مصادر فرنسية رفيعة: أزمة لبنان بالغة الخطورة وعلينا ألا نصاب بالهلع بسببها

TT

فيما وصل رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة الى باريس بعد ظهر أمس، المحطة الثالثة في جولته العربية والأوروبية، أكدت مصادر فرنسية رفيعة ان فرنسا تريد أن توفر له الدعم الكافي للاضطلاع بكل مهماته باعتباره «يمثل الشرعية والديمقراطية في لبنان». ودعت هذه المصادر الى التحلي برباطة الجأش «وتفادي الشعور بالهلع لأن الوضع متأزم في لبنان».

وقالت الخارجية الفرنسية في بيان رسمي لها أمس إن الزيارة ستوفر الفرصة لفرنسا لإعادة تأكيد دعمها الاقتصادي والسياسي لحكومة السنيورة ولإبراز «وقوفها الى جانب اللبنانيين والسلطات الشرعية في سعيها لضمان استقرار ووحدة لبنان وسيادته واستقلاله». ووصف البيان الأزمة الدستورية التي يجتازها لبنان بأنها «بالغة الخطورة». وستشكل زيارة السنيورة الذي يلتقي الرئيس ساركوزي بعد ظهر اليوم بعد أن يكون قد اجتمع برئيس الحكومة فرنسوا فيون ووزير الدولة للشؤون الأوروبية جان بيار جوييه (بسبب وجود الوزير كوشنير في أميركا اللاتينية)، مناسبة لتوقيع اتفاق ثنائي تقدم بموجبه فرنسا قرضا ميسرا للبنان بقيمة 375 مليون يورو، يندرج في إطار التزامات فرنسا في مؤتمر باريس 3 الذي عقد في العاصمة الفرنسية بداية 2007. وسيوقع الاتفاق من الجانب اللبناني وزير المال جهاد أزعور وعن الجانب الفرنسي رئيس الوكالة الفرنسية للتنمية جان ميشال سيفيرينو. وقالت مصادر فرنسية إن توقيع الاتفاق يعني أن باريس «تريد التعبير بشكل ملموس عن دعمها للبنان» وأنها «متمسكة بتنفيذ التزاماتها تجاهه» رغم صعوبة الأوضاع فيه.

وتريد باريس توفير «حقنة دعم قوية» للسنيورة. وبحسب مصادر فرنسية رفيعة، فإنه «من المهم أن يتمكن من تحمل مسؤولياته خصوصا أنه يمارس صلاحيات رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية معا بموجب النصوص الدستورية» وإظهار أن «الحكومة تحكم والبلد يدار». وقالت هذه المصادر إن باريس «تريد تشجيع السنيورة حتى يثبت حضوره ويتولى إدارة دفة الأمور» في لبنان. ولا يمكن فهم الموقف الفرنسي إلا على ضوء استمرار الأزمة الدستورية واحتمال أن تدوم وقتا طويلا مما يستوجب حشد وتوفير الدعم للحكومة الراهنة التي تطعن المعارضة بشرعيتها والمتهمة بمصادرة صلاحيات رئيس الجمهورية المسيحي. وتكثف الدبلوماسية الفرنسية اتصالاتها مع الأطراف اللبنانية والإقليمية والدولية بحثا عن مخرج للأزمة السياسية والمؤسساتية المستحكمة. وتعتبر باريس أن «التحرك المستقبلي» مرهون بالنتائج التي يمكن أن تؤول اليها مهمة أمين عام الجامعة العربية عمرو موسى في بيروت بعد ايام. وقالت مصادر فرنسية لـ«الشرق الأوسط» إن فرنسا «تدرس مع الجهات المعنية البدائل الممكنة والسيناريوهات المحتملة» في حال لم تفض مهمة موسى الى نتيجة حاسمة. غير ان باريس «ترفض» في الوقت الحاضر الخوض في هذه البدائل «لتحاشي التشويش» على المبادرة العربية التي تدعمها بقوة. ومن ضمن هذه البدائل إعادة الملف اللبناني الى مجلس الأمن الدولي والسعي لاستصدار قرار ملزم منه يدعو كل الأطراف الى تسهيل انتخاب رئيس جديد. وحتى جلاء نتائج الوساطة العربية، تؤكد فرنسا أن الخطة الوحيدة المطروحة على الطاولة هي الخطة العربية التي تحظى بدعم عربي ودولي وان المرشح الرئاسي الوحيد هو مرشح الإجماع العربي أي العماد ميشال سليمان. وأوضحت المصادر المشار اليها تعليقا على الجدل الذي ثار حول الموقف الأميركي من الميادرة العربية أن واشنطن «ربما لا تدعم هذه الخطة رسميا لكنها ليست معادية لها». وترفض باريس تحديد «سقف زمني» لمهمة موسى وتترك ذلك للجامعة العربية. وفي السياق نفسه، تتحاشى المصادر الفرنسية الحديث علناً عن «سلاح القمة العربية» الذي تعتبره «شأنا عربيا». غير أن باريس تعول، في واقع الأمور، على الضغوط العربية التي يمكن أن تمارس على سورية لحثها على التعاون لتسهيل انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان الذي هو «البلد الوحيد في العالم» المفتقد لرئيس للدولة. وما زالت باريس مقتنعة بأن مفتاح الحل موجود في دمشق التي «تضغط على المكابح» لتأخير أو تعطيل الوصول اليه. بموازاة ذلك، تعول فرنسا كثيرا على التقدم الذي أحرز في الأسابيع الماضية لتشكيل المحكمة ذات الطابع الدولي. وتحث باريس الأسرة الدوليه وعلى رأسها الدول العربية على توفير الدعم المالي لها.

وتستبعد المصادر الفرنسية اندلاع حرب أهلية لبنانية أو قيام مواجهة عسكرية جديدة بين إسرائيل وحزب الله أو بين إسرئيل وسورية . وعادت المصادر الفرنسية الى أسباب فشل المبادرة الفرنسية ، فبحسب هذه المصادر، أفرط الجانب السوري والمعارضة في فرض الشروط «الإضافية» وأبرزها: التعرف سلفا على هوية الوزراء وتوزيع الحقائب، تأكيد تعيين الوزراء قبل انتخاب رئيس للجمهورية، التعيينات في الإدرارت العليا المدنية والعسكرية و خصوصا الإلتزام بالتخلي عن المطالبة بتنفيذ بعض بنود القرار 1701 الذي توقفت الحرب بين إسرائيل وحزب الله بموجبه ومنها ما يخص سلاح حزب الله و حل الميليشيات. وقالت هذه المصادر:» إن التوصل الى سلة متكاملة من الحلول يحتاج لعشر سنوات من النقاشات». وبحسب ما قالته، فإن «السلة المتكاملة» لم تطرح في المناقشات مع سورية باستثناء المبادئ الثلاثة المعروفة وهي انتخاب الرئيس وتشكيل حكومة اتحاد وطني وتعديل قانون الانتخاب. وتؤكد باريس أنها لا يمكن أن تقبل بصفقة مع سورية «على حساب المصالح اللبنانية» لكنها بالمقابل مستعدة، إذا ساهمت سورية إيجابيا في لبنان، «لبناء علاقة مفيدة معها تكون لمصلحة الجانبين».

وفي اي حال، أكدت المصادر الفرنسية أن الرئاسة الفرنسية ستوجه دعوة للرئيس السوري بشار الأسد الى القمة المتوسطية التي ستعقد في باريس في الثالث عشر من يوليو (تموز) المقبل. والدعوة ستوجه الى رؤساء دول أو حكومات البلدان المتوسطية المشاطئة بما في ذلك إسرائيل.