حرب الشوارع المتنقلة في بيروت تترجم حالة «الطلاق السياسي».. بأداء ميليشيوي

خطوط تماس جديدة يرفض اللبنانيون الاعتراف بها

TT

«بربور»، «البسطة»، «الخندق الغميق»، «طريق الجديدة»، «زقاق البلاط»، «حي اللجا» وأخيرا «رأس النبع».. هذه الاحياء التي تقع في غرب بيروت، هي خطوط التماس الجديدة لحرب الشوارع التي لا يزال اللبنانيون يرفضون الاعتراف بأنها واقع غير معلن، نتج عن «الطلاق السياسي» البائن بين قوى الاكثرية والمعارضة. كل الاسباب صالحة للاحتكاك بين محازبي «تيار المستقبل» ومحازبي حزب الله وحركة أمل. خلاف على خلفية صورة يكفي لغزوات متبادلة بين «الطريق الجديدة» (معقل تيار المستقبل)، و«بربور» (معقل حركة أمل)، كما حصل عندما نزعت الرياح صورة رئيس مجلس النواب نبيه بري. الصورة كانت معلقة على أحد الأبنية في كورنيش المزرعة لجهة «الطريق الجديدة». حاول شباب الحركة استبدالها بأخرى، لكن شباب «المستقبل» كانوا لهم بالمرصاد. انسحب «الحركيون» من موقع الصورة، ليعاودوا المحاولة عند منتصف الليل، وتتم مواجهتهم بالأسلوب ذاته. لم يتغير الأمر عند الساعة الرابعة فجرا. حينها بدأ تبادل الشتائم الذي تحول الى مناوشات وتطور الى اشتباك محدود بالأيدي والحجارة. فسارعت قوة من الجيش الى التدخل، وتمكنت من إعادة الوضع الى حاله وتفريق الطرفين، وان لم تعد الصورة الى مكانها.

صورة الرئيس الراحل رفيق الحريري شكلت منذ حوادث يناير (كانون الثاني) 2007 سببا لمناوشات أمنية كان آخرها عند مدخل «بربور»، وذلك إثر إقدام بعض الشباب بتمزيق صورة الحريري فور تعليقها في الساعة الخامسة صباحا، عندما سعى شباب الحركة الى الثأر لمنعهم من تعليق صورة بري عند الجهة المقابلة للكورنيش، الأمر الذي أدى الى اشتباكات بالحجارة، ما استدعى ايضا تدخل القوى الامنية.

ولعل أعنف اشباكات وقعت أيضا على خلفية لصورة الحريري في منطقة البسطة، الضيقة أزقتها والمحسوبة على الغالبية السنية عامة و«تيار المستقبل» تحديدا. فقد تم غزو الصورة وإحراقها أكثر من ثلاث مرات، لتعود وترتفع في حماية الآليات العسكرية الضخمة التي احتلت المفارق وتقاطعات الطرق، واضطرت القوى الأمنية ذات غزوة الى إقفال المنطقة ومنع الدخول اليها أو الخروج منها.

الاسم قد يتسبب أيضا بمواجهات، كما حصل قبل يومين، عندما عمد بعض الشباب الى اقتحام «معرض الحريري لبيع السيارات» على الشارع الرئيسي لمنطقة «رأس النبع» وتحطيم ما وصلت اليه أيديهم، فقط لتحاملهم على الاسم. ولم يتوقف الشباب عند احتمال أن يكون صاحبه شيعيا، علما ان عائلة الحريري تجمع السنة والشيعة. وفي حين تخفي المصادر الأمنية أكثر مما تعلن، يؤكد أهالي هذه المناطق أن المشكلات الأمنية تحصل بشكل شبه يومي وبدرجات عنف متفاوتة. وذلك بسبب التداخل الديموغرافي الواسع بين أبناء المذهبين السني والشيعي. عدة الاحتكاك تبدأ بشتيمة وتتطور الى تلاسن فتراشق بالحجارة. واذا لم تتدخل القوى الأمنية يدخل على الخط السلاح الأبيض وبعده الأسلحة النارية.

