الموصل: القوات الأميركية تسند مهام أكبر للعراقيين في الحرب على المسلحين

جنود أكراد في الجيش العراقي بالمدينة: السكان يكرهوننا أكثر مما يكرهون الأميركيين

TT

كانت المهمة خطرة شأن أية مهمة يمكن أن تواجهها القوات الأميركية في الموصل. فقد قدم لهم مخبر عراقي معلومات عن مستودع هائل من المتفجرات محلية الصنع وصواريخ «آر.بي.جي» مخفية على امتداد بناية في المدينة على بعد مئات الياردات من المكان الذي انفجر فيه 15 طنا من المتفجرات قبل اقل من شهر، مما أودى بحياة ما يصل الى 60 شخصا. وحامت طائرات الأباتشي الهجومية فوق الحي، واتخذت المدرعات الأميركية مواقعها حول البناية.

ولكن بدلا من اقتحام البنايات بأنفسهم، عاد الجنود الأميركيون في تلك الليلة الى شركائهم. فكان عشرات من الجنود العراقيين على الرصيف وفتشوا 22 بناية، بينما كان الأميركيون يراقبون من مدرعاتهم. ولم يعثر على اسلحة وعاد الجنود الى مواقعهم سالمين.

وبوجود ألفين من الجنود الأميركيين لحماية مدينة يبلغ عدد سكانها 1.8 مليون نسمة، وهي المعقل الأكبر بالنسبة للتمرد السني العراقي، تعتمد الاستراتيجية العسكرية الأميركية في الموصل الى درجة غير مسبوقة على قوات الأمن العراقية. ويقول مسؤولون عسكريون أميركيون هنا، انه لن يكون هناك شيء شبيه بـ«زيادة» آلاف من القوات الأميركية التي ساعدت على تخفيف القتال في بغداد، ولا جهد رئيسي كبير للبحث عن المتمردين بناية بعد أخرى. بدلا من ذلك يراهنون على أن الجنود والشرطة العراقيين البالغ عددهم 18 ألفا، يمكن أن يتحملوا العبء ضد الجماعات المسلحة التي تخوض القتال في المدينة.

وقال الميجور آدم بويد ضابط الاستخبارات في فوج الفرسان المدرع الثالث «نحن نرى المزيد من استعداد قوات الأمن العراقية لتولي مهمات قتال العدو. نحن نرى قدرات لم نشهدها في السابق».

وفي الأشهر الأخيرة عادت ثلاث كتائب للجيش العراقي الى الموصل بعد عمليات انتشار في بغداد. وصادقت وزارة الداخلية على ارسال ألفين من مجندي الشرطة الاضافيين الى المدينة، وتنسق قيادة عمليات عراقية جديدة جهود قوات الأمن العراقية.

ولكن بعض الجنود العراقيين يقولون انهم لا يمتلكون القوة البشرية، ولا المعدات الكفيلة بإلحاق هزيمة بالمتمردين في الموصل، حيث تفاقم العنف في الأشهر الستة الأخيرة. وحتى أواسط فبراير (شباط) كان هناك 80 هجوما أسبوعيا، أدى ربعها الى قتل أو جرح أشخاص.

ويطرح التركيب الاثني للموصل، تحديات فريدة امام قوات الأمن العراقية. فالعرب السنة يشكلون أربعة أخماس السكان، وليس هناك الكثير من العنف الطائفي، الذي سبب الكثير من اراقة الدماء في أماكن اخرى في البلاد. ولكن كثيرا من السكان مناهضون صراحة لقوات الجيش العراقي، التي يهيمن على قيادتها الأكراد. ويعيش قائد كتيبة الجيش العراقي العقيد دلدار جميل دوسكي مع جنوده في موقع جديد على الضفة الغربية من نهر دجلة. وقد احتل أفراده فندق الموصل المهجور. ويسمي الجنود الأميركيون هذا الجانب من المدينة «الغرب الوحشي»، ويتحمل رجال دوسكي نيران القناصة المتكررة وصواريخ «آر.بي.جي» وقذائف المورتر والهجمات بالعبوات الناسفة. ولدى رجال دوسكي 18 عربة مدرعة فقط، 11 منها عاطلة. ويقف بعض العربات في حقل قريب من الفندق في انتظار أدوات احتياطية بديلة لاصلاحها.

والاصابات الثماني التي عانت منها الكتيبة في أيامها الخمسين الأولى في الموصل، هي اكثر مما عانته خلال سبعة اشهر بكاملها في جنوب غرب بغداد العام الماضي. وخلال ذلك الوقت كان الجنود، ومعظمهم من الأكراد، يشعرون بأنهم وسطاء في الحرب بين السنة والشيعة. أما الترحيب بهذه الوحدة في الموصل فقد كان أكثر برودة بكثير.

