البصرة: 20 حزبا سياسيا وميليشياتها تتصارع للسيطرة على النفط

الجيش البريطاني: وحدة الجرائم الكبرى هي وحدة للقتل.. وقائد الشرطة: نطرد الميليشيات من الباب فتدخل من الشباك

TT

أصبح هذا الميناء الجنوبي منذ سبتمبر(أيلول) الماضي، قائما في ذاته، بعد انتقال الوحدات البريطانية إلى الأطراف، وتسليم السلطة إلى زعمائه. ويقول مسؤولون بريطانيون وأميركيون إن اختبار البصرة للحكم الذاتي قد يصبح نموذجا للعراق مستقبلا لكن بالنسبة للكثير من السكان المحليين والمستشارين الخارجيين يظل ذلك المستقبل معتما.

مما يجعل الوضع في البصرة التي تعد ثاني أكبر مدينة في العراق مثيرا للقلق حسب قولهم هو اختبار الحكم العراقي تحت ظروف مقبولة لحد ما هو أن البصرة التي تعد أفضل قاعدة اقتصادية للعراق ككل لا تعاني من التوتر الاثني كثيرا مع كثافة سكانية شيعية متجانسة ومع غياب أي قوة احتلال تفاقم من ردود الفعل الوطنية.

مع ذلك فإن المدينة تبقى في حالة اضطراب. واختفاء الأطباء والمدرسين وأصحاب المهن الأخرى أمر شائع مثلما هو الحال مع المواجهات التي تحدث بين الميليشيات المتنافسة المرتبطة بأحزاب سياسية. وتتضمن قائمة ضحايا الغدر محققين قانونيين وسياسيين وشيوخ عشائر. وأكثر ما يدفع على الاضطراب هو قتل النساء الذي أصبح اتجاها واضحا، حيث قتل حتى الآن أكثر من 100 امرأة خلال السنة الأخيرة حسبما قالت الشرطة. وتحمّل السلطات العراقية رجال الميليشيات الشيعية مسؤولية الكثير من أعمال القتل هذه بسبب عدم اعتبار النساء من قبل المتطرفين الدينيين ورعات.

وقال الشيخ كاظم الرباط أحد الزعماء العشائريين الذي أكد أنه لا ينتمي إلى أي حزب: «اغلب أعمال القتل تحدث على يد مسلحين يستخدمون سيارات شرطة. وهذه السيارات أعطيت للأحزاب السياسية. ومن المفترض أن يكون هناك 16 ألف رجل شرطة في البصرة لكننا نشاهد القليل منهم في الشوارع وأغلب ما نشاهده هو رجال ميليشيات يرتدون ملابس شرطة».

وفي المدينة هناك ما يقرب من 20 حزبا سياسيا شيعيا مع ميليشياتها، وكلها تتنافس فيما بينها في أغلب الأحيان بطريقة عنيفة من أجل السيطرة على قطاع النفط وعوائد الميناء وعمليات التهريب عبر الحدود الإيرانية القريبة وعلى السلطة السياسية للسيطرة على العصب الاقتصادي المركزي للعراق. لذلك بينما اختفت التوترات الطائفية عن المدينة مثلما هو الحال في مدن عراقية أخرى، فإن التصارع نفسه لم يختف عنها. وأشار زعيم محلي إلى الخلاف السياسي كمثال على الخلاف ما بين التصور المتخيل عن واقع المدينة والواقع الحقيقي نفسه في البصرة.

ففي السنة الماضية حاول حزبان سياسيان شيعيان أحدهما يقوده رجل الدين مقتدى الصدر والآخر يتمثل في المجلس الإسلامي الأعلى للعراق، إزاحة محافظ المدينة محمد مصباح الوائلي بذريعة أنه يأخذ وظائف أكثر لتنظيمه خصوصا في قطاع النفط قياسا بحصص التنظيمات السياسية المحلية الأخرى. وقال بعض المسؤولين البريطانيين إنهم تفاءلوا حينما عرفوا أن المواجهة دخلت ضمن مناقشات مجلس المحافظة وضمن النظام القضائي العراقي باعتباره علامة على أن القانون والسياسة بدءا يحلان محل سفك الدماء في البصرة. وقال الليفتنانت كولونيل مايكل شيرر المتحدث الرسمي باسم الجيش البريطاني: «إنهم يقومون بكل ذلك عبر القضاء. بالتأكيد ليس هناك أي اغتيال لا يعرفه أي شخص».

