بيلاوال بوتو لـ «الشرق الأوسط»: والدي لا يخبرني شيئا.. لا يريد أن يشتتني عن الدراسة

حقيقة تكشف للمرة الأولى: بوتو لم تسم ابنها لخلافتها في وصيتها بل سمّت زوجها

TT

كان الطالب الجالس على مائدة الطعام في مطعم بمدينة أوكسفورد الانجليزية، مثله مثل أي طالب آخر: حسن المظهر، يضع نظارات، ويتحدث عن الضغوط التي يتعرض لها بسبب المهام المكلف بها. ومن وقت الى آخر ينظر خلفه بطريقة تنم عن التوتر، لمعرفة ما اذا كان هناك مصورون صحافيون.

عندما عاد الى المجمع السكني قال: «سيارات الشرطة هنا. يظهرون عدة مرات في اليوم للتأكد من أنني بخير». وكان ذلك هو الدليل الوحيد على اختلاف هذا الطالب. بيلاوال، الابن الوحيد للزعيمة الباكستانية الراحلة بي نظير بوتو، الذي اصبح خليفتها وزعيما لحزب الشعب الباكستاني.

ولكن كيف يمكن لشاب في التاسعة عشرة من عمره، عاش نصف حياته في دبي، أن اتخذ قرارات تتعلق بمستقبل باكستان؟ هذا السؤال مطروح في وسائل الاعلام الباكستانية منذ اغتيال بوتو. الا ان زوج الزعيمة الراحلة عاصف علي زارداري، أرسل ابنه الى جامعة اوكسفورد البريطانية وبدأ في ادارة شؤون حزب الشعب الباكستاني.

وأثارت هذه التطورات العديد من التساؤلات السلبية، حول زارداري، وأعادت مجددا الى الاذهان قضايا الفساد التي ارتبطت به أثناء تولي زوجته السلطة في باكستان، السنوات التسعة التي قضاها في السجن والقضايا التي لا تزال عالقة ضده.. في حين وجد بيلاوال نفسه في موقع صعب يمنعه من أن يعيش حياته كأي شاب في عمره، وأجبره على التفكير عشرات المرات قبل أن يقرر الخروج مع أصدقائه الى العلن.. كل ذلك لأن والدته أرادته أن يخلفها على تولي رئاسة حزب الشعب. ولكن هل هذا الامر صحيح، وهل فعلا أرادت بي نظير بوتو، أن يخلفها ابنها على رئاسة الحزب؟

في الواقع، وهذه حقيقة تكشف للمرة الاولى، لم تسمّ بي نظير بوتو في وصيتها ابنها بيلاوال ليخلفها على رأس الحزب، عكس ما هو شائع وما يروّج له. فهي سمّت زوجها علي آصف زرداري. وبعد دفن بوتو، اطلعت شقيقتها سنام على الوصية من زارداري التي علم فورا ان الباكستانيين لن يتقبلوه كرئيس لحزب الشعب، بسبب صورته السيئة المطبوعة في أذهانهم. فبدأ التفتيش عن حلّ مقبول، عبر اقناع سنام الفرد الوحيد المتبقي على قيد الحياة من عائلة بوتو، الا انها رفضت. ثم جاءت الفكرة اللامعة، بتسمية بيلاوال الشاب الذكي والوسيم. ولكن المشكلة الوحيدة كانت انه لا يحمل كنية والدته. فتم استدراك الأمر فورا، وأصبح اسمه بيلاوال بوتو زاريداري. وهكذا وُلد القائد.. وكان القائد جالسا على الطاولة أثناء المقابلة يتناول الهامبورغر والبطاطس المقلية. وقال: «أتمنى لو ان وسائل الاعلام لا تنشر كل هذه الأكاذيب.. امر يثير الضيق. اعرف بوجود عدد من مصوري البابارتزي والصحافيين في اوكسفورد. يحاولون الحديث مع اصدقائي.. عندما عدت الى الجامعة عقدت مؤتمرا صحافيا قصيرا. ولذا تركوني وحيدا..».

