باكستان: الأحزاب الكبرى تحاول جذب الأقليات عشية الانتخابات النيابية

غالبية الأقليات الباكستانية تؤيد حزب الشعب واغتيال بوتو سينعكس سلبا على وضعها

TT

مع اقتراب الثامن عشر من فبراير (شباط) تاريخ اجراء الانتخابات البرلمانية في باكستان، لا تزال شعبية الرئيس برويز مشرف تنخفض، اذ بيّن ثالث استطلاع يجري هذا الاسبوع، أن معظم الباكستانيين يعتبرون ان رئيسهم يشكل عقبة في سبيل استقرار البلاد.

وفي هذه الاثناء، أعلنت الشرطة الباكستانية انها اعتقلت رجلين الاسبوع الماضي، أقرا امام المحكمة بانهما كانا في المكان، الذي اغتيلت فيه بوتو ووفرا المأوى للانتحاري الذي فجر نفسه في موكبها في منزل في روالبندي قبل ليلة من الهجوم. وتردد ان احد الرجلين قال للشرطة انه رغب في الانتقام لمقتل احد اصدقائه المقربين خلال هجوم شنه الجيش على المسجد الاحمر في عام 2007. وبين الاستطلاع الذي اجرته هيئة الاذاعة البريطانية (بي بي سي) الناطقة بلغة الاوردو، ان 64% من الباكستانيين يرون ان الاستقرار في البلاد سيتحسن اذا خرج مشرف من السلطة، فيما قال نحو سبعين بالمئة منهم انه يرغبون في استقالته. وقال نحو اربعين بالمئة انهم يعتقدون بان اجهزة الأمن الباكستانية او الاشخاص المرتبطين بها مسؤولون عن مقتل بوتو.

واظهر استطلاع للرأي اجري في وقت سابق من هذا الاسبوع، ان حزب الشعب الباكستاني سيحقق انتصارا كاسحا في الانتخابات التي تجري الاثنين المقبل. ومع ازدياد نشاط الحملة الانتخابية في المدن الباكستانية، تحاول غالبية الأحزاب السياسية الحصول على تأييد الأقليات الدينية، إلا ان غالبية هذه الاقليات تؤيد حزب الشعب الباكستاني بسبب سياساته المؤيدة للأقليات الدينية. وقال رئيس الأقليات الباكستانية، شاهباز باتي، ان اغتيال بي نظير بوتو سينعكس سلبا على وضع الأقليات في باكستان. ويقول البروفيسور رونالد برويز ان الاقليات تؤيد حزب الشعب الباكستاني لأنه يساند الهندوس في الانتخابات البرلمانية المقبلة، وان الحزب له تاريخ طويل في الوقوف إلى جانب الأقليات. هنا قراءة سريعة في وضع الاقليات الباكستانية عشية الانتخابات.

في جمهورية باكستان الاسلامية، التي تتمتع بأغلبية ساحقة سنية، لا يزال عدد الأقليات الدينية يشكل مسألة مثيرة للجدل. وتشير ارقام الحكومة الى ان العدد الكلي لسكان الجماعات الدينية مجتمعة هو اقل من خمسة ملايين. وتختلف الاقليات الدينية نفسها مع هذا الرقم، وتميل الى تضخيم عددها لزيادة اهميتها في الوضع السياسي في باكستان.

وخلال الاعوام الستين لوجود باكستان، ظلت الأقليات الدينية على هامش النظام السياسي. وقال رسول باسخ ريس بروفيسور العلوم السياسية في جامعة خاصة لـ«الشرق الاوسط»، انه «منذ البداية حدد القانون الباكستاني دوائر انتخابية منفصلة للأقليات، مما يعني ان تمثيلهم في الجمعية الوطنية ومجالس الأقاليم سيكون نسبيا، اعتمادا على عددهم وان منتسبي الأقليات هم الذين يقترعون لمرشحهم». وتغير هذا الوضع القانوني على يد الرئيس برويز مشرف، الذي سمح للأقليات أن تساهم في الانتخابات البرلمانية وتقترع في الانتخابات العامة، وفقا لما قاله البروفيسور ريس.

