ناصر القدوة لـ «الشرق الأوسط»: مهمتنا العناية بتراث أبو عمار بدءا بالأرشيف وانتهاء بضريحه ومقتنياته

تحت رعاية أبو مازن وحضور شخصيات عربية ودولية تفتتح غدا بمقر جامعة العربية في القاهرة مؤسسة ياسر عرفات

TT

تفتتح في مقر الجامعة العربية القاهرة غدا، بحضور الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) ولفيف من الشخصيات الفلسطينية والعربية والدولية، مؤسسة باسم الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات (أبو عمار).

وتهدف هذه المؤسسة كما قال ناصر القدوة، المدير التنفيذي للمؤسسة لـ «الشرق الاوسط»، للحفاظ على تراث الزعيم الراحل وتخليده. وهي مؤسسة شبه حكومية تحصل على تمويلها جزئيا من السلطة الفلسطينية، والباقي من تبرعات شخصيات فلسطينية وعربية ودولية. ومن مسؤوليات هذه المؤسسة تقديم جائزة عرفات للتفوق العلمي إضافة العناية بضريح ياسر عرفات والمتحف المزمع انشاؤه والذي سيضم مقتنياته، وبأرشيف ياسر عرفات. وشرح القدوة أن مؤسسة عرفات هي مؤسسة شبه حكومية أنشئت بمرسوم رئاسي في مارس (آذار) الماضي (من دون ضجة اعلامية)، باعتبار ذلك الوسيلة المثلى لتحقيق هدف المحافظة على تراث ياسر عرفات وتخليده، من خلال القيام بجملة نشاطات واسعة ذات طابع إنساني لتقديم المساعدات لقطاعات من الشعب الفلسطيني.

وبدأت هذه النشاطات بالإعلان عن جائزة عرفات للإنجاز للتفوق العلمي والمجالات الأخرى، في المهرجان الذي أقيم بمناسبة الذكرى الثالثة لرحيل الرئيس عرفات في قصر الثقافة في رام الله، والذي تخلله فيلم وثائقي عن فترة الحصار التي تعرض لها في مقر الرئاسة، ما بين مارس 2002 حتى وفاته في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) 2004.

وحسب القدوة، وزير الخارجية الأسبق وابن شقيقة عرفات، فان المؤسسة هي شبه حكومية ولكنها في الوقت نفسه تتولى مسؤوليات هي من شأن الحكومة، مثل العناية بضريح عرفات والمتحف المزمع انشاؤه وبأرشيف ياسر عرفات او جزء كبير منه. وستتلقى هذه المؤسسة مساعدات من الحكومة بموجب المرسوم الرئاسي الذي اقيمت على اساسه. وقال القدوة «هذه جميعها امور ذات طابع حكومي، ورغم ذلك فانها ستكون منظمة مستقلة ذات طابع غير حكومي، تدار بالكامل من مجلس امناء يضم حوالي 80 من الشخصيات الفلسطينية والعربية من كافة مناحي الحياة، بينهم سياسيون مثل احمد قريع وسلام فياض والطيب عبد الرحيم (فلسطين) وعمرو موسى وأسامة الباز ونبيل العربي (مصر) ومحسن ابراهيم والياس خوري وبهية الحريري وهاني فحص (لبنان) وأكاديميون ومثقفون ورجال اعمال وفنانون. يضاف الى هؤلاء اعضاء شرف من الرموز العربية والدولية على غرار نيلسون مانديلا (الرئيس السابق لجنوب افريقيا) والرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك، أي من اصدقاء الشعب الفلسطيني وأصدقاء ياسر عرفات».

وأضاف القدوة في شرحه لهذه المؤسسة التي جاءت بعد ثلاث سنوات علة وفاة عرفات، ان مجلس الأمناء سينتخب مجلس ادارة سيكون من اختصاصاته متابعة ونشاط المؤسسة اليومية. وسيكون للمؤسسة مدير عام وجهاز وظيفي يتولى العمل بشكل عام.

