتميّزت العمليّة بامور ثلاثة مهمّة هي: المكان، التوقيت والتعقيد.

فالمكان هو في أأمن عاصمة عربيّة حيث تلمّ الاستخبارات بكلّ شاردة وواردة. إذا هناك خرق امنيّ، وهذا امر يحصل في كلّ زمان ومكان، فلا امن مطلقاً مائة في المائة. وفي أي حال يجب ان ننتظر لنعرف المزيد من المعلومات في هذا الاطار قبل القفز إلى الاستنتاج. فكيف وجد شخص بهذه «القيمة الامنيّة» وحده؟ وكيف زرعت العبوة في سيّارته؟

اما التوقيت، فلا يمكن حصره بمناسبة اخرى، مناسبة 14 فبراير (شباط) في بيروت مثلا. فالتخطيط عادة لعملية كهذه، ينتظر الوقت المناسب للتنفيذ. لقد اتت الفرصة في 13 شباط 2008، فكانت العمليّة، خاصة ان الهدف هو خبير امني ايضا، وقد لا تتكرّر المناسبة السانحة مرّة ثانية. فكان الاغتيال.

اما في ما خصّ التعقيد، فهو قد يعود إلى طبيعة الشخصيّة المستهدفة، كما إلى مكان التنفيذ. فالاستطلاع المفترض للعمليّة صعب ومعقدّ، كما ان تأمين المواد اللوجستيّة لها صعب ايضا، هذا عدا تأمين المنفّذ الذي من الطبيعي ان يكون متناسبا مع محيطه.

لقد خسر بالفعل حزب الله قياديّاً مهمّاً. منهم من اطلق عليه وزير دفاع الحزب. ومنهم من اطلق عليه قائد جيش الحزب، او حتى رئيس اركانه. وهنا، قد نسأل، ما هي المهمّة التي كان يتولاها فعلا مغنيّة؟ او ما هي المهمّة التي كان سيُكلّف بها مستقبلا؟ خاصة ان منجزاته، حسب حزب الله، كانت مميّزة عملانيّا، خاصة في حرب يوليو (تمّوز) 2006.

ولكن المفترض الا يظل حزب الله، بعد ربع قرن من تأسيسه، قائما على شخص واحد بحيث يعني سقوط هذا الشخص سقوط الحزب معه. فالحزب مؤسّسة لها ابعادها العسكريّة الامنيّة الاستخباراتيّة، عدا البعدين السياسي والاجتماعي. من هنا، يعتبر الحزب ان هذه الخسارة هي كبوة سيخرج منها. لكن الأكيد ان حرب الاستخبارات السريّة مع العدو الاسرائيلي تفجرت اليوم، حتى ولو اعتبر البعض ان استهداف سيّارة السفارة الأميركيّة قرب بيروت قبل اسابيع قليلة كان المؤشّر الاوّل لها. وإذا تفجرت حرب الاستخبارات فمن الاكيد ان الساحة اللبنانيّة، كما الحدود الجنوبيّة ستكونان مسرحي الصراع.

* عميد متقاعد في الجيش اللبناني وباحث استراتيجي