محادثات صعبة أمام تشكيل الائتلاف الحكومي الجديد والباب لا يزال موصدا أمام حزب مشرف

مشرف يؤكد عدم نيته الاستقالة في اختبار قوة مع المعارضة

القاضي اعتزاز احسان، الذي خاض معركة رئيس المحكمة العليا المقال افتخار شودري في مظاهرة لدعمه امام منزله في لاهور (أ.ف.ب)
TT

بدأ حزب الشعب الباكستاني الذي كانت تتزعمه رئيسة الوزراء الراحلة، بي نظير بوتو، محادثات لتشكيل الائتلاف الحكومي الجديد الذي سيكون من نتائجه الممكنة إنهاء حكم الرئيس الباكستاني برويز مشرف بعد هزيمة حزبه المدوية. إلا أن مشرف سارع الى التأكيد في مقابلة مع صحيفة أميركية انه لا ينوي الاستقالة، مؤكدا عزمه التعاون مع الحكومة الجديدة في مواصلة سياسة «محاربة الإرهاب». قال آصف علي زرداري زعيم حزب الشعب الباكستاني، إن الحزب يود مشاركة حزب اقليمي صغير ذي صلة بالرئيس برويز مشرف في حكومة ائتلافية.

وقال زرداري، إن مشاركة حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية المؤيد لمشرف في الائتلاف غير مقبولة، لكن حزب الشعب يريد مشاركة حزب الحركة القومية المتحدة، الذي كان شريكا في الحكومة الائتلافية السابقة مع الرابطة الاسلامية.

وأضاف في مؤتمر صحافي في اسلام اباد «أريد أن أشكل حكومة مع الحركة القومية المتحدة». ووفقا للنتائج غير الرسمية في 261 دائرة حصل حزب الشعب الباكستاني على 87 مقعدا، بينما حصل حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية ـ جناح نواز شريف على 67 مقعدا، وجاء حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية ـ جناح القائد الأعظم المؤيد لمشرف في المرتبة الثالثة وحصل على 38 مقعدا.

وتدهورت شعبية مشرف بدرجة كبيرة خلال العام المنصرم وخاصة بعد ان فرض حالة الطوارئ في نوفمبر (تشرين الثاني) وقام بعملية تطهير في الهيئة القضائية وفرض قيودا على وسائل الإعلام. وقال علي بالوك، 30 عاما، الذي يعمل مديرا لشركة في كراتشي لوكالة «رويترز»: «إن التجربة الماضية مع مشرف ليست جيدة». وأضاف «الإرهاب والمشاكل الأخرى زادت أثناء حكم مشرف. إذا كانت أزاحته ستؤدي الى تراجع الإرهاب فان هذا سيكون أمرا جيدا.

وإذا وحدت هذه الأحزاب الان صفوفها فانه سيكون شيئا جيدا». ويقول محللون ان الخلافات الآيديولوجية بين حزب الشعب الباكستاني وحزب نواز شريف قد تجعل الدخول في ائتلاف مسألة صعبة. ويشيرون الى ان بوتو فكرت في الدخول في تحالف مع مشرف العام الماضي.

وفتحت أسواق الأسهم الباكستانية على ارتفاع مرة أخرى في بداية التعاملات حيث احتفل المستثمرون بالانتخابات السلمية، قائلين إنها الخطوة الأولى نحو الاستقرار. ويتوقع أن تجري مفاوضات مكثفة في الأيام القادمة.

وقال محللون أن انضمام شريف الى حزب الشعب الباكستاني سيترك مشرف أمام خيارين كلاهما يقود الى زواله.

ويمكن لمشرف أن يتنحى أو أن يواجه ثورات سياسية مع برلمان معاد سيحاول الإطاحة به على أساس أنه انتهك الدستور عندما فرض حالة الطوارئ.

وقال إعجاز شافي جيلاني، رئيس «معهد غالوب باكستان»: «إن أمامه خيار المسالمة وخيار المواجهة». ورغم الهزيمة الكبيرة التي مني بها، فقد أكد الرئيس الباكستاني انه لا يعتزم الاستقالة من منصبه، وذلك في مقابلة مع صحيفة «وول ستريت جورنال» نشرت مساء أول من أمس. وردا على أسئلة الصحيفة حول احتمال استقالته أو انسحابه قال مشرف «كلا، ليس الآن. يجب أن نمضي قدما لنضمن قيام حكومة ديمقراطية مستقرة في باكستان».

