السنيورة: فتح الإسلام «نبتة جانبية» لفتح الانتفاضة.. وسورية لم تزودنا بالذخيرة خلال معارك نهر البارد

في دردشة مع الصحافيين طغى النفس الشعري فيها على «النثر» السياسي

TT

لقاء رئيس الحكومة اللبنانية، فؤاد السنيورة، مع مجموعة محدودة من الصحافيين اللبنانيين في فندق دورشستر في لندن، مساء أول من أمس، تحول إلى ندوة أدبية شعرية «دخلتها» السياسة دون أن تفسدها كما جرت العادة، خصوصا أن السنيورة كان مرتاحا لنتائج مقابلته، في اليوم نفسه، لرئيس الحكومة البريطانية، غوردون براون، ووزير خارجيته، ديفيد ميليباند، اللذين أكدا له استمرار بريطانيا في دعم المسألة اللبنانية في المحافل الدولية. ذاكرة الرئيس السنيورة وذكرياته عن الحياة السياسية في لبنان تجليتا على أحسن وجه في لقاء «الدورشستر» ليثيرا تحسر الحضور على زمن انحدر فيه الأدب السياسي في شوارع بيروت إلى مستوى الإسفاف.

تردي الخطاب السياسي في لبنان لم يغب عن مآخذ السنيورة على لهجة أحزاب المعارضة وممارساتها التي لم توفر إساءة إلا وألحقتها بحكومته وبالأكثرية البرلمانية معا، وتحديدا لغة التخوين التي تعتمدها والقائمة على قاعدة «من ليس معنا هو خائن» ـ وهو منطق كان سائدا في القرون الوسطى ولا يصح في الأنظمة الديمقراطية... هذا فيما لم يخرج رئيس الحكومة يوما عن أدب التخاطب السياسي الهادئ.

ظرف السنيورة وبلاغته لم ينسياه هموم لبنان، ورغم أنه حاول إعطاء صورة تفاؤلية عن حتمية انتخاب العماد ميشال سليمان رئيسا للبلاد فقد اعترف بأنه لا يعرف متى سيتم هذا الانتخاب. يتمسك السنيورة بالمبادرة العربية إطارا وحيدا للتسوية بصرف النظر عما يشاع عن معارضة واشنطن لها، ويعتبر أن انتخاب الرئيس سليمان «إنجاز أساسي» للدولة، إذ أن من شأنه أن يوجد «مرجعا وحكما» للدولة يستطيع أن يلعب الدور المطلوب لتحفيز عملية الحوار الداخلي، إضافة إلى أن النجاح في انتخاب الرئيس من شأنه أن يخلق «قوة زخم» ( momentum) لإعادة إحياء مؤسسات الدولة. ويعتبر السنيورة العماد ميشال سليمان أفضل مرشح توافقي للرئاسة اللبنانية ولا يغفل عن ذكر ما يتمتع به من صفات «إنسانية» ويذكر بأنه مر بامتحانين دقيقين أثبتا حزمه وتجرده؛ الامتحان الأول كان أسلوب تعامله مع أحداث مخيم نهر البارد، والثاني رفضه الدخول في «صفقات» سياسية جانبية مع بعض جهات المعارضة.

وفي هذا السياق، وردا على سؤال من «الشرق الأوسط»، نفى الرئيس السنيورة نفيا قاطعا ما تردد عن أن سورية أمدت الجيش اللبناني ببعض الأسلحة وبالذخيرة خلال معارك «نهر البارد». وفيما أشار إلى وجود اتفاقات تعاون بين لبنان وسورية أكد أن سورية لم تزود الجيش اللبناني «لا بالسلاح ولا بالذخيرة» خلال المعارك، وان المساعدات التي تلقاها الجيش في تلك الفترة جاءت من عدد من الدول العربية والصديقة.

وتعليقا على موضوع تسلح «فتح الإسلام» وتسللها إلى مخيم نهر البارد أكد السنيورة أن «فتح الإسلام» ليست أكثر من «نبتة جانبية» (offshoot) لـ«فتح الانتفاضة» بل وريثتها العملية في كوادرها وسلاحها، الأمر الذي يطرح تساؤلات عن الجهة التي رعتها.

رغم أن لقاء الرئيس السنيورة في «الدورشستر» ضم مجموعة من الصحافيين اللبنانيين، لم يستطع أي منهم مجاراته في قدرته على ذكر الآيات القرآنية عن «ظهر قلب» ـ كما يقال في لبنان ـ ولا سرد الأبيات الشعرية التي تعزز روايته السياسية غيبا، سواء كان قائلها شاعرا حديثا مثل سعيد عقل أو شاعرا عربيا قديما. ولم تكتمل الجلسة دون نكات سياسية المغزى برع السنيورة في سردها بظرفه المعهود ومغزاها الظاهر.

على صعيد التنكيت السياسي لم يقصر الصحافيون في الإدلاء بدلوهم وربما كانت النكتة الأنجح تلك التي استأذنت إحدى الزميلات الرئيس السنيورة بروايتها كونها تتهم إصلاحات حكومته الاقتصادية بمفاقمة موجة الغلاء في لبنان، فرحب السنيورة بذلك وضحك كثيرا للنكتة التي تقول إن أحد صيادي الأسماك في صيدا (مسقط رأس الرئيس السنيورة) اصطاد سمكة وأخذها مسرعا إلى منزله ليطلب من زوجته أن «تقليها» له بالزيت فاعتذرت عن ذلك لان الغلاء حال دون مشتراها للزيت، فقال لها «إذن أشويها» فردت أن ذلك يتطلب غازا وهي لم تشتر غازا منذ الارتفاع الحاد في أسعاره. عندئذ قال لها زوجها «اسلقيها بالماء» وأمرنا لله فأجابت: وكيف أفعل ذلك والماء مقطوعة عن بيتنا؟

عندها استشاط الرجل غضبا على الوضع المعيشي فرمى السمكة في البحر... ولكن السمكة، قبل أن تسقط في الماء، هتفت بأعلى صوتها «عاش السنيورة عاش».