ديمتري ميدفيديف.. مرشح بوتين قد يبقي قفازا في يده

يعشق الهارد روك والتكنولوجيا وكان يحلم بارتداء الجينز

ديمتري ميدفيديف
TT

ديمتري أنــاتـولـيفيتش ميدفيديف سياسي ومحام ورجل أعمال صعد نجمه في سماء السياسة الروسية، بفضل صداقته فلاديمير بوتين منذ أن كان يعمل رئيسا لطاقم موظفي الكرملين. وهو يصنف في خانة البراغماتيين الليبراليين المعتدلين، ويتعبر من ذوي الكفاءة اداريا. عينه بوتين في منصب النائب الأول لرئيس الوزراء في 14 نوفمبر (تشرين الثاني) 2005. وشغل أيضا منصب رئيس مجلس إدارة «غاز بروم» مرتين منذ عام 2000 فأصبحت تحت إدارته أقوى مؤسسات الدولة الاقتصادية بأرباح بلغت 25 مليار دولار العام الماضي وحده. وفي 10 ديسمبر (كانون الأول) 2007 رشحته أربعة أحزاب أكبرها «روسيا المتحدة» بشكل غير رسمي لمنصب الرئيس في انتخابات 2008 وأعلن ترشيحه رسميا في 17 منه. ورغم انه تكنوقراطي تسلم سائر مناصبه بالتعيين السياسي وليس بالانتخاب، فقد أظهر استطلاع مستقل، أجراه «مركز ليفادا» بين 21 و24 يوليو 2007، أن قرابة 80 في المائة من الروس سيصوتون له إذا أجريت الانتخابات الرئاسية في أي من تلك الأيام. وكان قد انتخب «شخصية العام» في استطلاع خاص أجرته عام 2005 مجلة «إكسبرت» الروسية المتخصصة في الشؤون المالية والمحترمة دوليا وسط قرائها. ولد ميدفيديف في 14 سبتمبر (ايلول) 1965 لعائلة من أساتذة الجامعات في كوبشينو، وهي إحدى ضواحي لنينغراد (سان بطرسبرغ الآن) البروليتارية. وكان والده محاضرا في الفيزياء ووالدته تدرس الروسية كلغة أجنبية. وتلقى ميدفيديف تعليمه العالي في كلية القانون بجامعة لنينغراد وحصل منها على شهادة الدكتوراه في 1990. يذكر ان هذه الكلية تعتبر، بالنسبة للطامحين الى مناصب حكومية رفيعة، بداية الطريق الى موقع في إحدى الوكالات الأمنية والاستخباراتية أو السلك الدبلوماسي أو الوزارات الكبرى. ومن خريجي الكلية فلاديمير لينين نفسه ولاحقا فلاديمير بوتين الذي جنده جهاز المخابرات الروسي «كيه.جي.بي» وهو في عامه الأخير بالكلية.

وفي العام نفسه (1990) عمل ميدفيديف في برلمان لنينغراد، وبين 1991 و1999 محاضرا زائرا في جامعته القديمة التي صارت تحمل اسم جامعة سان بطرسبرغ. ويقول سيرغي بيلوف، وهو أحد تلاميذ ميدفيديف في تلك الفترة، إن هذا الأخير كان ذا أسلوب صارم في التدريس. ويضيف: «بينما كانت محاضرات الآخرين تبتعد عن الشكليات وبعضها يُطعّم بالنكات هنا وهناك، كانت محاضراته هو لا تحيد عن خطها الأكاديمي المستقيم».

وفي الفترة 1991 ـ 1996 عمل ميدفيديف ايضا خبيرا قانونيا لدى لجنة العلاقات الخارجية في مكتب عمدة المدينة تحت فلاديمير بوتين. وبين 1993 و1999 اشتغل ميدفيديف مديرا للشؤون القانونية في «ايليم بالب انتربرايز» وهي شركة للأخشاب في سنت بيترسبرغ. وعام 1998 انتخب لعضوية مجلس إدارة شركة «براتسكيي ال بي كيه» لإنتاج الورق.

في نوفمبر 1999 كان ميدفيديف واحدا من مجموعة من التكنوقراط منحهم بوتين مناصب وزارية في موسكو. وفي ديسمبر من العام نفسه عين نائبا لرئيس طاقم العاملين في مكتب الرئيس. وهكذا أصبح أحد أقرب المقربين لبوتين وألقيت عليه مسؤولية الإشراف على حملة بوتين الرئاسية عام 2000. ومنذ ذلك الحين وحتى 2002 صار رئيسا لمجلس إدارة غاز بروم مرتين. وفي أكتوبر 2003 عينه بوتين رئيسا لطاقم العاملين في مكتبه، وفي نوفمبر 2005 نائبا أول لرئيس الوزراء، ونائبا لرئيس مجلس إدارة «تنفيذ مشاريع الأولويات القومية» ورئيسا للجنتها التنفيذية.

