فرنسا تدعو اللبنانيين لتسريع حل أزمتهم السياسية .. وتتخوف من «حالة ملل» خارجية من الملف اللبناني

باريس مقتنعة بأن القمة ورقة الضغط الأخيرة على دمشق

TT

تتأرجح القراءة الفرنسية الرسمية لما وصلت اليه الأزمة السياسية اللبنانية بين حدين: الأول، يميل الى الاعتقاد بأن «الأفق غير مسدود» وأن ثمة احتمالا لحصول انفراج في الأسابيع القليلة المقبلة، وفي أي حال قبل القمة العربية في دمشق بنهاية مارس (آذار) المقبل.

أما القراءة الثانية فتميل الى السوداوية. ورغم أنها لا تستبعد في المطلق نجاح الوساطة العربية الآيلة الى انتخاب العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية، إلا أنها تعتبر أن العامل السوري سيبقى معرقلا ولن يسهل مهمة عمرو موسى ما يعني أن مرحلة ما بعد القمة ستكون أسوأ من سابقتها.

وقد أوفدت باريس، قبل يومين، لودفيك بوي، مسؤول منطقة «المشرق» (لبنان وسورية وفلسطين وإسرائيل ومصر) في وزارة الخارجية الى بيروت ليجري سلسلة لقاءات مع الأطراف اللبنانية ويجمع صورة دقيقة لمواقف الأطراف الداخلية من جهة ويبحث وضعية قوة اليونيفيل والوحدات الفرنسية العاملة في إطارها.

وتعتبر زيارة بوي أول «تحرك» فرنسي ميداني في لبنان بعد «الفشل» الذي منيت به مهمة وزير الخارجية برنار كوشنير ووقف الاتصالات الفرنسية ـ السورية الذي أعلنه الرئيس ساركوزي خلال زيارته الى مصر أواخر العام الماضي.

