العلاقات الروسية ـ الأميركية بعد بوتين وبوش.. ستبقى معقدة

ميدفيديف شبه مجهول لدى المرشحين الأميركيين للانتخابات الرئاسية

TT

قرر الرئيس الاميركي جورج بوش فتح صفحة جديدة في مجال التعاون النووي المدني مع روسيا قبل عامين تقريبا. وتفاوضت الحكومتان على اتفاقية ووقعاها بالاحرف الاولى قبل ايام من قيام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين برحلة صيد بحرية مع بوش في الصيف الماضي في كينبرانكبورت بولاية مين الاميركية.

الا ان ثمانية شهور مضت منذ ذلك الوقت، وبقيت الاتفاقية المبدأية كما هي. وحضر مسؤول روسي كبير لواشنطن في الشهر الماضي عندما اعتقد البعض انه حفل توقيع الاتفاقية، الا ان الادارة الاميركية انسحبت في اللحظة الاخيرة. والان تعرقلت الاتفاقية النووية، التي كانت تعتبر رمزا للعلاقات الاميركية الروسية القوية، وسط جدل في واشنطن عما اذا كان يمكن الثقة بموسكو ام لا.

ودخلت العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا مرحلة من الجمود في الوقت الذي يحاول فيه بوش وخليفته المتوقع، تحديد كيفية التصرف تجاه القيادة الجديدة في موسكو، وكيف يمكن خفض التوتر بينهما. ويذهب الروس الى صناديق الاقتراع اليوم للتصويت لخليفة بوتين الذي اختاره بنفسه، وهو ديمتري ميدفيديف. وعلى الرغم من ذلك فإن بوتين ينوي الاحتفاظ بمقاليد السلطة بشكل من الاشكال حيث سيتولى رئاسة الوزراء. والتباعد بين واشنطن والكرملين اصبح واضحا هذا الاسبوع عندما عبر بوش والمرشحان الديمقراطيان علنا عن عدم تأكدهم بخصوص الرئيس الروسي الجديد. فعندما سأل الصحافيون السناتور هيلاري كلينتون تسمية الزعيم الروسي الجديد خلال مساجلة رئاسية تلعثمت «ميدفدفدوفا - » ونطقته بطريقة تجعله في اللغة الروسية اسم امرأة.

وفي اليوم التالي اعترف بوش بعدم معرفته الكثير عن الرئيس العتيد. فقد قال «لا اعرف الكثير عن ميدفيديف، ايضا» خلال حديثه في مؤتمر صحافي. وأضاف: «الامر المثير هو معرفة من سيمثل روسيا في اجتماعات مجموعة الثماني على سبيل المثال... اعتقد هذا الامر سيلقي بعض الضوء على الطريقة التي تنوي بها روسيا العمل في مجال السياسة الخارجية بعد انتهاء رئاسة فلاديمير بوتين».

والجدير بالذكر ان عملية انتقال السلطة في البلدين تحدث وسط خلفية من الشكوك المتزايدة في العاصمتين. فقد شعرت موسكو بغضب شديد عندما اعترفت واشنطن باستقلال كوسوفو في الشهر الماضي، ومرة اخرى عندما التقى بوش برئيس وزراء جمهورية التشيك لمناقشة وضع شبكة دفاع صاروخية اميركية في تلك الدولة الواقعة في اوروبا الشرقية.

والمعروف ان روسيا مدت قدراتها العسكرية عبر عمليات جوية وبحرية طويلة المدى. فقد حلقت قاذفتان روسيتان فوق السفينة العسكرية الاميركية «يو اس اس» في المحيط الهادي في الاسبوع الماضي، مما دفع المقاتلات الاميركية الى اعتراضها.

وكما ان احتمال انضمام الجمهوريتين السوفياتيتين سابقا اوكرانيا وجورجيا الى حلف شمال الاطلسي أغضبت بوتين الى درجة انه هدد مؤخرا باستهداف الصواريخ النووية في العاصمة الاوكرانية كييف، اذا ما اصبحت البلاد جزءا من التحالف العسكري الغربي. وقد ردت وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس على ذلك بشدة غير عادية، واعلنت ان «الخطاب التوبيخي غير مقبول».

ونافذة التقدم حسب ساعة بوش تبدو معطلة. فالمسؤولون الأميركيون مازالوا يشعرون بالضيق أمام مقاومة روسيا لفرض عقوبات دولية جديدة ضد إيران لاستمرارها في تخصيب اليورانيوم تحديا لمجلس الامن الدولي. بينما يشعر الروس بالضيق لإصرار بوش على نشر صواريخ دفاعية في بولندا وجمهورية التشيك من دون بروز أي عرض من بوتين في السنة الماضية للتعاون على نظام دفاعي بدلا من ذلك. ويتوقع الكثير من الخبراء الروس أن يمثل ميدفيديف روسيا في قمة مجموعة الثماني أو أي مؤتمر عالمي بعد أن يتم تنصيبه رئيسا لجمهورية روسيا في مايو (أيار) المقبل ليودع بوش مثلما هو الحال مع بوتين الذي كان انتخب للتو وقام بتوديع بيل كلينتون في الأشهر الأخيرة من إدارة كلينتون عام 2000. واشتكى كلينتون لاحقا من أنه تعرض للصد من بوتين وهذا ما جعل العلاقات بين روسيا وأميركا تجمد حتى قيام بوش بأول لقاء مع بوتين في يونيو 2001.

وسأل ستيفن سستانوفيتش السفير الأميركي السابق في دول الاتحاد السوفياتي السابق خلال أيام كلينتون: «لو كنت ديمتري ميدفيديف أي نوع من العلاقات ستنشئها مع جورج بوش؟ ليس لأنه فقط ينظر إلى المستقبل في فترة رئاسته. بل إن العلاقة بين البلدين فقدت عزمها مما يجعلك بحاجة إلى تجديدها».

يقدم الاتفاق النووي قضية تصلح للدراسة بالنسبة لمشاعر الضيق التي يشعر بها الطرفان تجاه بعضهما الآخر. إذ اعلن بوش خلال زيارته لسان بطرسبورغ في يوليو 2005 أنه قرر السماح بتوسيع التعاون النووي المدني مع روسيا للمرة الأولى وهذا ما غير مسار عقدين من العمل الثنائي (بين الجمهوريين والديمقراطيين) تجاه السياسة الخارجية. ثم دخل الطرفان في مفاوضات لعقد حلف رسمي مطلوب وفق قانون أميركي عرف بالاتفاق رقم 123.

وتطلب أكثر من عام للوصول إلى اتفاق. ورأى مسؤولون أميركيون أنهم كانوا قد صاغوا التفاصيل المتبقية، ومن جانبه سافر سيرجي كيريكيانو الذي شغل منصب رئيس وزراء روسي سابقا إلى واشنطن في الشهر الماضي. لكن تحت الضغط من المتشككين في الكونغرس أعلنت إدارة بوش أنه حتى مع وصول كيرينكو فإن الاتفاق لم يكن جاهزا.

*خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»