ويعتقد عموما ان الاصلاحات القانونية للرئيس مشرف لن تفيد الاقليات الا قليلا، ذلك انها ليست في وضع يمكنها من انتخاب مرشحيها من أي من المقاعد العامة في الانتخابات البرلمانية. وجرت خمسة انتخابات منذ عام 1985 بموجب الدوائر الانتخابية المنفصلة، التي لم تصوت فيها الأقليات الدينية للمرشحين الرئيسيين. وقال الدكتور ريس ان «أصوات الاقليات الدينية في الدوائر الانتخابية ذات المنافسة القوية يمكن أن تشكل فارقا وتغير التوازن لصالح مرشح أو آخر». والأرقام التي يطرحها منتدى الأقليات الدينية اعلى بكثير من العدد الكلي لسكان الاقليات، الذي تحدده الحكومة الباكستانية. وقال البروفيسور رونالد برويز ان «العدد الكلي للأقليات في باكستان يتراوح بين 11 الى 13 مليون نسمة». ووفقا لهذا التقدير تشكل الاقليات نسبة 8 في المائة من العدد الكلي لسكان البلاد. وتتألف من الطوائف الأحمدية والبهائية والبوذية والمسيحية والهندوسية واليانية والكالشية والبارسية والسيخية. غير انه بغض النظر عن المسيحيين والهندوس والسيخ والبارسيين لا تتوفر معلومات كثيرة عن الأقليات الدينية الأخرى المقيمة في باكستان. ووفقا لما قاله عادل نجم، المحلل السياسي، فانه كان هناك وقت عاشت فيه الجماعة اليهودية الصغيرة في كراتشي، مضيفا «انهم جميعا هاجروا الى اسرائيل في فترة الحرب العربية الاسرائيلية في أواخر الستينات». وهناك قليل من السيخ في مناطق القبائل وهم يتحدثون لغتين ولديهم علاقات وثيقة مع السيخ في أفغانستان. أما البارسيون فهم ابناء مدن ويعملون في المقاولات والتجارة ويقطنون في كراتشي ولاهور، مع وجود عوائل قليلة في مدن كبيرة أخرى.

وبغض النظر عن الأحمديين، فان كل الجماعات الدينية الأخرى مقتنعة بحالة غير المسلمين، التي منحها لهم الدستور والقانون الباكستاني عام 1976 بسبب معتقداتهم غير الاسلامية.

وتنتشر الاقليات الدينية، مثل الهندوس في السند، والمسيحيين في البنجاب الى حد كبير في مختلف انحاء البلاد، بدون أن يكون هناك تركز رئيسي باستثناء الهندوس في منطقة ثارباركر الحدودية في السند. وطبقا لآخر تعداد اجري عام 1998 كان عدد غير المسلمين 3.72 بالمائة من جملة سكان باكستان، وهم موزعون في كل أنحائها. وشهدت السنوات العشر السابقة ازدياد المنابر المشتركة للأقليات لدعم حقوقهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية. إلا أن ثمة منافسة صامتة بين المسيحيين والهندوس، إذ تسعى كل منهما لتأكيد انها الأكبر عددا. وقال مسؤول في وزارة الشؤون الدينية والأقليات ان ثمة تصورا عاما بأن المسيحيين يشكلون اكبر أقلية دينية في باكستان إلا ان ذلك، حسب تعليقه، ليس صحيحا طبقا لأرقام آخر تعداد سكاني تدل على ان الهندوس هم الذين يشكلون أكبر أقلية دينية في باكستان. وباستثناء عدد قليل من الهندوس لديه ممتلكات كبيرة في كراتشي، أكبر مدن باكستان، فإن غالبية الهندوس تعاني من التخلف الاقتصادي وتعيش في المناطق الريفية في إقليم السند.

من ناحية أخرى، يزعم المسيحيون الذين استقروا في المناطق الحضرية في باكستان انهم أكبر أقلية دينية في باكستان. إذ يقول البروفيسور رونالد برويز، وهو عضو بارز في الطائفة المسيحية وأستاذ للعلوم في واحدة من كليات إسلام آباد، ان المسيحيين يشكلون أكبر أقلية في باكستان، مؤكدا ان عدد المسيحيين يبلغ أكثر من خمسة ملايين نسمة. وتضم المدن الرئيسية في باكستان، بما في ذلك بيشاور ولاهور وكراتشي وحيدر آباد وروالبندي وكويتا، أعدادا كبيرة من المسيحيين الذين يعملون في مختلف المهن، مثل التدريس والعمل اليدوي والحقل الطبي والجيش وقطاع الخدمات. ويعتبر المسيحيون الأقلية الأكثر اندماجا في باكستان. وقال محلل سياسي بارز ان بطل الحرب سيسيل شودري باكستاني مسيحي، ووصل مسيحي باكستاني آخر إلى رتبة ميجور جنرال في الجيش الباكستاني. اما الهندوس، فهم أكثر الأقليات الدينية تخلفا من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية، إذ ربما ليس هناك شخصية هندوسية بارزة في باكستان باستثناء القاضي رنا باغوان داز، الذي وصل إلى مرتبة قاض في المحكمة العليا الباكستانية وتقاعد في الآونة الأخيرة. وباتت الطائفة المسيحية الباكستانية تتعرض لضغوط خلال السنوات الأخيرة عقب تزايد وتيرة الإرهاب الديني في المجتمع الباكستاني، إذ باتت الطائفة المسيحية الباكستانية عرضة للمضايقات خلال السنوات العشر السابقة، بعد ان بدأت مجموعات متطرفة استخدام قوانين الزندقة ضد مسيحيين باكستانيين. وفي هذه السياق قالت أسماء جيهانجير، رئيسة لجنة حقوق الإنسان، ان قوانين الزندقة تستخدم عادة ضد أفراد في الطائفة المسيحية، مؤكدة ان اللجنة وثقت كثيرا من هذه الحالات ضد مسيحيين باكستانيين.