مساع أوروبية لـ«حصر» الحديث مع سورية بسولانا

باريس: دمشق لا تستطيع المقامرة بالقمة العربية

TT

لم تفقد فرنسا الأمل من إمكانية نجاح أمين عام الجامعة العربية الدكتور عمرو موسى في دفع الجهتين اللبنانيتين المتخاصمتين الى انتخاب رئيس للجمهورية قبل القمة العربية المقررة في دمشق أواخر الشهر المقبل رغم اعترافها بصعوبة المهمة. وتستمر باريس في التأكيد على دعمها الكامل للمبادرة العربية التي «لا ترى عنها بديلا في الوقت الراهن» وتكثف في الوقت نفسه اتصالاتها مع الأطراف اللبنانية والعربية والدولية لحشد الضغوط على سورية وإيران لدفعهما الى تسهيل عملية الانتخاب.

وتراهن باريس، كما تقول مصادرها، على «بلورة موقف عربي موحد وضاغط» على سورية من دول عربية أساسية تعتبر أنها تمتلك «مفتاح» الحل في لبنان.

وقالت مصادر فرنسية واسعة الإطلاع إنه «لا يمكن قبول استمرار دمشق بالمناورة وتعطيل الانتخاب تحت حجج مختلفة»، وأنه يتعين بالتالي أن تحصل الانتخابات «قبل القمة وليس بعدها».

وتشدد المصادر الفرنسية على «الفائدة» التي تستطيع سورية أن تجنيها من الانتخابات اللبنانية الرئاسية وترى فيها «مصلحة» سورية حيث تستطيع القيادة السورية أن تفاخر بأنها «حافظت على وحدة الصف العربي» و«ساعدت» على حلحلة الأزمة السياسية اللبنانية وخفضت منسوب الضغوط الخارجية عليها وأظهرت أنها «ليست معزولة» عربيا وإقليميا أو دوليا. فضلا عن ذلك، بإمكان سورية أن «تحصل ثمنا مرتفعا» لتعاونها عربيا ودوليا.

وعلى الصعيد الفرنسي جددت هذه المصادر التأكيد أن خطوة سورية من هذا النوع تعني أن باريس ستعاود حوارها السياسي مع دمشق من أجل الوصول الى «تطبيع» العلاقات معها وتبدي جهوزية لمساعدتها في علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي ومع الولايات المتحدة الأميركية. والأهم من ذلك أن دمشق تكون قد حصدت نجاحا سياسيا ودبلوماسيا كبيرا «من غير أن تدفع شيئا في المقابل». وقالت المصادر الفرنسية إن دمشق كانت تقول حتى الشهر الماضي إن العماد ميشال سليمان «مرشح مقبول لديها» وبالتالي فإن وصوله الى الرئاسة يعني «وصول رئيس صديق» لها الى قصر بعبدا فضلا عن أن المعارضة اللبنانية «تكون قد حققت الكثير من مطالبها» مقابل السير بانتخاب سليمان. وإذا كانت السلطات السورية نقلت سابقا الى باريس أنه «إذا خيرت بين القمة وبين نفوذها في لبنان فإنها تختار لبنان»، فإن الأوساط الفرنسية تعتبر اليوم أن دمشق «لا يمكن أن تراهن على إضاعة فرصة مهمة بحجم القمة العربية» بفضل ما يمكن أن تجنيه منها على الصعد السياسية والدبلوماسية والدعائية والمالية والاقتصادية. ولذا «تراهن» فرنسا على أن التأخير القائم في الوقت الحاضر مربوط برغبة البعض في الداخل والخارج في «تحصيل» مكاسب سياسية إضافية.

وترى المصادر الفرنسية أن هذا السيناريو هو «أفضل الممكن» لبنانيا وعربيا إذ أن حلا كهذا سيتيح للرئيس اللبناني أن يتوجه الى سورية في إطار القمة أي في الإطار العربي الجماعي وليس في زيارة ثنائية كان يمكن أن تفسر بأنها «لتقديم الولاء». لكنها في الوقت نفسه تأخذ في الحسبان السيناريوهات الأخرى مثل انتخاب رئيس للجمهورية مع إبقاء الأزمة «معلقة» من خلال إدامة الخلاف على تشكيل الحكومة وطريقة إدارة لبنان والمسائل التفصيلية المتصلة بها. وفي سياق مقابل، ترى باريس أنه لا يمكن استبعاد فشل الجهود العربية وعدم انتخاب رئيس جديد قبل القمة. وتعتبر فرنسا أن ثمة «مسارين» محتملين: أن تقاطع دول اساسية القمة مثل السعودية ومصر ودول خليجية وربما الأردن وهذا معناه فشل سوري واشتداد التجاذب العربي والإقليمي وهو ما سينعكس سلبيا على لبنان وإما أن تكتفي دول عربية بخفض مستوى تمثيلها بحيث تعقد القمة وتقلص دمشق خسائرها. غير ان فرنسا تعتبر أنه في هذه الحالة سيكون «الخاسر الأكبر» لبنان.

وبأي حال، فإن باريس تعمل حاليا على بلورة موقف أوروبي يحصر بالممثل الأعلى للسياسة الأوروبية الخارجية، خافيير سولانا، مهمة التحدث الى السوريين باسم الاتحاد. ولهذا الغرض تبذل باريس جهودا مع ألمانيا وإسبانيا وبريطانيا وإيطاليا. وقد بحث هذا الموضع في اجتماع الرئيس فؤاد السنيورة مع الرئيس ساركوزي في الأليزيه الأسبوع الماضي. وعلمت «الشرق الأوسط» أن الدول الأربع اشترطت أن يتم العمل بهذه الخطة لفترة قصيرة. وأفادت مصادر متطابقة أن ساركوزي، منذ بداية الاجتماع، فاجأ السنيورة بسؤاله من غير تمهيد: «هل ما زال سليمان مرشح إجماع؟» وهو ما رد عليه الأخير بالإيجاب.