وتابع القول «ان حجم العمل اكبر كثيرا مما تصورت شخصيا. عندما بدأنا عملية التحضير وجدنا مدى التصاق مسألة ياسر عرفات بالقضية الفلسطينية عمومنا. على سبيل المثال نحن نفكر في جمع وتحديد الارشيف المرئي لعرفات سواء كان ذلك صورا او فيديو. لنكتشف ان هناك الآلاف من الساعات المصورة اي حوالي 60 في المائة من الأرشيف الوطني الفلسطيني. وبالنسبة للأرشيف المكتوب للأسف فان ارشيف عرفات هو الوحيد المتبقي من الذاكرة الوطنية الفلسطينية عن الحقبة السابقة. فأرشيف مركز الأبحاث الفلسطيني في بيروت اندثر بعد ان استولت اسرائيل على جزء منه. وجزء منه نقل الى مدينة في الصحراء الجزائرية وأثرت عليه الظروف المناخية. باختصار فان الحديث صعب عن وجود هذا الأرشيف. وأما أرشيف «فلسطين الثورة» كمجلة مركزية لمنظمة التحرير هو ايضا ضاع بكل أسف. اذا ما تبقى الآن من هذه الحقيقة كذاكرة وطنية فهو ارشيف عرفات. وبالتالي فان هذا الأمر يكتسب أهمية إضافية. لذلك نحن نسعى الى حفظ الأرشيف المكتوب والمرئي ونعنى أيضا بمسألة التأريخ والبحث النظري والعلمي عن هذه الحقبة حتى نسهم ايضا في كتابة تاريخ هذه الحقبة. وسيكون هناك امور متعلقة بالضريح والمتحف، وهذا امر مهم لان المتحف يجب ان يعكس هذه السيرة وهي ايضا سيرة القضية الفلسطينية بشكل أو آخر».

وحول المتحف المزمع اقامته أوضح القدوة انه سيعرض سيرة عرفات بطريقة معينة خاضعة لجوانب فنية متعلقة بالمتاحف الحديثة لكن الفكرة الأساسية هي ان تعرف بمسيرة الرجل وبالتالي بالقضية الفلسطينية. وقال «نحن في هذه الاثناء نتعرض لمخاسر كبيرة وهي في حقيقة الأمر قد تشكل صدمة حقيقة. فجزء كبير من مقتنيات الرئيس وهي عبارة عن هدايا جاءت من زعماء العالم وقياداته، لا نعرف مكانها. فجزء منها يفترض ان يكون موجودا في المنتدى (مقر الرئاسة) في غزة وهو على الأغلب موجود عند حركة حماس (بعد سيطرتها على قطاع غزة واقتحامها للمقر في 14 يونيو (حزيران) الماضي). لكن لا يوجد رواية رسمية في هذا الشأن، واذا حصل مكروه لهذه المقتنيات فانه سيكون امرا مؤلما. جزء من الأرشيف الحديث على الاقل تضرر في غزة. لكن معظم الارشيف القديم موجود في تونس وهو بخير».

يذكر ان حماس كما قالت لـ«الشرق الأوسط» على لسان القائم بأعمال وزير الداخلية سعيد صيام ان كل مقتنيات ياسر عرفات موجودة وهي بالحفظ والصون.

واعتبر القدوة «ان الاسراع في عملية تجميع الأرشيف امر مهم حتى يتم التأكد من وجود كل شيء. لأن كل يوم يمر يعرضنا لمخاطر من انواع مختلفة. هذا بالإضافة لأمور اعلامية تتعلق بحقب معينة من حياة عرفات، مثل الكتب أو البومات صور أو أفلام سينمائية».

ويتابع «الشق الآخر يغطي النشاط الخيري والإنساني لياسر عرفات، الذي له أهدافه الاجتماعية ودعم القيم الوطنية والديمقراطية وبالتالي نتوقع ان يكون هناك مادة وفيرة في هذا المجال».

وبالنسبة للتمويل نشاطات المؤسسة أوضح القدوة قائلا «لقد ذكرنا انه سيكون هناك اعتمادات حكومية خاصة لتغطية النشاطات الجارية. وهنا اقول ان الحكومة ادخلت في ميزانيتها بندا عاما يخص اعتمادات المؤسسة، التي ستكون جزءا محدودا من ميزانية المؤسسة العامة بينما سيكون الجزء الاهم من تبرعات افراد وحكومات ومؤسسات فلسطينية وعربية ودولية منها بعض الحكومات الصديقة مثل جنوب افريقيا وماليزيا واندونيسيا المتوقع ان تساهم في هذا المشروع». وأضاف «ونفكر في اقامة وقفية محترمة تضمن الاستقرار المالي للمؤسسة وامكانية التخطيط الاستراتيجي والاستمرار في تقديم هذه الخدمات بالاضافة الى البرامج المتعلقة بياسر عرفات».

