واشنطن عاجزة عن تحقيق تقدم في مجال الإعمار.. وكرزاي يعيق الجهود

أميركا تفشل في تعيين مبعوث للإشراف على الإعمار بأفغانستان

TT

يسعى البيت الأبيض منذ أوائل الخريف الى تعيين مبعوث اجنبي قوي جديد للإشراف على جهود اعادة الاعمار الدولية في أفغانستان. وفي الشهر الماضي بدا الأمر وكأنه وجد أخيرا رجله المناسب. فبعد اجتماع في الكويت اشار حميد كرزاي الى انه مستعد لقبول السياسي البريطاني البارز بادي أشداون لهذا المنصب.

وبعد اقل من اسبوعين انهار الترشيح في أعقاب تغيير كرزاي موقفه، وهو آخر دليل على وجود توترات بين الرئيس الأفغاني والقوى الغربية التي ظلت تسعى منذ ما يقرب من سبع سنوات الى استقرار البلد الذي كان حاضنة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001.

ولم يفعل المسؤولون الأميركيون الكثير لإخفاء عدم ارتياحهم من الانعطاف الأخير للأحداث الذي لم يتركهم من دون مرشح فقط، وانما أعاق أيضا استراتيجيتهم الرامية الى تعيين مبعوث دولي. وخلال اسابيع من المفاوضات تحولت المهمة من رجل دولة بارز يمكن أن يمارس نفوذا على قرارات الناتو والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة الى دور اكثر تقليديا لمبعوث للأمين العام للأمم المتحدة، وفقا لمسؤولين مطلعين على المناقشات. وفند ريتشارد باوتشر، مساعد وزيرة الخارجية لشؤون جنوب آسيا، في حديث مع الصحافيين الأسبوع الماضي، القول بأن رفض أشداون يعني ان كرزاي يعوق التقدم.

وقال: «انه شريكنا، وهو من سنعمل معه لأنه من اختاره الشعب الأفغاني. أعتقد أنه من الواضح تماما من خلال مناقشاتنا مع الحكومة الأفغانية، وحتى منذ ان شعر أشداون بأن عليه أن يسحب ترشيحه، بأنهم، أيضا، يريدون ان يروا تنسيقا دوليا أفضل».

وقال مسؤولون من الولايات المتحدة والأمم المتحدة انهم ما زالوا يبحثون عن مبعوث. ومن بين من تجري دراسة اختيارهم كاي ايدي، المسؤول النرويجي الرفيع الذي يتمتع بخبرة في مجال الأمم المتحدة، ويان كوبيس وزير الخارجية السلوفاكي، وحكمت تشتين الدبلوماسي التركي الرفيع الذي لديه خبرة في شؤون أفغانستان، ويوشكا فيشر وزير الخارجية الألماني السابق. وناقش الرئيس بوش الموضوع أخيرا مع بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة الذي سيقرر التعيين النهائي.

غير ان مسؤولي ادارة بوش ما زالوا يعترفون بأن الموضوع يلقي اضواء على عجز الولايات المتحدة وحلفائها عن تنظيم جهود اعادة الاعمار المدنية في افغانستان، التي تعرضت أخيرا الى مزيد من النقد من جانب دبلوماسيين.

وتترافق مشاكل إعادة الإعمار مع المصاعب العسكرية المعلنة للناتو في افغانستان، حيث تذمر مسؤولون اميركيون، ابرزهم وزير الدفاع روبرت غيتس، من أن بعض الحلفاء غير مستعدين للمشاركة في القتال الأشد عنفا ضد طالبان. ولكن الكثير من المسؤولين يعتبرون جهود اعادة الاعمار المدنية أكثر حسما في ما يتعلق بالسيطرة على التمرد في أفغانستان.

وعندما طلب أخيرا من مسؤول اميركي كبير يتعامل مع أفغانستان أن يقيم التقدم الأميركي قال: «من الناحية التكتيكية على الجبهة الأمنية يمكنني القول اننا نحقق نصرا».

وكانت النرويج قد اقترحت في البداية مبعوثا رفيعا في خريف العام 2006 ولكن في الصيف الماضي حين تزايدت التقارير عن المشاكل في افغانستان، بدأ المسؤولون الأميركيون بتنشيط الفكرة.

وركز المسؤولون الاميركيون على أشداون، الزعيم السابق لحزب الديمقراطيين الأحرار في بريطانيا. وقالت مصادر ان زلماي خليل زاد، السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة والمقرب من كرزاي، لاحظ تحفظات بين كبار المسؤولين الأفغان، ولكن بدا أن تلك التحفظات تبددت بعد لقاء الرئيس الأفغاني مع أشداون في الكويت في يناير (كانون الثاني) الماضي. ثم التقى بان مع أشداون في مدريد للتمهيد لإقرار الاتفاق. ولكن عندما عاد كرزاي الى كابل تلقى نقدا من أعضاء حكومته بينما صورت وسائل الاعلام أشداون كحاكم اداري محتمل، وهو ما يذكر بالحكام الكولونياليين البريطانيين السابقين. وفي غضون ذلك كان كرزاي يعتقد أن اشداون كان قد نشر قصصا صحافية في بريطانيا تشير الى ان كرزاي زعيم بشتوني ضعيف يقف على رأس حكومة طاجيكية، وهي اشارة صورها كرزاي باعتبارها «إثارة للتوترات الإثنية» وفقا لما قاله مسؤول اميركي.

وأشار سعيد جواد، السفير الأفغاني لدى الامم المتحدة، الى مخاوف بشأن الدور الفعال الذي لعبه أشداون في البلقان. وقال جواد انه «اعتمادا على تجربته السابقة في البلقان فان الحكومة الأفغانية ومسؤولين آخرين طرحوا بعض المخاوف. وقرر الرئيس كرزاي ان دوره لن يكون بناء».

وفي الوقت الذي التقى فيه كرزاي مع بان ووزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس في المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس السويسرية اواخر يناير الماضي لم يكن كرزاي راضيا عن الاختيار. وكان بان قد توجه الى اللقاء متوقعا الاعلان عن تعيين أشداون. وبدلا من ذلك اصدر أشداون بيانا أعلن فيه انسحابه من المهمة.

ولم تكن تلك هي المرة الأولى في الأشهر الأخيرة التي يصطدم فيها كرزاي مع رعاته الغربيين. فقد دخل معركة مع الولايات المتحدة حول استراتيجيات تقليص الأفيون، وفي ديسمبر (كانون الاول) الماضي طرد اثنين من كبار المسؤولين الأوروبيين لاجرائهما محادثات غير مرخص بها مع طالبان. ويرى بعض المحليين عجز إدارة بوش عن ضمان تعيين أشداون باعتباره نكسة خطيرة. غير ان مسؤولين كبارا في الادارة يقولون انه ليس هناك شرخ كبير، وان كرزاي مؤهل لاستخدام الفيتو بشأن موقف يمكن أن يمارس تاثيرا كبيرا على بلاده. وقال سيث جونز، الخبير بشؤون افغانستان في مؤسسة «راند»، ان كرزاي لا يرغب في أن ينظر اليه باعتباره قريبا جدا من الولايات المتحدة. واضاف ان «الإخفاق في تعيين أشداون يظهر حساسية كرزاي في أن لا ينظر اليه باعتباره خاضعا لضغوط المجتمع الدولي».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»