الا ان الصحافة لن تتركه وحيدا بعد الآن. هو يقول انه يحب الحياة في جامعة اوكسفورد. فهي نوع من الملاذ بعد الوفاة المأساوية لأمه. بعيدا كل البعد عن باكستان، البلد التي من المفروض أن يقودها، ولكنه نادرا ما عاش فيها. ويوضح: «ادرس التاريخ. نركز الآن على القرن التاسع عشر. دراسة مكثفة. من المفروض أن أدرس لمدة 9 ساعات يوميا. ولكني في الأيام القليلة الماضية نادرا ما درست اكثر من ساعتين الى ثلاث ساعات يوميا».

وتطرق الحديث الى خلافة خالته لأمه. لكنه نفي ذلك بشدة. «لا تريد أن تقحم نفسها في السياسة. هذا شيء جيد، على الاقل سيبقى أحد من عائلتي على قيد الحياة».

لم يعط بيلاوال أي تعهد بأنه سيدخل عالم السياسة حين ينهي دراسته، على الرغم من الحصول على وعود بمساعدة أبيه حتى يتسلم قيادة الحزب. وقال: «لدي غرفتي الخاصة. بدون رفيق. لكن لدي أصدقاء». وانتقل الحديث عن الانتخابات الاميركية، وبدا بيلاوال متحمسا لفوز أول سيدة بالمنصب وقال: «اريد فوز هيلاري كلينتون في الانتخابات. نحن بحاجة إلى امرأة رئيسة للولايات المتحدة. أصبح الوقت مناسبا لوصول امرأة إلى البيت الأبيض».

ويعود الحديث عن حزب الشعب الباكستاني، يقول: «أنا لا أتابع ما يجري. والدي يريدني أن أدرس فقط. إنه لا يريد أي شيء يشتت تركيزي عن الدراسة. وهو لا يخبرني عن أي شيء آخر».

وحين انتهينا من العشاء، اتصل أبوه به هاتفيا فأجاب بيلاوال مطمئنا إياه عن حاله. لم تتجاوز المكالمة أكثر من ست ثوان. أبوه غير المعتاد على إدارة الحزب متعب جدا. فهو يلتقي بعدد كبير من الأشخاص كل يوم. لكن بيلاوال لا يبدو محرجا لقصر مكالمته مع أبيه الذي قضى نصف عمره في السجن، ثم أقام في نيويورك بعيدا عن عائلته في دبي. ويبدو أن هذا أقصى ما يمكن ان تكون عليه العلاقة بينه وبين أبيه.

وتعليقا على ما قاله والده حول الانتخابات «إذا فزنا أخسر وإذا خسرنا.. لا نستطيع أن نغير كثيرا.. »، صرخ بيلاوال قائلا: «إذا كان هو هناك فهو كي يفوز. يجب علينا أن نفوز! من أجل ذكرى امي، ومن أجل الحزب، ومن أجل الوطن. يجب أن يفوز بهذا الانتخابات!!!».

حينما كانت أمه على قيد الحياة ظل على اتصال مستمر بها كلما سافرت. وقال: «كنا نتكلم دائما هاتفيا كل يوم في السابعة مساء. كانت لا تألو جهدا في التكلم معي ومع اختيّ لمدة ساعة يوميا». تغير ملامح وجهه حينما تكلم عن مدى تنظيمها، وكم كان عالمه منظما. وهو يريد اليوم أن يكون والده اقل اعتمادا على المستشارين والمساعدين. «والدتي كانت تستخدم البريد الالكتروني مباشرة،. كانت لديها طريقتها الخاصة بها للتواصل مع الكل متى ما أرادت».

ولكن بينما كنت أنا حريصة عند الحديث عن أمه، بدا هو مرتاحا أكثر، وكان يتحدث عن امه بصيغة الماضي. فهل تأقلم بهذه السرعة، أم أنه ابن عائلة سياسية تعيش في محيط قاس؟