وقال مشرف إن البلاد أحرزت تقدما في إرساء الأمن عند الحدود الشمالية الغربية، مؤكدا أن الحكومة ستبقى ملتزمة بمكافحة الإرهاب والمتطرفين بغض النظر عمن يتولى رئاسة الحكومة.

وأضاف «من مصلحة باكستان محاربة الإرهاب والتطرف» بحسب الموقع الإلكتروني للصحيفة.

وأوضح مشرف «مهما كانت تشكيلة الحكومة فإنني متأكد من أنهم سيواصلون محاربة الإرهاب والتطرف. لماذا ستقوم أي حكومة بتغيير أولوياتها؟».

وعزا مشرف هزيمة حلفائه في الانتخابات الى تضافر العوامل التالية: التعاطف مع بي نظير بوتو والارتفاع الكبير لأسعار الطحين والطاقة الكهربائية والغاز والمعركة القضائية السنة الماضية التي دفعت بمشرف الى إقالة أعضاء المحكمة العليا. لكنه قال إن الانتخابات كانت نزيهة. وأوضح «لقد أجرينا انتخابات حرة ونزيهة وشفافة وسلمية، هذا كان وعدي وقد وفيت به»، مضيفا «سيكون هناك ائتلاف حكومي».

ورغم تزايد الدعوات له للاستقالة، رفض مشرف ذلك قائلا إنه سيعمل مع أي شخص يعين رئيسا للوزراء حتى لو كان منافسه نواز شريف.

وقال مشرف «أرغب في العمل مع أي حزب وأي تحالف لأن ذلك في مصلحة باكستان»، رافضا الرد على سؤال عما إذا كان قلقا إزاء احتمال محاولة منافسيه أزاحته من السلطة.

وتابع «يجب أن نعتمد سياسة مصالحة والتعامل بانسجام داخل الحكومة بين مختلف الأحزاب وبين رئيس الوزراء والحكومة. سأسعى الى تحقيق هذه الغاية».

وأضاف «مهمة الرئيس لا تقضي بتقاسم السلطة مع رئيس الوزراء. وسيحصل نزاع إذا ما أراد كل من رئيس الوزراء والرئيس أن يتخلص من الآخر. وآمل فقط في أن نتجنب هذه النزاعات».

وقال مشرف إنه ليس له أي دور في تشكيل الحكومة، موضحا «أنا لا أتزعم حزبا سياسيا، فلتعمد الأحزاب السياسية الى عقد اجتماعات وتشكيل ائتلاف. وإذا كان هناك من يعتقد أن بوسعي تسهيل هذه المهمة بطريقة ايجابية لباكستان فسأقوم بذلك».

وردا على سؤال حول ما إذا كانت علاقاته بالولايات المتحدة مرتبطة بصداقته مع الرئيس الأميركي جورج بوش، شدد مشرف على أن المصالح القومية المشتركة ستبقى أساس هذه العلاقة، وقال «إن المصالح المتبادلة في المنطقة، لا سيما مكافحة الإرهاب، هي التي أدت الى قيام علاقة استراتيجية بيننا. الآن هذه العلاقة تستند الى قاعدة واسعة النطاق وطويلة الأمد». وأضاف «بالتالي إنها ليست علاقة شخصية مع الرئيس بوش».

كذلك، دعا مشرف أمس الى تشكيل «ائتلاف منسجم»، كما جاء في بيان لوزارة الخارجية نشر بعد محادثات بين مشرف وأعضاء في مجلس الشيوخ الأميركي جاءوا كمراقبين للانتخابات. وجاء في البيان «إن الرئيس شدد على الحاجة لتشكيل ائتلاف منسجم من اجل قيام إدارة رشيدة وتحقيق التنمية والتقدم في أجواء سلمية في باكستان».

وقال مشرف في أول تعليق رسمي له منذ الهزيمة الانتخابية للأحزاب الداعمة له «إن الانتخابات عززت القوى المعتدلة في البلاد».

