عراقيون يستأنفون التنقل بين بغداد والبصرة بالقطارات

مسافرون: وسيلة سريعة لأنها لا تتوقف في نقاط تفتيش.. ومسؤول: لا نسأل الركاب عن طوائفهم

صورة التقطت قبل عدة أيام لركاب وصلوا بالقطار الى المحطة العالمية للقطارات وسط بغداد (رويترز)
TT

بغداد ـ رويترز: مثل غرزة تلم جرحا عميقا يعيد القطار الذي يصل بين أكبر مدينتين في العراق الى أذهان الناس حقبة كان بلدهم فيها أكثر سلاما قبل اندلاع العنف الطائفي الذي كاد أن يمزقه.

في ديسمبر (كانون الاول) استؤنفت خدمة القطارات بين بغداد والبصرة في مراسم هادئة الى حد ما بعد توقف لمدة 18 شهرا. ولم يتجرأ سوى قلة على استخدامها في البداية لكن سرعان ما انتشر الحديث عن سلامة الرحلة وقلة تكلفتها. ويكافح مسؤولو السكك الحديدية الان للحصول على تمويل من أجل شراء المزيد من العربات.

وقال عبد الامين محمود مدير النقل في المؤسسة العامة للسكك الحديدية العراقية «هناك اقبال كبير على الخدمة...الناس لا يشعرون بالقلق..يأتون مع عائلاتهم».

وأوقفت المؤسسة العامة للسكك الحديدية العراقية الخدمة في 2006 بعد تصعيد أعمال القتل والتفجيرات والخطف في منطقة «مثلث الموت» التي تقع جنوب العاصمة والتي يمر عبرها الخط.

وبنيت السكك الحديدية العراقية على أيدي مهندسين ألمان وبريطانيين خلال أول عقدين من القرن العشرين في سباق بين برلين ولندن للسيطرة على المنطقة. وكانت السكك الحديدية العراقية في يوم ما رابطا حيويا بين أوروبا والشرق الاوسط.

ويمر خط بغداد ـ البصرة عبر منطقة من العراق كانت معقلا شهيرا لتنظيم القاعدة الى أن أرسلت القوات الاميركية والعراقية المزيد من جنودها هناك العام الماضي.

وعلى متن القطار الذي يسير بوقود الديزل استقر الركاب في أماكنهم استعدادا للرحلة بدون أن يفكروا ان كان الجالسون حولهم من السنة أو الشيعة. وجلست النساء وهن يضعن أطفالهن على حجورهن في حين أخذ الرجال يتجاذبون أطراف الحديث في الوقت الذي بدأت العربات المتألقة تتحرك من رصيف نظيف من محطة بغداد، كانت صورة للنظافة والنظام في بلد عمته الفوضى.

وقال رجل يسافر مع أسرته اكتفى بذكر اسمه الاول مهدي «الحمد لله على عودة القطار. كنت خائفا بعض الشيء في البداية لكنني الان أدعو الجميع لاستخدامه». وتمتد خطوط السكك الحديدية لمسافة 3300 كيلومتر في جميع أنحاء البلاد، وتصل الخطوط الى سورية في الغرب، وتقول المؤسسة العامة انها تعتزم مدها شرقا الى ايران وجنوبا الى الكويت. وتستغرق الرحلة بين بغداد والبصرة ما بين 11 و12 ساعة ويتوقف القطار في 40 محطة. وقال العقيد علي التميمي قائد الامن بالمؤسسة «عندما يتحرك القطار يشعر الناس بالامان وبأن الامور تعود الى ما كانت عليه...السكك الحديدية لنا جميعا...هل تعتقد أن الركاب يكشفون عن مذاهبهم عندما يصعدون الى القطار».

وأشاد المزيد من الركاب بالراحة التي يشعرون بها أثناء سفرهم بالقطار مقارنة بالتوقف عند نقاط التفتيش على الطريق بين بغداد والبصرة على مدى رحلة مسافتها 550 كيلومترا. وقالت أم خالد وقد تجمع أطفالها حولها وهي تفسر سبب سعادتها بالرحلة «مبدئيا هناك التكلفة ثم هناك الراحة والامان».

ويشعر الركاب بالسعادة بسبب أسعار التذاكر التي تدعمها الحكومة، وتكلف الرحلة نحو أربعة الاف دينار (3.33 دولار) للمقعد أي تقريبا ربع أقل أجرة للبصرة عن طريق الحافلات العامة الصغيرة وهي أكثر وسائل النقل شيوعا. ويبلغ ثمن تذكرة عربات النوم عشرة الاف دينار.

وارتفع سعر الوقود الى 450 دينارا للتر من نحو 50 دينارا للتر قبل سقوط نظام الرئيس السابق صدام حسين.

وقال مدير السكك الحديدية في بغداد محمد هاشم «هذا ليس سعر التذكرة الحقيقي فهو لا يغطي تكلفة الخدمة على الاطلاق. تم تحديد سعر ضئيل كخدمة للشعب العراقي...لقد سئموا من السفر بالسيارات والتوقف بشكل مستمر في نقاط التفتيش».

ويتم تفتيش الركاب قبل صعود القطار ويقوم حراس المؤسسة العامة بزيهم الازرق بحراسة العربات. لكن هاشم قال ان الخدمة بين بغداد والبصرة لا تتألف سوى من أربع عربات فحسب بالمقارنة مع ست أو سبع عربات قبل الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق في 2003. وتقول المؤسسة العامة انه منذ ذلك الحين تعرضت القطارات والمحطات والقضبان لأعمال تخريب ونهب كما شهدت عمليات لقوات الجيش العراقي. وعلى حين تم استئناف الخدمة بين العاصمة والبصرة منذ فترة قصيرة، فقد أبقت المؤسسة في بغداد الكثير من الخطوط الاخرى مفتوحة خلال أعمال العنف بل ان بعض الخدمات استؤنفت بعد نحو اسبوعين من الاطاحة بصدام قبل خمسة أعوام. وقال هاشم ان موظفي المؤسسة وعددهم 11 ألفا وهم مزيج من طوائف العراق المختلفة من سنة وشيعة وأكراد ومسيحيين تحدوا القنابل والعنف ليبقوا بعض خطوط الشبكة على الاقل مفتوحة خلال تلك الفترة. وأضاف «الحقيقة لم نوقف الخدمة قط...حتى عندما كان الوضع في أخطر مراحله لم نتوقف، هذا عملنا».