وقال دوسكي «انهم يكرهوننا أكثر من الأميركيين. ويعتقدون أننا عملاء أميركيين، واننا لسنا جيشا نظاميا يخدم بلده، وانما يخدم كردستان حسب».

ويحجِّم عدم ثقة السكان المحليين بقدرة الجيش العراقي لجمع المعلومات الاستخباراتية حول المتمردين، الذين يقاتلونهم. فآلاف السنة المسلحين الذين اصطفوا مع الجنود الأميركيين وأعطوا معلومات كثيرة حول تنظيم «القاعدة» في العراق في مناطق أخرى من العراق، فشلوا في تحقيق ذلك في الموصل. وقال دوسكي إن السيطرة على المدينة يتطلب ما لا يقل عن فرقتين عسكريتين عراقيتين.

وقال: «الناس، خصوصا داخل الموصل، لا يحبون الحكومة الجديدة. ولم ينضم إلا القليل منهم إلى الجيش أو الشرطة. وهم لا يساعدوننا في المعلومات».

الكثير من الجنود الأكراد لا يتكلمون العربية، وبعضهم يحط من شأن العرب السنة في المدينة لدعمهم للمتمردين. كرر الرقيب الأول في الجيش العراقي، طيب عبد الرحمن بلغته الانجليزية المحدودة: «الكردي جيد. العربي ليس جيدا».

يقول بعض الجنود الأميركيين الذي يقومون بدوريات هنا مع جنود عراقيين، إن مشاركة نظرائهم أمر محبب كثيرا وهم في الغالب شجعان وأكفاء، لكن الكثير منهم ينقصه الالتزام بالنظام العسكري. وفي حصن عسكري آخر يقع في غرب الموصل تضايق الجنود الأميركيون حينما اكتشفوا أن جنودا عراقيين سرقوا 14 صندوق من الامدادات الغذائية الأميركية وتركوا أغلفتها منتشرة فوق الأرض. كذلك يمكن ان تتسبب الشراكة بين الجيشين مشاكل للجنود العراقيين، الذين يدفعون إلى مهام خطرة من توفر حماية عسكرية أميركية تحت خدمتهم. وفي طريق خطير يعرف باسم شارع بورش، يزرع المتمردون كل ليلة قنابل على حافته، لذلك بدأ الجنود العراقيون بإقامة نقطة تفتيش هناك.

وأصبح هناك نمط واضح من العنف في تلك النقطة: فالعراقيون يتعرضون لهجوم كل 15 دقيقة، بعد أن يمر الجنود الأميركيون بهم. وفي 16 فبراير الماضي أطلق المتمردون قذيفتي «آر.بي.جي» على الجنود المكشوفين بعد مغادرة الدورية الأميركية. وفي اليوم اللاحق جاء مسلحون بأربع سيارات لمهاجمة نقطة التفتيش، حينما لم يكن الأميركيون على مرأى البصر. لكن الجنود العراقيين الذين لم يكونوا يحملون سوى رشاشات كلاشينكوف ـ47 ومن دون أية تحصينات قاتلوهم وتمكنوا من إصابة ثلاثة منهم.

وقال الليفتنانت جون بارلي، 23 سنة، آمر الدورية التي عادت لمساندة الجنود العراقيين: «لم يحبوا عودتنا إلى هنا. ما يحدث هو أن الأشخاص السيئين حينما يشاهدون شاحناتنا هنا يعودون لاحقا لمهاجمة العراقيين».

وقال القادة العسكريون الأميركيون في الموصل إن مقاربتهم تأخذ بنظر الاعتبار الدروس التي اكتسبوها من الهجمات الأميركية السابقة، حيث يغرق عدد كبير من الجنود منطقة عنيفة كي يكتشفوا أن المستهدفين قد هربوا أو أنهم تنكروا بحيث أصبح عسيرا تمييزهم عن المدنيين. ويعتمد الأميركيون على الجيش العراقي لتطوير الخبرة في جمع المعلومات الاستخباراتية التي ستساعد على القيام بغارات محددة للقبض على أفراد متمردين. وقال توماس فلتي الضابط التنفيذي في سرب طائرات بالموصل: «أنت لا تستطيع أن تجلب كل جيش الولايات المتحدة وتفتش كل غرفة في المدينة ثم تغادر. الناس الأشرار سينتظرون. ونحن لا نعرف من هم».

*خدمة «واشنطن بوست» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)