ومنذ ذلك التاريخ، تراجعت جهود فرنسا عن الصفوف الأمامية واكتفت باتصالات سياسية ودبلوماسية أجرتها «عن بعد» وبالتعبير عن الدعم القوي للمبادرة العربية التي تعتبر انها أخذت بكل الأفكار الفرنسية. واستقبلت باريس مؤخرا وزير الخارجية السعودي، الأمير سعود الفيصل، ثم رئيس الوزراء اللبناني، فؤاد السنيورة فيما يتابع الرئيس ساركوزي وفريقه في الأليزيه مع الوزير برنار كوشنير الاتصالات اليومية مع الجهات «الفاعلة» عربيا وأوروبيا ودوليا لمواكبة جهود موسى وتوفير «الظروف» لنجاح مهمته. تبني المصادر الفرنسية المتفائلة توقعاتها على قراءة دقيقة للموقف وللحسابات السورية من الملف اللبناني على قاعدة الربح والخسارة والمقارنة بين ما يمكن لدمشق أن تجنيه من تسهيلها انتخاب رئيس لبناني جديد قبل القمة العربية وبين ما يمكن أن تخسره في حال واظبت على موقف متشدد ورافض تسهيل مهمة موسى. وترى المصادر الفرنسية التي تحدثت اليها «الشرق الأوسط» مطولا أن «الورقة الرابحة» اليوم بيد العرب والأسرة الدولية هي ورقة انعقاد القمة العربية ونجاحها أو انعقادها وفشلها. وبعكس الصورة التي تسعى دمشق للترويج لها عن «عدم تمسكها» بحضور كل الزعماء العرب ـ في إشارة الى احتمال مقاطعة السعودية ومصر ودول خليجية أخرى، تؤكد المصادر الفرنسية أن القمة هي «ورقة الضغط الحقيقية لأن دمشق لا تستطيع المغامرة بفشلها» لما توفره لها من «نتائج» إيجابية أهمها تأكيد حرصها على «الصف العربي» و«كسر شبه حالة العزلة» التي تعاني منها عربيا ودوليا. وفضلا عن ذلك، ترى باريس أن إصرار دمشق على توجهاتها «سيزيد من عزلتها العربية والدولية وسيعرضها لمزيد من الضغوط السياسية ولاحقا المالية والاقتصادية»، إضافة الى التخوف من ان تلوح في الأفق غيوم إجراءات «عقابية» يمكن أن تتخذها الأسرة الدولية، إما إفرديا أو جماعيا، في حال إصرار دمشق على موقفها. وتداركا لأن تلعب دمشق على حبل «التمايزات» في المواقف الأوروبية منها، تبذل مساع في الوقت الحاضر لحصر التحاور مع السوريين بخافيير سولانا وحده. وفيما تعتبر المصادر الفرنسية المشار اليها أن دمشق «تلعب بمهارة» الورقة اللبنانية «حيث تتلطى وراء حلفائها وتؤكد لمن يسألها أنها مع الإجماع ومع الوفاق»، إلا أنها في الواقع «تحرك الخيوط من وراء الستارة وتفرمل عندما تريد». وتعتبر باريس أن دمشق حسنت وضعها و«حصلت على الكثير» في لبنان على صعيد الملف الرئاسي، ولذلك تعتبر أنها اليوم «قادرة على إتاحة انتخاب سليمان مع المحافظة على المكاسب» التي حققتها في لبنان ومنها شخصية سليمان واستقواء المعارضة وسحب موضوع سلاح حزب الله من التداول وحشر الأكثرية النيابية. وتضيف هذه المصادر أنه إذا ما اعتبرت دمشق يوما أنها بحاجة الى «تعطيل» اللعبة في لبنان فثمة «الف سبب وسبب» يمكن أن تستغلها من اجل تحقيق هذا الهدف. غير أن المصادر الفرنسية لا تستبعد احتمال حصول «نصف انفتاح» من قبل دمشق في الموضوع الرئاسي لجهة إفساح المجال أمام انتخاب سليمان لخفض الضغط العربي والدولي ولكن مع إبقاء إمكانية التعطيل قائمة إن بخصوص تشكيل الحكومة العتيدة أو بلورة برنامج حكم خصوصا إذا كان «المقابل» الذي تطلبه دمشق والمعارضة من سليمان هو «الالتزام» بالوصول الى حكومة «توفيقية» و«احترام مصالح المعارضة السياسية». ولذلك، فإن السيناريو الفرنسي للمرحلة القادمة يأخذ بالاعتبار إمكانية الحل وإمكانية التعطيل و«ما بين بين». وبالمقابل، يرى فريق آخر أن الوضع السياسي «في طريق المسدود». وقالت مصادر فرنسية ترى هذا الرأي ان دمشق «أفهمت» فرنسا أنها «لن تتردد في الاختيار إذا ما خيرت بين المحافظة على تأثيرها في لبنان وبين القمة العربية بكل قادة البلدان العربية» وأن خيارها بالطبع «سيكون لبنان». من هنا، تعتبر هذه المصادر أن «أوراق الضغط» على سورية باستثناء ورقة المحكمة الدولية «ليست عديدة لا سياسيا ولا ماليا ولا اقتصاديا» وأن دمشق «تعول على تحالفها مع طهران» لمقاومة الضغوط الدولية وعلى حلفائها في لبنان لإجهاض أية محاولة للحل فضلا عن أنها تعتبر أن الزمن يلعب لصالحها ولذا فإنها «ليست في عجلة من أمرها».

وفي الحالين، تبقى فرنسا «معبأة» لمساعدة لبنان. ولكنها تنذر اللبنانيين بضرورة أن «ينظروا أولا إلى مصلحة بلدهم» وتنبههم من حالة «ملل» من الملف اللبناني ما يعني ان على اللبنانيين أن يسرعوا في ترتيب شؤونهم الداخلية قبل أن «يضجر» العالم منهم.