مع اقتراب موعد الانتخابات البلدية في فرنسا التي ستجري على دورتين في 9 و16 مارس (آذار) المقبل، تتعاظم مخاوف اليمين الحاكم من أن يمنى بهزيمة سياسية وانتخابية كبيرة، مما سيقوي موقف المعارضة الاشتراكية واليسارية ويضعف الحكومة ورئيس الجمهورية ويطيح البرنامج الرئاسي الذي على أساسه وصل ساركوزي إلى قصر الإليزيه. وما يضاعف مخاوف حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية، اليميني الحاكم، تسارع انهيار شعبية رئيس الجمهورية وحالة الطلاق بينه وبين الرأي العام الفرنسي وابتعاد الفئات اليمينية الكفيلة الولاء عنه، أي الفئات المحافظة في المجتمع. ويتخوف قادة الحزب الرئاسي من أن ينعكس انهيار شعبية ساركوزي على الانتخابات البلدية، الأمر الذي لم يكن يتوقعه أحد حتى ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
وتفيد نتائج آخر استطلاع للرأي نشرته صحيفة «لو جورنال دو ديمانش» الأسبوعية في عددها ليوم أمس أن شعبية ساركوزي تراجعت 9 نقاط في فبراير (شباط) الحالي عما كانت عليه في يناير(كانون الثاني). وهبطت الى 38%، وهي أسوأ نسبة يعرفها منذ انتخابه رئيساً للجمهورية في مايو (أيار) الماضي. في المقابل، فإن نسبة غير الراضين عن طريقة ممارسته السلطة ارتفعت 10 نقاط لتصل الى 62 %. والغريب في الأمر أن شعبية رئيس الحكومة فرنسوا فيون تسلك طريقا معاكساً، إذ أنها ارتفعت 7 نقاط لتصل الى 57 % فيما تراجعت نسبة غير الراضين عن أدائه من 46 في المائة الى 40 في المائة في شهر واحد. و بنتيجة ذلك، فإن شعبية رئيس الحكومة تتجاوز شعبية رئيس الجمهورية بـ19 نقطة. ويرى المراقبون السياسيون في ذلك ظاهرة استثنائية. فمنذ بدء ولاية ساركوزي، تراجع دور رئيس الحكومة كثيرا بسبب قوة شخصية ساركوزي وتدخله مع مستشاريه في كل شاردة وواردة إلى درجة أنه وصف يوما رئيس الحكومة بأنه «معاونه» الأول. ووصلت الأمور إلى درجة أن المحللين السياسيين أخذوا يتساءلون عن التغيير العميق في مؤسسات الجمهورية الخامسة وتحويل النظام الفرنسي إلى نظام رئاسي على الطريقة الأميركية. وبحسب اختصاصيي الاستطلاعات في فرنسا، فإن الفارق في الشعبية بين ساركوزي وفيون ظاهرة استثنائية. فتقليديا كانت شعبية رئيس الحكومة تتراجع مع الممارسة اليومية للسلطة وازدياد الناقمين عليه فيما كان الرئيس يكتفي بدور الموجه ويعمد غالبا إلى حماية نفسه والتضحية برئيس الحكومة لإحداث صدمة سياسية وإعطاء نفسه فسحة أوسعَ للتحرك. والحال أن أسلوب ساركوزي في ممارسة السلطة جعله في الخط الأول وهو ما يفسر جزئيا تراجع شعبيته لا بل انزلاقها الخطر. وبدل أن يلعب رئيس الحكومة دور «المظلة» التي تقي رئيس الجمهورية من تغير مزاج الرأي العام، فإن ما يحصل في فرنسا حاليا هو عكس ذلك تماماً حيث أن الرئيس يتلقى الضربات ويحمي بذلك رئيس حكومته.