وزير الداخلية يدعو لمراجعة قانون الإرهاب في المغرب

استغرب ترويج معلومات خاطئة ربطت تفكيك خلية بلعيرج باستهداف الأحزاب الإسلامية

TT

دعا وزير الداخلية المغربي شكيب بن موسى إلى مراجعة قانون مكافحة الإرهاب، بالنظر الى التطور الذي شهده عمل التنظيمات الإرهابية، والطرق المستحدثة التي تلجأ إليها لتهديد استقرار المغرب. وقال بن موسى، الذي كان يتحدث مساء أول من أمس، في لجنة الداخلية بمجلس النواب (الغرفة الاولى في البرلمان)، إن تزايد عدد الخلايا الإرهابية التي تم تفكيكها في الاعوام الأخيرة، يبين أن قوى الإرهاب أضحت تشكل أكثر من أي وقت مضى تهديدا حقيقيا ودائما، موضحاً أنها تتعدد وتتطور باستمرار، من حيث منابعه وأشكاله وتجلياته واستراتيجية وأهدافه، مبرزا ان التهديد الإرهابي يتطلب الحفاظ على روح اليقظة والحذر لدى السلطات العمومية ولدى مكونات المجتمع، باعتبار ذلك، السبيل الوحيد لإفشال مخططات من وصفهم بـ«أعداء الأمة».

وأشار إلى أن التشكيك الذي صاحب كشف وتفكيك الخلية الإرهابية التي يتزعمها عبد القادر بلعيرج في الآونة الأخيرة، يظهر غياب الثقة في المؤسسات القائمة، معرباً عن استغرابه من كون البعض روج عن خطأ أن الأجهزة الامنية صنعت هذا الملف لتحقيق أهداف غير معلنة، أو أرادت استهداف الاحزاب السياسية ذات المرجعية الاسلامية، في أفق الإجراءات الانتخابية البلدية عام 2009.

وقال بن موسى إن عمل السلطات المختصة تميز خلال مختلف المراحل بالاحترام التام للقوانين، وأن تدخلها ظل خاضعا لرقابة القضاء، ضمانا للتوازن المطلوب بين احترام ممارسة الحريات العامة والمحافظة على النظام العام. وأوضح أن مراجعة قانون مكافحة الارهاب لا يعني المس بالتراكمات المحققة في مجال حقوق الإنسان بالمغرب، وترسيخ الديمقراطية، وبناء دولة الحق والقانون، مشيرا الى أن جميع المنظمات الحقوقية الدولية، تؤكد ايجابية المنحى الذي سار فيه المغرب، وتعتبره نموذجا يحتذى به في الدول العربية والإسلامية. وأكد أن مراجعة قانون مكافحة الارهاب، أضحى مسألة حيوية، لرفع التحديات في مجال محاربة الارهاب، في ظروف دولية صعبة، حيث انطلق مسلسل اختراق المؤسسات القائمة من قبل الإرهابيين، وتطورت الاتصالات لاستقطاب مغاربة لإجراء تدريبات عسكرية في منطقة الساحل والصحراء بشمال مالي، وبمعسكرات الجماعة السلفية للدعوة والقتال بالجزائر والعراق وأفغانستان، وغيرها من بؤر التوتر تفعل ذلك، ليس من أجل «الجهاد» هناك، ولكن من أجل تلقي خبرات في فنون القتال، والعودة الى المغرب للقيام بعمليات إرهابية.

وطلب بن موسى من الأحزاب السياسية والمواطنين المزيد من التعبئة من أجل صد كل العمليات الإرهابية التي كانت تحضر في المغرب، وإرجاع الثقة الى المؤسسات، وعدم السماح بتسرب اليأس، مؤكدا أن وزارة الداخلية قامت بواجبها في إخبار الرأي العام، من دون المس بجوهر ملف خلية «بلعيرج»، لكون القضاء سلطة مستقلة، وهو الذي سيفصل في مسألة براءة أو إدانة المعتقلين، مضيفا أن مساهمة وزارته في إخبار الرأي العام ترمي الى تعبئة الجميع للتصدي لهذه الظاهرة، وتوعية المواطنين بخطورة الموقف، مما يجعل مبدأ الاخبار مسألة بعيدة كل البعد عما وصفه بـ«سوء نية للتأثير على سير المساطر (الاجراءات) القانونية الجارية». وجدد بن موسى التأكيد على صدقية المعطيات التي قدمتها وزارة الداخلية، من خلال عمل جبار قامت به المصالح الامنية بمختلف أنواعها، مشيرا الى أنه لم يكشف عن تفاصيل ما كانت تنوي خلية «بلعيرج» القيام به، لكنه يتوفر على أدلة ملموسة تفيد بأن المعنيين بالأمر، في إشارة الى المتحزبين الذين اعتقلوا، كانوا على علم بالمخطط الإرهابي الذي أعد منذ عام 1992، حيث تم تحديد أهداف سياسية، وعمل إرهابي مسلح.

