اللبنانيون يلتزمون منع التجول كلما قرر قطب سياسي أن يطل إعلاميا على جمهوره عبر شاشات التلفزيون

المحازبون يعتبرون إطلاق الرصاص «تصويتا بالنار» لشعبية القائد

TT

بات اللبنانيون يحسبون ألف حساب في كل مرة يطل فيها احد الزعماء السياسيين في لبنان على شاشة التلفزيون فيلتزمون «منع التجول» بقرار شخصي خوفا من «رصاصات الفرح»، التي قتلت وجرحت الكثيرين منهم في الفترة الماضية، وكان نصيب عام 2008 وحده قتيلا و11 جريحا، اخرهم ليل اول من امس.

فعند كل اطلالة يتحول ليل بيروت وضواحيها الى نهار بفعل وميض الطلقات النارية، التي يبدو ان المناصرين يعتبرونها «تصويتا بالنار» لشعبية القائد السياسي، ويعمدون من خلالها الى اظهار قوتهم النارية في وجه الاخرين، دونما اكتراث لقانون الجاذبية الذي يوضح ببساطة ان الطلقة النارية وان وجهت نحو السماء فهي لا بد عائدة الى الارض الا اذا منعها رأس احدهم أو جسمه.

ورغم ان عادة اطلاق النار في المناسبات – المفرحة والمحزنة – هي عادة لبنانية متجذرة، الا انها اتخذت في الفترة الاخيرة طابعا جماعيا يوحي بالاحتقان السياسي الكبير في اوساط المحازبين، ويظهر مدى انتشار السلاح في اوساطهم. ففي حرب يوليو (تموز) الاخيرة، وبينما كانت ضاحية بيروت الجنوبية تتعرض لقصف اسرائيلي غير مسبوق، انطلقت رصاصات الابتهاج في الهواء فرحا باصابة البارجة الاسرائيلية بصواريخ حزب الله. أما بعد انتهاء الحرب فقد ارتبط ظهور الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله باطلاق كثيف للنار في الهواء، حتى ان نصر الله نفسه كان يخاطب جمهوره في كل اطلالة «مقبلا اياديهم» راجيا عدم اطلاق النار، ولكن من دون جدوى، فيمل من الطلب من غير ان يمل مطلقو النار.

وقد ادى اطلاق النار في الاطلالة الاخيرة لنصر الله الى مقتل شخص واصابة اثنين، فيما كانت الخسائر لدى ظهور رئيس تيار «المستقبل» النائب سعد الحريري التلفزيوني 4 جرحى... وسيارة الرئيس السابق للحكومة سليم الحص.

وعشية اطلالته الاعلامية الاخيرة ليل اول من امس كان رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري يتحدث أمام زواره عن السبب الذي دفعه الى اصدار بيان يطلب فيه من مناصريه عدم اطلاق النار عند بدء المقابلة المتلفزة، مبديا استغرابه الكبير لهذا «السلوك المستجد، الذي يحمل في طياته الكثير من الاستهتار بارواح الناس واملاكهم...وأعصابهم». وروى بري كيف أثّر فيه خبر مقتل ثلاثة اشخاص جراء اطلاق الرصاص ابتهاجا عند انتخابه رئيسا لمجلس النواب مرة ثالثة عام 2005، وروى كيف ان احدهم سخر من الفكرة متسائلا: «اذا فاز قتل 3، فماذا لو خسر؟».

وقد أصدر بري بيانا توجه فيه الى «كوادر حركة امل وعناصرها والى المحبين والمناصرين، متمنيا عليهم عدم اطلاق النار، والتزام النظام العام وموجباته، والتحلي بمناقبية المجاهدين»، آملا في ان تكون «فرصة للاقلاع عن عادات لطالما كانت موضع انتقاد من جميع اللبنانيين والعقلاء والمرجعيات الدينية والوطنية». وعمدت حركة امل الى التعميم على عناصرها عدم اطلاق النار تحت طائلة الطرد، وتردد ان عناصرها جالوا قبيل المقابلة في شوارع منطقة الشياح التي تتمتع فيها بنفوذ كبير لمنع اطلاق النار، فكانت اجابة احد العناصر «وهل ندعهم يظنون ان الرئيس لا رجال لديه؟!». فما الذي حصل؟ عند موعد بث المقابلة، وقبل ظهور بري على الهواء كان الرصاص يلعلع في اجواء الضاحية الجنوبية وبيروت. ولم يكتف هؤلاء باطلاق الرصاص الخفيف والثقيل، بل اطلقوا ايضا قذائف «آر. بي. جي»، سقط بعضها على منازل في الضاحية الجنوبية وبيروت، وكانت الحصيلة 3 جرحى... وانهيارا عصبيا واحدا لشخص سقطت قذيفة من الطراز المذكور على سطح منزله في محلة طريق الجديدة أحد المعاقل الرئيسية لتيار «المستقبل» في العاصمة اللبنانية. أما في حارة حريك في الضاحية فقد اخترقت قذيفة من الطراز نفسه سطح احد المنازل، فيما سقطت قذائف مماثلة على منطقتي بئر حسن وصبرا على اطراف بيروت، أما في منطقتي الحازمية والاشرفية حيث الغالبية مسيحية فقد اصيبت سيارات عديدة بالرصاص المتطاير فرحا. وحرص بري خلال فترة الاستراحة على سؤال مساعديه عما اذا حصل اطلاق للنار، فكان الرد ايجابا مما اثار حنقه كما ابلغ احدهم «الشرق الاوسط».

وكما جرت العادة في المرات السابقة، لم تتحرك السلطات الامنية والعسكرية اللبنانية لتوقيف المخالفين، ولم تصدر اية بيانات عن الاصابات التي لحقت بالمواطنين، لكن وزارة الداخلية والبلديات اصدرت بيانا لاحظت فيه ان «بعض المواطنين وخاصة الحزبيين منهم يعمدون الى اطلاق النار والقذائف الصاروخية احيانا، تحت ستار الابتهاج، خلال الاطلالات الاعلامية لقيادات سياسية وحزبية، مما يؤدي الى حالة من الهلع والبلبلة لدى المواطنين، واصابة العديد منهم بجروح وتضرر في الممتلكات الخاصة». وشددت الوزارة «الحريصة كل الحرص على أمن المواطنين وسلامتهم... على ضرورة الامتناع عن تكرار هذه العادة الضارة والمسيئة والمخالفة للقانون»، كما دعت «في الوقت نفسه السياسيين المعنيين كافة الى الالتزام فعلا بمنع قواعدهم الشعبية وأنصارهم من اطلاق النار تحت اي ظرف كان، انسجاما مع المبادئ التي لطالما كانوا وما زالوا يؤكدون التزامهم بها، لاسيما تكريس سيادة القانون والحفاظ على أرواح المواطنين وممتلكاتهم».