نسعى الآن للحصول على مبنى فلسطيني تراثي نقوم بترميمه ليكون مقرا رسميا مؤقتا للمؤسسة في رام الله.

ووفق القدوة فان المؤسسة لن يكون لها دور مباشر في العمل السياسي لكنه يعتقد انه سيكون لها اثارها وانعكاساتها الايجابية لصالح القيم الوطنية الديمقراطية وبالتالي لصالح التيار الوطني الديمقراطي أي لصالح الأغلبية الساحقة للشعب الفلسطيني. واستطرد «نحن نشعر بأن الواجب علينا ان نحتفظ ونحيي تراث هذا الرجل. لكننا في الوقت نفسه نحن محتاجون لاستلهام هذا التراث وكذلك مواقف منهجية وسياسية معينة للتعامل مع الامور. وربما يكون هناك حاجة للإسهام في عملية الحفاظ على الهوية والكيانية الوطنية الفلسطينية.

ويعتقد القدوة ان المؤسسة جاءت متأخرة مثلما هو التقصير في الكثير من المجالات. وعن سبب التأخير قال «كان هناك نقاش حول الشكل الأمثل للقيام بهذه المهمة. وفي فترة من الفترات، كانت هناك اللجنة الوطنية العليا لتخليد ذكرى ياسر عرفات لكنها لم تعمل بشكل جيد فبدأنا البحث عن شكل آخر وصولا الى فكرة المؤسسة التي تجمع بين الحكومي او الشعبي الحر».

وأوضح ان «الحديث عن احياء ذكرى عرفات لم يتم بعد وفاته مباشرة لان الجميع كان في حالة صدمة. ولنقل ان التفكير بدأ بعد حوالي 6 أشهر. وأنشئت اللجنة الوطنية العليا لهذا الغرض بجهد الأخ صخر حبش عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، لكن مرضه (مصاب بالسرطان) كان من احد الأسباب التي عطلت الأمر قليلا. يضاف الى ذلك ان العمل في بلدنا يسير ببطء شديد، ورغم ذلك فان الامور تسير بشكل منظم ومتواصل».

وستكون المؤسسة حسب القدوة «مسؤولة عن الموقع الأخير، ان صح التعبير، لياسر عرفات، أي المكان الذي حوصر فيه بالفعل، أي غرفة نومه الصغيرة التي خرج منها الى فرنسا في رحلة العلاج (رحلة اللاعودة) وكذلك مكتبه الخاص وقاعة الاجتماعات الشهيرة التي قضى فيه معظم وقته وكان يستقبل فيها زواره. والجهد الآن يبذل لاعادة هذه المنطقة الى ما كانت عليه من حيث شكل الجدران والغرف. وسنضع في اكبر غرفة فيلما وثائقيا عن فترة الحصار، لتمكين الزائر من عيش تلك الفترة. وهناك ايضا فكرة لوصل هذه المنطقة بجسر مع الضريح، يمكن الزائر من الانتقال ضد أي اعاقات». ويتمنى القدوة ان «يكون بيت ياسر عرفات في غزة شبيها بهذا ويجب ان يسمح للمؤسسة بالإشراف عليه»، مشيرا الى وجود اتصالات مع حماس في هذا الشأن لكنها محدودة جدا.

وكان القدوة شخصيا يفضل «الضريح القديم لعرفات الذي كان يقع تحت شجرات ثلاث على طرف المقاطعة، لأنه كان يتلاءم مع ما نعرفه عن ياسر عرفات. بالمناسبة نحن حافظنا على هذه الشجرات كجزء من منطقة الضريح الجديد. وهذه الشجرات كان دوما عرفات يطلب من مساعديه دفنه تحتها». ومع ذلك فان الضريح الجديد جميل ومحترم ويجمع بين البساطة والقيمة التي تليق بعرفات. وهو من تصميم جعفر طوقان.. شكله مربع محاط بزجاج من الجهات الاربع وفيه مصلى ومنارة وحديقة تجمع الكثير من اشجار ونباتات فلسطين. وهناك على سبيل المثل شجرة زيتون عمرها 300 عام. وفيه ايضا صخور من فلسطين. وسيمثل هذا الضريح ليس الرئيس عرفات فحسب بل الشهيد الفلسطيني».