وبخصوص التأخر الذي حصل في الكشف عن الخلية، قال بن موسى إن مصالح الأمن لم تكن تتوفر على أدلة ملموسة لملاحقة المتهمين في ذات الوقت، ولهذا رخصت وزارة الداخلية عن حسن نية، لحزب «البديل الحضاري» كي ينشط في المشهد السياسي المغربي، في ظروف استثنائية، كانت تتميز بالتحضير للانتخابات التشريعية الاخيرة، في الوقت الذي لم يتم الترخيص لجمعية «الحركة من اجل الأمة» لأسباب مسطرية (إجرائية)، كون المعنيين بتأسيس هذا الحزب لم يقدموا الوثائق الضرورية وفق قانون الاحزاب. وأوضح بن موسى أن المصالح الأمنية استطاعت جمع أدلة تفيد باستمرار الاتصال بين خلية «بلعيرج»، والمتحزبين في إطار من السرية الى حين وقوع الاعتقالات، أي أن التواصل بين أعضاء الخلية، دام إلى غاية فبراير (شباط) الماضي، مبرزا ان مخطط الاغتيالات وضعت له أجندة تنفيذ لأعوام 1992 و1994 و1996 و2002 و2004 و2005. وحسب وزير الداخلية، لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تم إنشاء خلية أخرى لدعم عمل التنظيم عام 2001 وظل مسترسلا في العمل عام 2005.

وذكر بن موسى أن «الاتصالات بين خلية بلعيرج وباقي عناصرها ظل قائما منذ عام 2004 إلى 2008، حيث أدخلت أسلحة جديدة، ومتفجرات يمكن وصفها بالخطيرة حسب خبراء الاسلحة، نظرا لنوعيتها وتنوع استعمالاتها بشكل يجعل أيا كان يعتقد أن العمليات الارهابية التي كانت تحضر، أخطر مما تتصوره بعض وسائل الاعلام، وما يعتقده بعض المواطنين سواء كانوا مسؤولين أو مواطنين». وأكد بن موسى أن الاسلحة المحجوزة بهذه الكمية رافقه إخضاع المعنيين بالأمر الى دورات تدريبية ووضع معسكرات لتطبيق ذات الغرض، مبرزاً أهمية حماية الحدود وتشديد المراقبة في نقاط العبور الحدودية.

وبشأن الإشكالات القانونية التي صاحبت اعتقال المشتبه فيهم، قال بن موسى إن الدولة احترمت القوانين كما هي، ولم يسجل عليها أي خرق في مسألة الاعتقال والتفتيش، مضيفا أن العمل الاستباقي للأجهزة الامنية قد يوقعها في بعض الأحيان في انزلاقات، ولكنها تبقى محدودة، كما يقع في جميع دول العالم، بما فيها الدول المتقدمة. من جهة اخرى، عبر جو فاندورزن، وزير العدل البلجيكي عن قلقه إزاء نجاعة عمل مصالح الاستخبارات في بلاده، عقب تناقل معلومات تفيد بأن بلعيرج كان يعمل مخبرا لدى مصالح الأمن البلجيكية. وكانت صحيفة «ستاندرد» البلجيكية قد ذكرت على موقعها الانترنتي إن بلعيرج، البلجيكي المغربي الأصل، بدأ يتعاون مع جهاز الاستخبارات البلجيكي منذ النصف الثاني من التسعينات، وظل لمدة ثماني سنوات يقدم معلومات للشرطة حول الأوساط الاسلامية في بلجيكا، والاشخاص الاكثر ترددا على المساجد. ومن جهتها، ذكرت صحيفة «دي مورخن» على موقعها الانترنتي، أن جهاز الشرطة الفيدرالية، لم يحط علما بتعاون بلعيرج مع الاستخبارات، كما ان هذه المعلومات لم تتوفر لدى لجنة التنسيق بين الاجهزة الامنية، التي تأسست خصيصا لتنسيق تبادل المعلومات بين الاجهزة المسؤولة عن مكافحة الارهاب.