وأضاف بيان الوزارة «إن الرئيس قال إن الأمة الباكستانية واجهت العديد من التحديات وخرجت منها بشكل حسن». وتابع مشرف الذي يعد الحليف الأساسي للولايات المتحدة منذ أواخر عام 2001 في «حربها على الإرهاب»، «إن المستقبل يبدو أفضل بفضل النجاحات في مكافحة الإرهاب». وفي ظل الظروف الطارئة، يبدو مستقبل برويز مشرف غير واضح المعالم. ورغم رفضه الاستقالة، إلا أن المحللين السياسيين يرون أنها مسألة وقت فحسب قبل أن تبدأ المعارضة محاولاتها لإطاحته.

إلا ان مشرف يبدو غير مستعد لأي تنازل عن السلطة. وقال المتحدث باسمه، الجنرال رشيد قرشي، ان الرئيس انتخب لخمس سنوات ولن يتنازل عن السلطة ولا يوجد سبب يدعوه لذلك ايضا.

وكان الزعيم الحالي لحزب الشعب الباكستاني آصف علي زرداري زار السفارة الاميركية في اسلام اباد واجرى لقاء استمر ساعة مع السفيرة الاميركية أنا بيترسون. وقالت وسائل الاعلام المحلية ان مندوبا عن مشرف حضر الاجتماع. وكان السناتور الاميركي جون كيري قال قبل يوم انه تبلغ من حزب الشعب الباكستاني انه مستعد على مستوى قياداته للتعاون مع مشرف. ولكن من غير الواضح ما اذا كان نواز شريف مستعد لذلك. فهو سوف يطالب بالعودة عن قرارات اتخذها مشرف لاقالة قضاة المحكمة العليا واعادتهم الى مناصبهم وسوف يكون على هؤلاء ان ينظروا مجددا في مدى اهلية مشرف لمنصب الرئيس.

وفي اكرا حيث يواصل جولته الأفريقية، أشاد الرئيس الأميركي جورج بوش بالانتخابات في باكستان واعتبرها بمثابة «نصر كبير» للديمقراطية، معربا عن أمله في أن تكون الحكومة المقبلة «صديقة للولايات المتحدة». وقال بوش في أكرا، المحطة ما قبل الأخيرة في جولته الأفريقية «إن الوقت قد حان للذين انتخبوا من أجل تشكيل حكومة. والسؤال هو: هل سيكونون أصدقاء للولايات المتحدة؟ آمل ذلك بكل صدق».

من جانب آخر، اعتبر مراقبون في الاتحاد الاوروبي، ان الأوضاع التي سادت خلال الحملة الانتخابية في باكستان، كانت محابية للحزب الحاكم، إلا ان الانتخابات نفسها اتسمت بالتنافسية.

وجاء في تقرير المراقبين الأوروبيين حول الانتخابات، ان «ساحة الانتخابات لم تكن متساوية، حيث كانت السلطات محابية للحزب الحاكم»، مضيفا انه «لوحظت بعض الفوضى والمخالفات الاجرائية».

الا ان التقرير أكد أن «الانتخابات كانت تنافسية، كما ان عملية الاقتراع، ورغم بعض المشاكل التي شابتها خاصة في مراكز الاقتراع المخصصة للنساء، إلا أنها نالت مزيدا من ثقة الناس». وقال كبير المراقبين الاوروبيين ميشال غاهلر، «نحن مرتاحون، لأن يوم الانتخابات مر أفضل مما كنا نتوقع (...) إلا ان الانتخابات جرت في ظروف طرحت تحديات كبيرة على سير الانتخابات الديموقراطية».

وأضاف التقرير، ان من بين المشاكل محاباة الحزب الحاكم السابق، وفرض قيود على حق الترشيح، وعلى الاعلام ومشاركة رؤساء البلديات المحليين في الحملة الانتخابية.

وتابع التقرير «وللاسف فقد وقعت خسائر كبيرة في الارواح، من بينها اغتيال (رئيسة الوزراء السابقة) بي نظير بوتو». وقال المراقبون، ان احتجاز قضاة كبار، بموجب حالة الطوارئ، ورفع حالة الطوارئ قبل يوم من بدء الحملة الانتخابية «لم يؤد الى خلق بيئة جيدة للانتخابات».