إسرائيل تتنفس الصعداء.. وتعتبر «المسيرة الفلسطينية» إلى حدودها فاشلة.. وتتوقع أخرى أكبر

الحكومة والمعارضة اعتبرتاها «بركانا سياسيا» والجيش اخترق موجات بث المحطات المحلية ليحذر من المشاركة فيها

أطفال فلسطينيون شاركوا أمس في مسيرة السلسلة البشرية عند معبر ايريز على حدود قطاع غزة مع اسرائيل (رويترز)
TT

تنفس المسؤولون الاسرائيليون أمس الصعداء بانتهاء مسيرة الألوف الفلسطينية من قطاع غزة الى حدودها بسلام، واعتبروها فاشلة بسبب العدد الأقل من المتوقع الذي شارك فيها.. لكنهم في المقابل أجروا بحثا تلخيصيا عاجلا، خرجوا منه بقناعة وهي ان «هذه المسيرة كانت مجرد تمرين (برومو)»، وأن الفلسطينيين يعدون لمسيرة أخرى أكبر وأضخم. واعتبرتها حكومة هنية المقالة «رسالة واضحة لكافة الجهات، بأن الشعب الفلسطيني لن يصبر طويلاً صامتاً أمام من يحاصرونه».

بشكل أقل من التوقعات، انتظم آلاف الفلسطينيين في سلاسل بشرية طويلة امتدت بشكل متقطع، من مدينة رفح جنوباً الى الطرف الشمالي من بلدة بيت لاهيا، اقصى شمال قطاع غزة، احتجاجاً على تواصل الحصار المفروض على قطاع غزة منذ أكثر من تسعة اشهر. وشارك الآلاف من طلاب الجامعات والمدارس والرجال والنساء منذ التاسعة والنصف صباحا، في التظاهرة، وحملوا الأعلام الفلسطينية ويافطات كتب عليها «لا لحصار غزة». وهتف المشاركون بشعارات تدعو الى رفع الحصار الفوري عن القطاع، والسماح بدخول المواد الغذائية والدواء. وكان واضحاً من خلال مشاهدة تنظيم السلسلة أن عدد المشاركين هو اقل بكثير من العدد الذي كانت تخطط له اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار، التي اشرفت على تنظيم السلسلة. وبدا واضحاً ايضا أن السلسلة البشرية لم تكن متصلة، كما اعلنت اللجنة الشعبية، حيث أنه تم تنظيم سلسلة بشرية خاصة بكل منطقة جغرافية في القطاع. وعزا المشرفون على تنظيم السلسلة انخفاض العدد الى الأمطار الغزيرة التي هطلت صباح امس، سيما في المنطقة الجنوبية من القطاع. وقال محمد صالحي، 13 عاماً، الطالب في المدرسة الاعدادية في مخيم النصيرات للاجئين وسط القطاع إنه وزملاءه خرجوا للمشاركة في السلسلة للاحتجاج على الحصار الذي حرمهم من الحصول على كتب دراسية، كما كانت عليه الأمور حتى الآن.

ولفت النظر الى ان الاسرائيليين انقسموا على أنفسهم ازاء هذه المسيرة، حيث رأت الحكومة والمعارضة اليمينية انها أشبه بـ«بركان سياسي» ضد سياستها، فيما اعتبرها اليسار «ضربة معلمّ»، لأنها تؤكد للفلسطينيين ان الكفاح السلمي يحقق لهم مكاسب أكثر من العمل المسلح. وقد هاجم اليمين الاسرائيلي الحكومة على انها لم تبادر الى عمليات ردع تمنع الفلسطينيين من تنظيم هذه المسيرة. وقال رعنان غيسين، الناطق الاعلامي للصحافة الأجنبية في الحكومة السابقة، ان القيام بهذه المسيرة، رغم المشاركة الضعيفة فيها، يدل على عجز الحكومة. وجند اليمين الى جانبه عددا من كبار قادة الجيش السابقين، الذين نصحوا الحكومة بإعطاء تعليمات للجيش باستباق المسيرة بواسطة عمليات عسكرية نشطة، مثل الاجتياح المتقدم في القطاع وتنفيذ غارات في الأماكن المقرر أن يسير فيها الفلسطينيون، حتى يخشوا من المشاركة في المسيرة. وقام الجيش باختراق موجات بث المحطات الاذاعية المحلية ليحذر من المشاركة في المسيرة.

