قوات المارينز تعتبر مغنية مثال التطرف في استعمال العنف وتخفّيه ربع قرن مثالا على صعوبة القبض على المتطرفين

فيما تستعد للاحتفال بالذكرى الـ25 لاستهداف السفارة الأميركية في بيروت

TT

كان لانس كوربورال ادي ديماركو الناجي الوحيد الذي شاهد ما حدث.

كانت شاحنة كبيرة صفراء من طراز مرسيدس تدور حول مجمع قوات المارينز في بيروت، وتزداد سرعتها تدريجيا الى ان اصطدمت مباشرة بمبنى كانت تنام فيه كتيبة من قوات المارينز. وظلت تعبيرات وجه السائق تطارد ديماركو، الذي كان يتولى الحراسة في المبنى المكون من اربعة طوابق. وقال ديماركو «نظر الي.. وابتسم. وعندما شاهدت الشاحنة عرفت ما سيحدث».

وخلال ثوان، انفجرت الشاحنة المحملة بما يوازي 12 الف رطل من المتفجرات، في ما يعتبر اضخم انفجار غير نووي منذ الحرب العالمية الثانية، مما ادى الى مقتل 241 من القوات العسكرية الاميركية.

واستغرق الامر سنتين، الا ان الاستخبارات الاميركية ربطت الانفجار الذي وقع في عام 1983 بعماد مغنية، الطالب الفاشل الذي اصبح نموذجا لجيل من المتطرفين، المهندس الغامض لأضخم هجوم ضد هدف اميركي حتى 11 سبتمبر (ايلول) 2001.

ويقول بلال صعب الخبير في شؤون حزب الله في مركز سابان في معهد بروكينغز، «قبل فترة طويلة من اسامة بن لادن كان هناك عماد مغنية. فقد ابتدع الارهاب الانتحاري والعديد من التكتيكات المستخدمة الان على نطاق واسع من عديد من الجماعات عبر المنطقة».

وجهت الولايات المتحدة اتهاما ضد مغنية في عام 1985 – قبل ثلاث سنوات من تشكيل بن لادن لتنظيم «القاعدة».

وفي الوقت الذي تستعد فيه قوات المارينز للاحتفال بالذكرى الخامسة والعشرين للهجوم، يعلق الكولونيل تيم جيراغي قائد قوات المارينز انذاك، على مقتل مغنية بقوله «كانت سيارة مفخخة. ولكنها تأخرت عن موعدها». واضاف جيراغي «واقع انه كان لا يزال ناشطا، على الرغم من تخصيص مكافأة قيمتها خمسة ملايين دولار لرأسه، تظهر عبقريته في التستر على العمليات الارهابية وإدارتها طوال هذا الوقت».

وقد نجح مغنية في التخفي عن ملاحقة الاميركيين له طوال ربع قرن من الزمن، مثبتا بذلك صعوبة القبض على المتطرفين الذين يستهدفون الولايات المتحدة.

كانت معركة مغنية قضية عائلية، فقد بدأ الجهاد الاسلامي، نواة ما اصبح حزب الله لاحقا، في خطف الرهائن الاميركيين من شوارع بيروت في عام 1984، من اجل الافراج عن مصطفى بدر الدين، وهو زوج شقيقته. وكون الرجلان فريقا دمويا. وكان مغنية هو المخطط وبدر الدين خبير المتفجرات في عملية قوات المارينز وعملية انتحارية اخرى ضد السفارة الاميركية في بيروت، طبقا للمسؤولين الاميركيين انذاك. وقد طور بدر الدين بطريقة مميزة استخدام الغاز لدعم الانفجار الناجم عن مواد متفجرة متطورة.

وقد قبض على بدر الدين وحكم عليه بالاعدام في الكويت لمسؤوليته عن سلسلة من التفجيرات، من بينها تفجيرات ضد السفارتين الاميركية والفرنسية في مدينة الكويت، الا ان الولايات المتحدة والكويت قاوما مطالب الجهاد الاسلامي بالافراج عن 17 محتجزا أوقفوا في قضية الهجمات من اجل الافراج عن الاميركيين.

واستمرت ازمة الرهائن لسبع سنوات. وفي وقت من الاوقات قدمت ادارة ريغان اسلحة لإيران مقابل اقناع مغنية بالافراج عن الرهائن الثلاثة في عام 1986. وبعد استكمال الاتفاق خطف مغنية ثلاثة اميركيين اخرين. وانتهت الازمة بعدما غزا العراق الكويت في عام 1991 وفتح سجونها، وسمح لبدر الدين بالعودة الى لبنان. وفي وقت لاحق دفعت ايران لمغنية ثمن الافراج عن باقي الرهائن.

ويتذكر توماس سوذرلاند، المدير السابق للجامعة الاميركية في بيروت الذي احتجز في عام 1985، مواجهاته مع مغنية، الذي وصفه بأنه قصير القامة، ويداه ممتلئتان.

قال «التقينا مغنية بعد خطفي مباشرة. صافحته ورحب بي، وقال لي ان كل شيء كان جيدا، جيدا للغاية وسيتم الافراج عنا قريبا». الا ان الاكاديمي الاميركي ظل رهينة لمد 6 سنوات و5 شهور، وهو ثاني اطول احتجاز لرهينة اميركي.

وقد كسب مغنية مكانة في قائمة مكتب التحقيقات الفيدرالي كأكثر الارهابيين المطلوبين بسبب اختطاف طائرة تابعة لشركة «تي دبليو ايه» عام 1985. فخلال توقف الطائرة في بيروت اخذ الخاطفون غواصا في الاسطول الاميركي، هو دين ستيثان، الى باب الطائرة، واجبروه على الركوع، واطلقوا النار على رأسه والقوا بجثته على مدرج المطار. وجرى احتجاز الركاب وطاقم الطائرة لمدة اسبوعين قبل الافراج عنهم. وقد رعت مغنية ودربته قوات الحرس الثوري (الايراني). واصبح مغنية الرابطة بين حزب الله وطهران. وكان فاعلا في تشكيل وحدات حزب الله العسكرية في جنوب لبنان قبل حرب 2006 مع اسرائيل. ونجح انذاك في اقناع ايران باستئناف مد الحركة الشيعية بصواريخ طويلة المدى، طبقا للاستخبارات الاميركية.

لقد ابتهجت القوات الاميركية بمقتل مغنية وذكر البنتاغون انه شارك ايضا في نسف ابراج الخبر عام 1996 في السعودية، التي تسكن فيها قوات عسكرية اجنبية في مدينة الظهران، وهو ما ادى الى مقتل 19 جنديا اميركيا.

وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع جيف مورل «نرحب بنبأ بلوغ حياة عماد مغنية الارهابية نهايتها. فمن بيروت الى الظهران، نظم تفجيرات وخطف واختطف طائرات ادت الى مقتل مئات من القوات الاميركية. ونأمل في ان يتسبب نبأ موته ببعض مشاعر الارتياح بين أسر العسكريين الذين قتلهم».الا ان مشاعر بعض أسر قوات المارينز متعارضة. فقد قالت زوجة لاري غرلاتش ـ وهو كولونيل متقاعد في المارينز ادت اصابته في عام 1983 الى شلل كامل «رد الفعل المبدئي انه امر جيد. ولكن يتبين لك ان من تتحدث عنه هو شخص مات في تفجير سيارة ... ولا تريد الشعور بالسعادة بخصوص مثل ذلك الامر»، الا ان زوجها قاطعها «ولكنني لا اتخلى عن ذلك الشعور».

خاص بـ «الشرق الأوسط»

*خدمة «واشنطن بوست»