روسيا: مرشح الكرملين يحصد أصوات الناخبين ويتقدم بفارق كبير في النتائج الأولية

احتمالات الخلاف ومشكلة توزيع الصلاحيات مع رفيق الأمس بوتين

رئيس اقليم الشيشان رمضان قديروف يرقص مع مسؤولين آخرين بالقرب من مركز انتخابي (رويترز)
TT

أظهرت النتائج الأولية فوز مرشح الكرملين ديمتيري ميدفيديف في انتخابات الرئاسة الروسية بحصوله على 64 في المائة من اصوات الناخبين. وتقدم ميدفيديف بفارق كبير على أقرب منافسيه الشيوعي جينادي زيوغانوف الذي حصل على 19.8 في المائة . وقبل انتهاء عملية الاقتراع، ندد الحزب الشيوعي ومنظمة غير حكومية روسية بوجود غش وانتهاكات. وتحدثا عن ملء صناديق الاقتراع بالاصوات، وطرد مراقبين من مراكز الاقتراع او ارغام عمال على التوجه الى مراكز الاقتراع تحت طائلة التعرض لعقوبات.

وأعربت مجموعة المراقبين الغربيين الذين يغطون انتخابات الرئاسة الروسية عن قلقها ازاء حدوث مخالفات في عملية التصويت وأسلوب الحملة الانتخابية في الايام السابقة على التصويت. وقالت منظمة روسية مستقلة لمراقبة الانتخابات ان مراقبيها أحبطوا محاولات لملء صناديق في مراكز الاقتراع بمنطقة موسكو قبل بدء التصويت. وأصدر آخر زعيم سوفياتي، ميخائيل غورباتشوف، حكمه على ميدفيديف باضفاء مديح باهت عليه، وهو يدلي بصوته معربا عن شكوكه تجاه العملية الانتخابية. قال غورباتشوف الذي خرج من السلطة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991 «أعتقد انه متعلم وعصري ولديه استعداد جيد. ولديه خبرة طيبة كمحام، وهو ذكي لكن هناك عيبا واحدا انه لم يعمل على المستوى الاتحادي لفترة كافية» بحسب وكالة رويترز للأنباء. وأدلى بوتين بصوته في مركز اقتراع بأكاديمية العلوم مع زوجته لودميلا وقال ان هطول الامطار مؤشر جيد. واضاف مبتسما للصحافيين بعد أن أدلى بصوته «أنا في حالة مزاجية جيدة. أشعر بمزاج أني في عطلة. إنها تمطر، وهذا مؤشر طيب».

وقد سجلت انتخابات الامس حسب تصريحات مصادر اللجنة المركزية للانتخابات ارتفاعا ملحوظا في نسبة اقبال الناخبين عن مثيلتيها في الانتخابات البرلمانية الماضية في 2007 والانتخابات الرئاسية السابقة في 2004، على الرغم من ان القانون الانتخابي الجديد ينص على جواز الاعتراف بشرعية الانتخابات باشتراك اي عدد من الناخبين على خلاف القانون السابق الذي كان ينص على ضرورة مشاركة ما لا يقل عن خمسين في المائة من عدد الناخبين المسجلين في القوائم الانتخابية. واعتبر الكثيرون من المراقبين ذلك امرا مثيرا للدهشة في ظل ما كان يسود الساحة الروسية من حالة اللامبالاة التي نجمت لدى الغالبية الساحقة من المواطنين تحت وقع الدعاية المفرطة لمرشح الكرملين ميدفيديف وعدم شعبية المرشحين الاخرين ومنهم غينادي زيوغانوف مرشح الحزب الشيوعي وفلاديمير جيرينوفسكي مرشح الحزب الليبرالي الديموقراطي اللذان سبق وشاركا في كل الانتخابات الرئاسية السابقة بداية من عام 1991 ومرورا بانتخابات 1996 امام الرئيس السابق بوريس يلتسين و2000 امام فلاديمير بوتين. ومن المعروف ان النجاح لم يحالف ايا من المرشحين في هذه الانتخابات وإن رجحت مصادر تزوير نتائج انتخابات الجولة الثانية في عام 1996 التي اسفرت آنذاك عن فوز مرشح الشيوعيين زيوغانوف امام بوريس يلتسين الذي كان طريح الفراش في مستشفى الكرملين. من المقرر ان يعلن فلاديمير تشوروف رئيس اللجنة المركزية للانتخابات صباح اليوم النتائج الاولية لانتخابات الامس تمهيدا لإعلانها رسميا في السابع من مارس (آذار) 2008، انتظارا لمراسم تتويج الرئيس الجديد في السابع من مايو (ايار) المقبل وهو الموعد الذي يحدده الدستور لتسلم الرئيس الجديد لمهام منصبه بعد انتهاء فترة الولاية الدستورية الثانية للرئيس الحالي فلاديمير بوتين. واشار تشوروف الى ان الرقابة على انتخابات الامس جرت بمشاركة ما يقرب من ثلاثمائة من المراقبين الدوليين يمثلون ما يزيد عن ثلاثين دولة بمن فيهم ممثلو عدد من المنظمات الدولية والاقليمية ومنها الجمعية البرلمانية الاوروبية ومنظمتا بلدان مجموعة شنغهاي وبلدان الكومنولث. ومن المعروف ان منظمة الامن والتعاون الاوروبي رفضت ايفاد ممثليها بسبب عدم سماح موسكو بزيادة عدد المدعوين للمشاركة من هذه المنظمة الى جانب عدم تلبية رغبة وصول ممثليها قبل موعد الانتخابات بما يقرب من الشهر وهو ما سخر منه الرئيس بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف في حينه على اعتبار ان ذلك لا يحدث بالنسبة للبلدان الاخرى. من جانب اخر، منع المعارض الروسي وبطل الشطرنج السابق غاري كاسباروف امس من الوصول الى الساحة الحمراء في اطار تحرك عفوي تنديدا بـ«مسرحية» الانتخابات الرئاسية، فيما اعتقل اربعة ناشطين شبان من اليسار المعارض، كما افادت وكالة الصحافة الفرنسية. وكان زعيم حركة «روسيا الاخرى» يسير في اتجاه الكرملين حين حاصره نحو عشرين من عناصر شرطة مكافحة الشغب في لباس مموه.

