راوول كاسترو العسكري مهندس السياسة الكوبية المتحمسة لليبرالية

انتخابه المحتمل سينهي عهد عبادة الشخصية

TT

كان راوول كاسترو يعمل دائما من وراء الستار في الحياة السياسية الكوبية. الا ان سجله العام، الذي اتضح عقب توليه منصب الرئيس المؤقت قبل 19 شهرا، يشير الى انه ربما يسعى الى تطبيق اصلاحات للسماح بمزيد من الحرية السياسية والاقتصادية في الجزيرة.

ويبدو ان راوول البالغ من العمر 76 سنة، والذي يتميز بالخشونة وعدم الشعور بالارتياح وسط الأضواء يستعد لوضع حجر الاساس لمزيد من اعادة هيكلة الاقتصاد الكوبي منذ توليه مهام الرئاسة من شقيقه المريض فيدل في يوليو 2006.

وقد سخر علنا من المزارعين الكوبيين لفشلهم في زراعة الاراضي الخصبة، وعقد ندوات عامة للمواطنين لانتقاد الحكومة وإطلاق اصلاحات لتبسيط البيروقراطية الكوبية، ولاسيما تلك المتعلقة بتوزيع المواد الغذائية على الكوبيين الذين يواجهون نقصا مستمرا.

وإذا ما اختاره البرلمان الكوبي المنتخب حديثا في انتخابات الرئاسة المقررة يوم الاحد فمن المؤكد ان راوول سيرأس حكومة تعتمد اكثر على اسلوب القيادة الجماعية اكثر من اعتمادها على الشخصية. وراوول، وهو شخصية عسكرية اساسا، يشتهر بقدراته التنظيمية اكثر من الكاريزما.

وقال الجنرال الاميركي المتقاعد باري ماكافري الذي التقى راوول في هافانا عام 2002 «يذكرني بسير جنت ميجور في الفرقة 82 المحمولة جوا. فهو خشن وواثق من نفسه. هو جندي».

وهناك فرصة ضئيلة في احتمال اختيار المجلس لواحد من شخصيتين مفضلتين ايضا لدى فيدل كاسترو ـ وزير الخارجية الصغير والايديولوجي فيلبي بيريس روك، أو نائب الرئيس الأكبر سنا والتكنوقراطي نائب الرئيس كارلوس ليدج. وقد ساعدا راوول على ادارة شؤون البلاد منذ مرض كاسترو.

وتجدر الإشارة الى ان راوول عمل، طوال 12 سنة الماضية، على دفع عجلة الاصلاح التي كان شقيقه مترددا في تبنيها، الى ان سقط الاتحاد السوفياتي اكبر داعم مالي لكوبا.

وقد بدأ راوول نشاطه الاصلاحي ببطء فقد سمح في البداية بالملكية الخاصة لأسواق الطعام. ثم خفض راوول الذي كان وزيرا للدفاع منذ عام 1959 حجم الجيش. وحول عددا من جنرالاته الى رجال اعمال لكي يتمكنوا من ادارة امبراطورية سياحية شيدها بعدما اقنع شقيقه بالسماح بالاستثمارات الاجنبية. ويسيطر الجيش على تجارة السياحة ويعقد اتفاقات شراكة مع الفنادق الاوروبية. وفي خطوة واضحة على الابتعاد عن نهج شقيقه، أثار راوول مفاجأة في عام 1994 عندما كان الكوبيون يفرون من البلاد. فقد صعد الى المنبر لتهدئة السكان الذين كانوا يعانون للحصول على غذاء بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. وقال في خطاب في كوبا «البقول اكثر اهمية من المدافع».

واصبح الشعار المختصر أهم شعاراته. وفجأة اعترفت البلد التي كانت تعتبر نفسها محاصرة، ان تغذية سكانها اهم من بناء جيشها.

وبدأ تدفق دولارات السياح للمساهمة في تخفيف الأزمة، الا ان راؤول اختفى عن الاضواء مرة ثانية، وظل شخصية غامضة بالنسبة للعالم الخارجي والشعب الكوبي الذي يقوده الان ـ وهو معروف بأنه شخصية عملية ورجل اسرة يحتسي الويسكي مع جنرالاته ويعطف على اولادهم، وهو كما وصف نفسه ذات مرة «راوول الرهيب» جلاد الثورة.

ويتذكر المؤلف الكوبي نوربرتو فيونتي ان راوول قال له قبل سنوات «احب تحريك خيوط المؤامرة».