وكان بوتين وميدفيديف قد التقيا عندما اشتغلا بالسياسة تحت جناح أناتولي سوبشاك، أول عمدة منتخب لسان بطرسبرغ والكاتب المشارك لدستور روسيا الفيدرالية. ونمت روابط الصداقة بين بوتين وميدفيديف حتى أن الأول كان يخاطب الثاني بلقب «ديما» وهو تصغير اسم ديميتري.

وفي أعقاب تعيينه نائبا أول لرئيس الوزراء، فسر المراقبون السياسيون الأمر باعتباره الخطوة الأولى نحو ترشيحه الى الرئاسة في انتخابات 2008. وقيل الشيء نفسه عن فيكتور زوبكوف عندما عين رئيسا للوزراء في صيف 2007. ولكن في 10 ديسمبر من ذلك العام، أعلن بوتين أن ميدفيديف هو الشخصية التي يفضلها لخلافته في منصب الرئيس. وعلى الفور أعلنت أربعة أحزاب تدعم بوتين («روسيا المتحدة» و«روسيا عادلة» و«الإصلاح الزراعي» و«القوة المدنية») انها ايضا تفضله لخلافة الرئيس. وهكذا أعلنت ترشيحه رسميا بعد اسبوع.

من جانبه، رد ميدفيديف الجميل معلنا انه في انتخابه رئيسا فسيعين بوتين رئيسا للوزراء. ميدفيديف متزوج من سفيتلانا فلاديميروفنا ميدفيديفا ـ لينيك، رفيقة طفولته وصباه التي اقترن بها في نوفمبر 1993 وله منها ابن ولد عام 1996 وسماه ايليا. وهو مؤلف، أو مؤلف مشارك، لعدد من الكتب أهمها «القانون المدني ـ في ثلاثة أجزاء» الذي نشر عام 2007 ووصفه النقاد والأكاديميون بأنه «إنجاز مدهش». ويقول ميدفيديف إنه «عاشق مجنون» لموسيقى ا?«هارد روك آند رول» كما تمثلها فرق «ليد زابلين» وديب بيربل» و«بلاك ساباث». ويضيف انه جمع جل اسطوانات هذه الفرق، رغم انها كانت على اللائحة السوداء في الاتحاد السوفياتي الذي عاش فيه سني مراهقته. وبرغم انشغاله بمهامه الرسمية المتعددة، فهو يحرص على إيجاد الوقت (ساعة في الصباح وأخرى في المساء) لهواياته المفضلة وأبرزها السباحة وحمل الأثقال والركض. كما انه لاعب ماهر في الشطرنج ويمارس اليوغا، ويستمتع بقراءة أعمال ميخائيل بولغاكوف ويشجع بضراوة فريق «زينيت سان بطرسبرغ» لكرة القدم. وهو يعشق، كما يقول، آخر صرعات التكنولوجيا ممثلة في جهاز «آي فون» من انتاج شركة «أبل» الأميركية الشهيرة. ويعرف عنه انه من أشد المتحمسين لما يعرف ?«أولبانيان» وهي لهجة عامية روسية خاصة، ابتدعها المراهقون الروس للتخاطب في ما بينهم على شبكة الإنترنت. بل انه يدعو لتعليم التلاميذ هذه اللهجة في المدارس، باعتبارها من الأركان المهمة للثقافة الروسية. ويقول ميدفيديف انه عندما كان يافعا في عهد الاتحاد السوفياتي، كان يحلم بامتلاك أشياء أصبحت رموزا للرأسمالية مثل بنطلون الجينز «ليفايز» أو«رانغلر». ويقول زوار مكتبه إنه يحتفظ فيه بحوض كبير للأسماك التي يطعمها بنفسه.

وبرغم مناصبه الرفيعة المتعددة، يظل ميدفيديف رجلا ذا موارد مالية متواضعة نسبيا. فلدى ترشحه للرئاسة أعلن ـ بموجب القانون ـ حجم ثروته. فقال إن مدخراته تبلغ 113 ألف دولار، إضافة الى امتلاكه شقة في موسكو وسيارة «فولكسفاغن غولف» مسجلة باسم زوجته. ولكن رغم شعبية هذا الرجل، يقول المحلل السياسي الروسي المستقل، ديميتري أوريشكين، إن ميدفيديف «سيظل مجرد قفاز في يد فلاديمير بوتين». ويحذر من أن أية محاولة من جانبه للانعتاق عن قبضة الرئيس السابق ستجتث من جذورها وبلا رحمة. والسبب في ذلك، كما يقول، هو ان بوتين «يتمتع بولاء البرلمان والأجهزة الأمنية والاستخباراتية ووسائل الإعلام بمختلف أشكالها. وأي خطوة مستقلة يخطوها ميدفيديف ستعتبر بمثابة إعلان حرب على نخبة البلاد السياسية التي سترد الصاع صاعين».

* وحدة أبحاث «الشرق الأوسط»