مع ذلك، وحسب الشيخ عباس الزيدي، مستشار المحافظ الوائلي فإنهم «حاولوا كثيرا من المرات قتل المحافظ». وليس واضحا حتى الآن هوية المهاجمين، لكنه واثق بأنهم ينتمون إلى ميليشيات متنافسة. فهناك قنبلة زرعت على حافة الطريق أثناء توجه الوائلي إلى عمله وهناك عملية إطلاق النار على بيته حيث قتل على الأقل اثنان من حراسه. كذلك تصادم رجال الميليشيات في السنة الماضية بخصوص وظائف في قطاع النفط، حسبما قال الزيدي.

وتعتبر قوات الأمن العراقية في البصرة مثالا واضحا على التوتر القائم ما بين الأحزاب السياسية، وما يسمى بوحدة شرطة الجرائم الكبيرة في البصرة هي المثال الأسوأ. ويرى الجيش البريطاني أن هذه الوحدة هي ليست سوى فرقة قتل مرتبطة بالميليشيات الشيعية، وسبق أن هاجم البريطانيون بدباباتهم في ديسمبر(كانون الاول) 2006 مقر هذه الوحدة المارقة وهدموه تماما. لكن مذكرات الاعتقال العراقية التي صدرت ضد أفراد الوحدة لم يتم تنفيذها قط. وصدرت مذكرة توقيف عن وزارة الداخلية في الشهر الماضي ضد عبد الله نجم المعروف أيضا باسم أبو مسلم، والمتهم بتنظيم أعمال خطف وتعذيب واغتيالات أثناء قيادته للوحدة.

لكن أبو مسلم الذي تمكن من الإفلات من الهجوم البريطاني في عام 2006 هو الآن رجل شرطة في البصرة. وقال جوناثان راتل المتعاقد الكندي الذي يعمل مستشارا قانونيا في مكتب وزارة الخارجية البريطانية في البصرة: «إما أنه ما زال يعمل كضابط شرطة أو أنه حصل على موافقة ضمنية كي يتظاهر بأنه ضابط شرطة».

وحسب التقارير، فإن جرائم القتل وصلت ذروتها في البصرة خلال شهر مايو(أيار) الماضي حيث قتل 112 شخصا. وفي ديسمبر انخفضت أعمال القتل لتصل إلى 38، وبذلك وصل عدد القتلى لعام 2007 إلى 848 ضحية. كذلك جرت 383 عملية خطف تم الاعلان عنها حسب الاحصائيات الرسمية.

من جانبه، قال الجنرال جليل خلف قائد شرطة البصرة الذي عُين لهذا المنصب في السنة الماضية، إن التحدي الأكبر الذي يواجهه هو تحويل الشرطة إلى جهاز مهني واقتلاع الفساد. لكنه اعترف بأن هناك مشاكل جادة تظل خارج نطاق سلطته. وقال إنه اكتشف بعد تسلم منصبه وجود 250 سيارة شرطة و5000 مسدس جرت سرقتها من قبل أحزاب سياسية شيعية في البصرة، واستخدمت هذه العدة من قبل فرق الموت التي تنظمها الميليشيات الشيعية.

كذلك انتقد الجنرال خلف زملاءه «الذين جاءوا إلى سلك الشرطة فقراء وأصبحوا الآن أغنياء جدا». وأضاف: «أنا طردت المئات منهم. لكن ما زال هناك بيننا رجال ميليشيات. فنحن ندفعهم من الباب ليعودوا من الشباك».

*خدمة «نيويورك تايمز»