وقال النائب حايم غورون، أحد المرشحين لرئاسة حزب «ميريتس» اليساري، ان هذه المسيرة ونشاطات سلمية مماثلة للفلسطينيين، من شأنها أن تعيد القضية الفلسطينية الى مكانها الطبيعي على رأس جدول اعمال السياسة الدولية، وتعيد للفلسطينيين التأييد الجارف ليس فقط في العالم، بل في اسرائيل. وقال أورون ان انتصار حماس في الانتخابات واصرارها على الخطاب العسكري والعدائي لاسرائيل وإطلاق صواريخ القسام نحو البلدات الاسرائيلية الجنوبية وغيرها، كل هذه أضرّت بالقضية الفلسطينية وأضعفت قوى السلام في اسرائيل وفي فلسطين. ولكن العودة الى الكفاح السلمي قد تحدث انعطافا كبيرا في هذه القضية، شرط أن لا تترافق مع استمرار العمليات المسلحة.

وكانت القيادة الاسرائيلية الأمنية والعسكرية قد أعلنت عن رفع حالة التأهب درجة واحدة قبل اعلان الطوارئ، لمواجهة هذه المسيرة. فنشرت حول قطاع غزة قوة عسكرية تقدر بعشرة آلاف جندي من الجيش و6500 شرطي من حرس الحدود والشرطة المدنية والقوات الخاصة لقمع المظاهرات وعدة فرق قناصة، وحملتها تعليمات واضحة: منع تدفق الفلسطينيين الى اسرائيل بأي ثمن. وخلال المسيرة حامت الطائرات المروحية المقاتلة فوق سماء غزة ساعات طويلة.

وحسب الخطة العسكرية، فإن الجيش حدد خطا داخل الأراضي الفلسطينية في قطاع غزة، يحظر تجاوزه. فإذا حاول الفلسطينيون تجاوزه، رغم التحذيرات، يتم اطلاق قذائف مدفعية في طريقهم، وإذا واصلوا التقدم، يطلق نحوهم الغاز المسيل للدموع أو المحدث للدوار، وإذا واصلوا التقدم، يتدخل القناصة ويطلقون الرصاص الحي باتجاه الأقدام. وأعلنوا ان كل من يقترب من الجدار الفاصل بين اسرائيل وقطاع غزة يتحمل مسؤولية حياته. وقالوا ان اسرائيل لن تتصرف مع الفلسطينيين مثلما تصرف المصريون في الشهر الماضي عندما تدفق مئات الألوف منهم الى رفح والعريش. وهددت كل من وزيرة الخارجية، تسيبي لفني، ووزير الدفاع، ايهود باراك، بالضرب من حديد لأية محاولة اقتحام فلسطينية. وحرصت وزارة الخارجية على تعميم الموقف الاسرائيلي عبر سفاراتها في كل مكان في العالم، الى الصحافة الأجنبية والحكومات المختلفة، مؤكدة ان هذه المسيرة «ليست كفاحا سلميا، كما يدعي الفلسطينيون، بل هي خديعة من حماس هدفها تجنيد الضغوط العالمية على اسرائيل لكي تكسر الحصار عن حماس، وتحقق هذه الحركة غاياتها في تثبيت حكم الارهاب في قطاع غزة وإضعاف قوى السلام الفلسطينية وإضعاف القيادة الشرعية الفلسطينية». وكان الاسرائيليون قد اعتبروا المسيرة، أمس، فاشلة حيث ان حماس توقعت مشاركة 50 ألف فلسطيني فيها، بينما بلغ الحضور ـ حسب تقديراتهم ـ 20 ألفا. وقالوا ان المشاركة الضعيفة نسبيا لم تكن فقط بسبب حالة الطقس الماطر، بل أيضا بسبب انعدام ثقة الفلسطينيين بقيادتهم والتهديدات الاسرائيلية بمنع المسيرة من تجاوز الحدود. لكنهم لم يخرجوا من حساباتهم، أن تكون هذه مجرد تمرين أوليّ، تستهدف منه حماس جس نبض اسرائيل ورد الفعل العالمي، وأعربوا عن مخاوفهم من تكرار هذا الحدث في وقت لاحق. وأعلنت الشرطة الاسرائيلية، مساء أمس، عن اعتقال 50 فتى فلسطينيا عند حاجز بيت حانون بعد انتهاء المسيرة وذلك بدعوى قذف الحجارة باتجاه الحاجز.