وقال كاسباروف ان «المواطنين الروس مجبرون على المشاركة في مسرحية مسماة انتخابات، لكنها ليست سوى مؤامرة من الكرملين». كذلك، قالت الشرطة الروسية ان انفجارا تسبب في اصابة رجلين في منطقة داغستان بجنوب روسيا امس. ووقع الانفجار في بلدة خاسافيورت غرب العاصمة الاقليمية ماخاتشكال. وقال أحد افراد شرطة خاسافيورت ان الانفجار غير مرتبط بالانتخابات ولم يقع قرب اللجان الانتخابية. ولم تتمكن الشرطة من تأكيد أنباء بوقوع انفجار ثان. وكان ميدفيديف ادلى بصوته باكرا في احدى مدارس موسكو برفقة زوجته سفيتلانا. واكتفى بالقول "انا مرتاح. الربيع بدأ، طبعا ثمة مطر قليل لكن الجو ممتع. انه تغير الفصول"، بحسب ما نقلت عنه وكالة انترفاكس للانباء. وعلى مستوى المرحلة المقبل، ثمة من يقول انه اذا كانت انتخابات الامس لم تلق الاهتمام الواجب من جانب الغالبية الساحقة من ابناء الدولة الروسية بسبب ان نتائجها كانت معروفة سلفا، فان ما اسفرت عنه من فوز اولي لمرشح الكرملين صار يثير الكثير من الجدل في اطار ترقب ما قد يسفر من تغييرات او صراع حول تشكيل الحكومة الجديدة التي اعرب بوتين عن استعداده لرئاستها جنبا الى جنب مع الرئيس الجديد. ولعل هذه القضية تحديدا تكون الاكثر اثارة للجدل بسبب حساسية الموقف بين الصديقين من منظور رئاسة المرؤوس اي ميدفيديف لرئيسه اي بوتين بعد سنوات من العمل الى جانبه «تلميذا» في كل المواقع التي عهد بها اليه سواء في بلدية المدينة الام سان بطرسبورغ في النصف الاول من تسعينيات القرن الماضي، او في ديوان الحكومة الروسية ابان رئاسته لها في عام 1999 او في ديوان الكرملين بعد فوزه في انتخابات عام 2000. وكان بوتين قد اشار ردا على سؤال بهذا الشأن الى انهما سيتفقان حول توزيع الصلاحيات وهو ما قد يعني تغييرا فيما نص عليه الدستور الروسي من توزيع للصلاحيات بين رئيس الدولة ورئيس الحكومة الذي يشير الدستور الى انه الشخصية الثانية في سلم قيادات الدولة. وثمة من يقول ان توزيع الصلاحيات سيكشف عمليا عن الكثير من ملامح مستقبل بوتين ومدى قدرته على العودة الى منصب الرئيس في الانتخابات الرئاسية المقبلة بعد اربع سنوات وربما قبل هذا التاريخ. وينص الدستور الروسي على صلاحيات لا محدودة لرئيس الدولة الذي الى جانب حقه في تحديد اسم رئيس الحكومة يملك سلطة تحديد نهج السياسة الخارجية واعلان حالة الحرب وارسال القوات المسلحة الى الخارج والإشراف المباشر على وزراء القوة اي الخارجية والداخلية والعدل والطوارئ واجهزة الامن والمخابرات. غير ان هناك من يقول ايضا ان بوتين سيكون مدعوا الى الانصراف الى تنفيذ ما سبق وحدده من استراتيجية العمل في الفترة المقبلة حتى عام 2020 والارتفاع بمستوى الدخل القومي وتحديث الاقتصاد الروسي في الوقت الذي شن فيه علماء معهد الاقتصاد التابع لاكاديمية العلوم الروسية حملة يطالبون فيها باعادة النظر في مجمل سياسات بوتين الاقتصادية ويرفضون ما يقال حول تحقيق الانجازات التي عزوها فقط الى ارتفاع اسعار الطاقة والمواد الخام.