وتحتدم المشكلة كلما نظمت الموالاة أو المعارضة تحركا شعبيا. حينها تصبح المواجهات أمرا لا مفر منه. وآخر هذه المواجهات جاء إثر أحياء الاكثرية الذكرى الثالثة لجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. فالحشود في ساحة الشهداء في وسط بيروت، لم تصرف اهتمام القوى الأمنية عن متابعة ما يجري خارج الساحة. وقد أوضحت مصادر الجيش اللبناني ان القوى الأمنية الموجودة في مناطق البسطة ورأس النبع وبرج أبو حيدر منعت حصول مواجهات بين الفريقين، وذلك بالتعاون مع المسؤولين المحليين والسياسيين الذين عملوا على تهدئة النفوس ومنع تحول الاحتقان إلى عراك. وأكدت هذه المصادر ان ليل الأول من أمس شهد عمليات كر وفر من قبل بعض الشبان الذين اقتحموا مراكز حزبية مختلفة وكسروا زجاج بعض الأبنية والمحال. كما أن مجموعة من الشباب عمدت الى تحطيم الواجهة الزجاجية لمخفر قوى الأمن الداخلي في البسطة، اضافة الى السيارات العسكرية التابعة للمخفر ما اضطر عناصره الى الانكفاء عن الشارع العام الى داخل المبنى. وأجريت اتصالات لتطويق الاعتداء على المخفر، وذلك بعد تدخل وحدة من مغاوير الجيش ليفر المعتدون.

عبارة «مجموعة من الشباب» تبقى الطاغية على البيانات الرسمية الامنية التي تشير عادة الى ان المسؤولين في حركة أمل وحزب الله ينفون علاقتهم بهذه «المجموعة من الشباب» ويؤكدون ان لا غطاء سياسياً لها، ويطلبون اعتقال أفرادها وسوقهم الى التحقيق. لكن على الأرض، وفي الأحياء، الناس تعرف بعضها. تعرف أيضا أن عناصر الشغب لا تتغير، الى أي جهة انتمت. وهذه العناصر أصبحت تشكل ميليشيات محليّة في الاحياء. وهي بغالبيتها محمية من الأحزاب السياسية التي تتقاسم الشارع البيروتي، والتي تستخدمها عندما تدعو الحاجة. الا ان هذه الميليشيات التي تضم عاطلين عن العمل تعمل لحسابها تحت حجة «الحماية». وفي حين لا يعمد أفرادها الى التعرض لأهالي المنطقة، فإنهم لا يتورعون عن مضايقة الغرباء، لا سيّما العمّال الأجانب والضعفاء، وتحديدا على اساس طائفي حسب انتماءاتهم المذهبية.

وتفيد بعض المصادر ان «طابورا خامسا» يحرك هذه الجماعات ويمولها ويورط فيها الاطراف السياسية كافة. ففي «الطريق الجديدة» يشير الاهالي الى أن أحد المعروفين بتعاونه مع المخابرات السورية، أصبح فجأة من الغيارى على مصلحة «الشيخ سعد» (الحريري) و«تيار المستقبل» وجمع حوله ميليشيته الخاصة التي تقوم بنشاطاتها تحت غطاء التيار.

في المقابل، يؤكد مسؤولون في حزب الله أن محازبيهم لا يمكن أن يقوموا بأعمال استفزازية أو مخلة بالأمن، لأن هذه الأساليب لا تدخل أدبياتهم النضالية والسياسية. لكن باسم الحزب ترتكب المخالفات الأمنية. وفي حين تنسب المشاغبات تلقائيا الى عناصر حركة أمل، انطلاقا من أن عناصر حزب الله منضبطون، يقول أحد شباب الحركة لـ«الشرق الأوسط»: «الامر غير صحيح. القيادة أصدرت قرارا منعت بموجبه أي حركي من الانجرار الى الاشتباكات في الشارع. لكن يبدو ان من يريد اشعال فتيل الحرب الأهلية، يستخدم اسمنا ليوتر الأوضاع الأمنية».