ولعب راوول دورا اساسيا في تشكيل وقيادة قوة حرب العصابات الاسطورية في جبال سيرا مايسترا، وهي القوة التي غزت كوبا عام 1959. وكان اكثر اخوة كاسترو ايمانا بالماركسية اللينينية وسافر فيما بعد للاتحاد السوفياتي لقيادة المفاوضات التي أحضرت اسلحة نووية الى الجزيرة وتسببت في ازمة الصواريخ الكوبية عام 1962.

وإذا كان فيدل قد تمتع بشهرة عالمية فإن راوول كان وراء تحويل تلك القوى التي تسودها الأمية إلى أكثر المؤسسات كفاءة في كوبا. وإلى الآن لم يتخل إلا نادرا عن الملابس العسكرية.

وفي يوليو الماضي ظهر راؤول باعتباره رئيسا مؤقتا أمام حشد كبير في مدينة كاماغوي، حيث أكد أنه يريد إجراء اتفاقات مع «أصحاب مشاريع جادين» من بلدان أخرى. كذلك أطرى على «النموذج الصيني» الذي سمح للمشاريع الخاصة أن تزدهر مع إبقاء سيطرة سياسية استبدادية بيد السلطة. وتلك المشاريع الجديدة قابلة لأن تسمح للكوبيين الذين لا يكسبون اكثر من 30 دولارا في اليوم كي يكسبوا مالا إضافيا للطعام أو لإصلاح بيوتهم المتهالكة.

وقال خوزيه ايغناسيو روخاس سفير المكسيك في كوبا، في مقابلة جرت معه في هافانا في ديسمبر 2006: «سيحقق تغييرات تدريجية بشكل نظامي جدا».

كطبيب اطفال، من حيث المهنة والتدريب، يدير ليدج اقتصاد كوبا منذ فترة طويلة وظل بعيدا عن الأضواء. وهو معروف بهدوئه وقدرته على إدارة السياسات الداخلية.

وقالت آن لويس بارداش مؤلفة كتاب «اسرار كوبا» وكتابها القادم «من دون فيدل» في مقابلة «هو واحد من الشخصيات القليلة في كوبا الذين يتماشون مع كلا الخطين المتشددين والإصلاحيين».

وليدج هو عنصر قوي إضافة إلى راوول في مجال الإصلاحات الاقتصادية التي تسمح بنمو قطاع خاص وبالاستثمارات الاجنبية في منتصف التسعينات حسبما قال فيليب بيترز، الاختصاصي بشؤون كوبا في معهد ارلينغتون في فرجينيا.

أما فيليبي بيريز روك فقد صعد إلى السلطة بعد أن أصبح المساعد الشخصي لفيدل حيث عينه وزيرا للخارجية في سن 34. وبعكس ليدج لا يتكلم أبدا للإعلام وقدم عددا من التصريحات النارية حول صحة فيدل خلال الأيام العسيرة التي تلت الإعلان عن مرضه.

وهو معروف بإخلاصه لسياسات فيدل ولذلك ظل موضع مراقبة بحثا عن مفاتيح.

وقام بيريز روك بظهور مفاجئ قبل عدة أسابيع في اجتماع محلي حيث قال إن نظام العملة المزدوجة لكوبا ـ العمال يكسبون أجورهم بالبيزو الذي لا يمتلك نفس القوة كعملة مع تلك التي يستخدمها السياح وأعضاء من النخبة الكوبية ـ يخلق «ظروف حياة قاسية والكثير من عدم المساواة». وأثارت تصريحاته جملة من الشائعات التي تتحدث عن الإصلاحات القادمة.

وبينما قد تكون هناك بعض التغييرات مع خروج فيدل من الحكم فإن الكاتب الكوبي فوينتس الذي هو صديق قديم لكلا الأخوين كاسترو، يرى أن هناك شيئا واحدا سيظل بلا تغيير في حكم راوول وهو العداء القديم للولايات المتحدة. وفي مقابلة جرت معه الأسبوع الماضي تذكر فوينتس زيارة قام بها لراوول والذي تكلم عن السرير الذي ينام عليه والذي يعود إلى فولجينسيو باتيستا الدكتاتور الذي تمت الإطاحة به على يد الثورة التي قادها كاسترو. ويتذكر فوينتس قول راوول: «عليك أن تأخذ كل شيء من أعدائك حتى أسرَّتهم».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الاوسط»